الحريري: كفى تأويلا وتهويلا واستنفارا.. لا مكان للفتنة في قاموسنا

افتتح المؤتمر التأسيسي لتيار «المستقبل» ورد على «مخاوف» نصر الله في موضوع المحكمة الدولية

جانب من مؤتمر تيار المستقبل أمس («الشرق الأوسط»)
TT

رد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أمس على «مخاوف» الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في موضوع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تنظر في قضية اغتيال والده الرئيس الحكومة السابق، رفيق الحريري، من دون أن يخفض سقف مواقفه، معتبرا أن «هناك من يتصور، أو يتخوف، أو يهول، أو ربما يتمنى، أن تكون قضية اغتيال الرئيس الشهيد، سببا في اندلاع أزمة لبنانية أو فتنة مذهبية»، ومؤكدا في الوقت نفسه أنه «لا مكان في قاموسنا الوطني لهذه المخاوف والادعاءات أو حتى التمنيات، وأننا لا نبني أحكامنا أو وجهة نظرنا، على أي معلومات أو وقائع موجودة في عهدة التحقيق بجريمة الاغتيال»، مشددا على أن «القضية بالنسبة لنا، قضية مبدئية لا ترتبط بمسار التحقيق، وإنما هي قضية التزام أخلاقي ووطني بحماية مجريات العدالة، وقضية التزام شرعي وقومي نتعاطى معها بروح المسؤولية لمنع الفتنة من النفاذ إلى وحدتنا الداخلية».

ولفت الحريري في كلمة ألقاها خلال افتتاح المؤتمر التأسيسي العام لـ«تيار المستقبل» إلى أن «أمر المحكمة الدولية ليس طارئا، وقضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر الشهداء، باتت قضية وطنية لبنانية وعربية ودولية، كما أن الإجماع اللبناني على وجوب الالتزام بتحقيق العدالة مسألة غير قابلة للتأويل أو المساومة، وجزء لا يتجزأ من قرارات الحوار الوطني اللبناني، ومن البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة بعد جريمة الاغتيال، وكذلك من قرارات القمم العربية التي قاربت هذه المسألة وأكدت أهمية تحقيق العدالة بشأنها»، وقال:«لا أريد أن أقول لكم إننا في منأى عن العاصفة، فأنا أرى يوميا بأم العين، حجم التحديات، لكنني أريد أن أؤكد لكم، أن العاصفة التي لم تتمكن من القضاء على مشروع رفيق الحريري في الحياة الوطنية اللبنانية، لن تتمكن لا اليوم ولا غدا من اغتيال رفيق الحريري مرة ثانية»، موضحا أن «الظلم وقع علينا قبل اغتيال الرئيس الشهيد، واستمر بعد تنفيذ جريمة الاغتيال، وهناك محاولات لتكرار الظلم، وتنظيم حملات من شأنها إثارة البلبلة والقلق في نفوس المواطنين، ونحن من جهتنا، ندعو إلى التهدئة والابتعاد عن الانفعال، والتزام الآداب السياسية والوطنية التي تعلمناها في مدرسة رفيق الحريري».

وأشار الحريري إلى أن «المؤتمر التأسيسي العام لتيار (المستقبل) سيكون على صورة ما عرفه لبنان والعرب والعالم، عن رفيق الحريري»، لافتا إلى أن «الاصطفاف الطائفي نقيض العيش المشترك ونقيض الديمقراطية أيضا، إنه دعوة إلى الانتقال بلبنان من الدولة إلى الساحة، وتكريس لثقافة ما يسمى بالديمقراطية الطائفية، التي نرى أن استمرار العمل بها من شأنه أن يراكم الخلل في حياتنا الوطنية والديمقراطية»، قائلا: «نحن معكم، نراهن على تطويق هذا الخلل، ولا نجد خيارا أمام تيار (المستقبل) سوى العمل على كسر حلقات الاصطفاف الطائفي، والانخراط في نهج وطني يعني كل شرائح المجتمع، ليدفع بلبنان نحو واقع ديمقراطي متجدد». ورأى الحريري أن «هناك من يعتقد ومن سيروج، أن هذا المؤتمر، يضع حجر الأساس لحزب السنة في لبنان، وأن تيار (المستقبل)، سينضم إلى قافلة الأحزاب الطائفية والمذهبية»، معلنا «باسم هذا المؤتمر، وباسم جماهير تيار (المستقبل) في كل مناطق لبنان، وعلى مساحة الانتشار اللبناني في العالم، أن تيار (المستقبل) لن يحمل هوية مذهبية أو طائفية أو مناطقية، وأن المدى الذي تمثله السنة في لبنان، وفي هذه المنطقة من العالم، لن يختصر في حزب أو تيار أو حركة».

وعن العلاقة مع سورية، قال الحريري: «تعلمون جميعا أنني قمت منذ نهاية العام الماضي بأربع زيارات ناجحة إلى دمشق، وواجبي أن أعلن أمامكم أنها أدت لفتح صفحة جديدة مع القيادة السورية، ومع سيادة الرئيس بشار الأسد تحديدا»، مشددا على أن «هذه الصفحة المبنية على الصدق والصراحة والأخوة، واحترام سيادة واستقلال الدولتين ما كانت ممكنة، لولا أنني أستلهم من شجاعة وتجربة رفيق الحريري القدرة على إجراء المراجعة للمرحلة السابقة، ولولا الإيجابية التي يبادلنا بها الرئيس الأسد والحكومة السورية لنستكمل التحرك في الاتجاه السليم، وإنهاء مرحلة، لم يعد من المصلحة ولا من الجائز الاستمرار بها، ويجب طيها»، كاشفا «إننا اليوم أمام مرحلة جديدة ستكون لمصلحة لبنان، وستعيد العلاقات اللبنانية - السورية إلى ما يجب أن تكون عليه، لقد فتحت سورية أبوابها أمام جميع اللبنانيين، ونحن علينا أن نفتح عقولنا وقلوبنا وأبوابنا، والقيادة السورية تضع أمامها مصلحة بلادها ومواطنيها، وهذا حقها، وأمر يشرفها، ونحن أيضا نضع أمامنا مصلحة لبنان ومصلحة اللبنانيين، وهذا ما نفعله مع كل الدول الشقيقة والصديقة، لكن روابط التاريخ والجغرافيا والعروبة تجعل من مساحة المصلحة المشتركة بين لبنان وسورية مساحة واسعة تفوق بما لا يقاس مجموع المصلحتين معا». وأوضح الحريري أن «زيارته الأخيرة أسست من دون شك لترجمة إرادتنا المشتركة في دفع هذه العلاقات في الاتجاه الصحيح»، مضيفا «إنني أتطلع مع كل اللبنانيين المخلصين إلى البناء على هذه المرحلة لتفعيل دور لبنان في تعزيز التضامن العربي وتثبيت نتائج المصالحة العربية الكبرى التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الكويت».

وأكد الحريري أن تيار «المستقبل» سيبقى وفيا لشركائه جميعا في «14 آذار» مهما تبدلت المواقع وتباينت الآراء وتغيرت الظروف، وسيتعامل مع المتغيرات بموضوعية وواقعية ودائما، في إطار الالتزام بالثوابت والقناعات الوطنية، قائلا: «من هنا كان قرارنا بالمشاركة في الحوار الوطني وتأكيد وجوب إعطاء البلاد فرصة جديدة لالتقاط الأنفاس ومحاصرة أسباب الفتنة التي هبت في غير مكان، لقد تراجعنا في مرحلة معينة ليتقدم لبنان خطوة في اتجاه الاستقرار، وتقدمنا بعد ذلك نحو انتخاب رئيس للجمهورية، ثم نحو تجديد الفوز بالانتخابات النيابية».

من جهة أخرى شدد الحريري على أن «إسرائيل، لن تتمكن من لبنان، طالما عرف اللبنانيون كيف يحافظون على وحدتهم الوطنية، وإسرائيل لن تتمكن من لبنان إذا كانت الدولة في لبنان قوية ومتماسكة، وليست مجرد ملعب لمونديال الطوائف»، مؤكدا أن «مسؤولية الدولة أن تكون في مستوى التحدي للعدوان الإسرائيلي، وانتهاكاته لأرضنا وسيادتنا وحقوقنا في مياهنا وثرواتنا الطبيعية»، لافتا إلى «ضرورة بقاء شباب وشابات تيار (المستقبل) حراسا لقضية فلسطين، بما يعني أن نحسن الحراسة لاستقرار لبنان وأن نجعل من هذا البلد نموذجا يستطيع أن ينافس إسرائيل بصيغته الحضارية، ورسالته إلى العالم وبكفاءة أبنائه وبناته وقدرتهم على إدارة شؤون الدولة ورعاية النظام الديمقراطي». وينتقل المؤتمر بعد جلسة الافتتاح إلى مناقشة الورقة السياسية والورقة الاقتصادية، والبنود المطروحة على جدول الأعمال الذي أعدته اللجنة الخماسية، سعيا للانتهاء إلى خلاصات ولصيغة تنظيمية جديدة للتيار.

وقال محمد خضر فتفت، عضو مجلس النواب اللبناني عن تيار «المستقبل»: «أهمية المؤتمر أنه ينعقد في الجو السياسي الراهن في البلد، وسيؤكد التزام التيار بالوحدة الوطنية»، مضيفا ردا على سؤال: «هذا المؤتمر يأتي كرد، في جزء منه، على من اغتال الشهيد رفيق الحريري».