الصراعات السياسية والعرقية تزيد الوضع الأمني في الموصل توترا

إحصاءات المحافظة: 422 قتيلا وأكثر من 1100 جريح في النصف الأول من العام الحالي

TT

نزح السكان من منازل كثيرة داخل ثالث أكبر مدينة عراقية بسبب التفجيرات، وتظهر على جدران المنازل آثار الآلاف من طلقات الرصاص. ولكن على عكس مناطق كثيرة في العراق شهدت هدوءا بدرجة كبيرة خلال الأعوام الأخيرة، حدث مقدار كبير من الدمار في هذه المدينة خلال هذه الفترة.

وتعد مدينة الموصل مركز محافظة نينوى نموذجا مصغرا للنزاعات في العراق في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة لتقليل عدد جنودها إلى 50 ألف جندي بحلول الأول من سبتمبر (أيلول). ويتقاتل زعماء عرب سنة وأكراد على أراض متنازع عليها، فيما يتنافس مسؤولون من الحكومة المركزية ومن الإدارات داخل المحافظة بغية السيطرة على مقاليد الأمور، ويستمر المتمردون في عمليات كر وفر عبر الحدود مع تركيا وسورية.

«سنظل شوكة في صدر الأميركيين».. عبارة كتبت على جدار في هذه المدينة. وهذا ما يعمل مسؤولون أميركيون بجد على تجنبه ويركزون في الوقت الحالي اهتمامهم على الموصل حتى لا يتركوا وراءهم قنبلة موقوتة تتهدد الحكومة العراقية الوليدة والقوات الأميركية التي ستبقى داخل العراق حتى انسحاب كافة القوات الأميركية بحلول نهاية 2011.

وقد شهدت الهجمات داخل محافظة نينوى تراجعا خلال العام الماضي، ولكنها لا تزال من أكثر المناطق التي تشهد أعمال عنف داخل العراق. وبين 1.8 مليون شخص تقريبا داخل الموصل، توجد شكوك كبيرة في القوات العراقية المتنوعة التي تخرج في دوريات في أرجاء المدينة. وأشار الجنرال راي أوديرنو، القائد الأميركي الأعلى، أخيرا، إلى أنه ربما تكون ثمة حاجة إلى قوة حفظ سلام دولية من أجل الحفاظ على الأمن داخل بعض المناطق بعد انسحاب الولايات المتحدة.

ومن مباعث الخوف، الجماعات المتمردة التي تستغل النزاع العربي الكردي على الأرض. وقال أوديرنو في حديث مع صحافيين الأسبوع الماضي إنه على الرغم من أن القوات الأميركية والعراقية نجحت في قتل واعتقال زعماء بتنظيم القاعدة داخل العراق في مدينة الموصل، فلا يزال التنظيم ناشطا داخل الصحراء المجاورة.

وعلى مدار الأشهر الستة الأولى من العام، قضى 422 شخصا داخل نينوى في أعمال عنف، وذلك حسب ما تفيد به إحصاءات المحافظة. وعلاوة على ذلك، فقد أصيب أكثر من 1100 شخص بجروح. ويزيد عدد القتلى داخل المحافظة بأكثر من ثلاثة أضعاف عن عدد القتلى داخل الأنبار، التي كانت في وقت ما قلب التمرد.

ويُنظر إلى القوات الأمنية هنا على أنها جزء من المشكلة. ويُعتقد أن الجماعات المتمردة تمكنت من التسلل إلى صفوف الشرطة، ويشتهر قائد رئيسي في الجيش العراقي في المنطقة، وهو ناصر الهيتي، بوسائله القاسية، حسب ما ذكر الجنرال أوديرنو. ولم يكن الهيتي مرغوبا فيه من جانب القادة الأميركيين داخل أبو غريب، حيث كان يعمل في السابق. ولكنه حظي بثناء كبير من جانب وزارة الدفاع ويُنظر إليه على أنه من المفضلين من جانب رئيس الوزراء نوري المالكي. ولم ترد وزارة الدفاع على مكالمات طلبا للتعليق.

وتعمل فرقتان من الجيش العراقي وفرقة من الشرطة الفيدرالية والشرطة المحلية داخل المدينة لأنه لا يمكن لقوة أن تسيطر بمفردها على هذه المدينة. ويقول مسؤولون عراقيون إنه لا يوجد اتصال قوي بين القوات المختلفة. ويقول محافظ نينوى أثيل النجيفي: «تكمن المشكلة في أن المواطنين لا يتعاونون بصورة كاملة ويعطوننا معلومات. ولا تزال الثقة ضعيفة بين القوات الأمنية والمواطنين. ولدينا من 5 إلى 6 هيئات استخباراتية تعمل هنا. وكل هيئة تتبع جهة محددة داخل بغداد. ولا توجد ثقة بين هذه الهيئات. وينتج عن ذلك صراع في بعض الأحيان».

ويكره الأكراد النجيفي، وهو قومي عربي، لأنهم ينظرون إليه على أنه معاد لهم. ولكنه يقول إنه يجب أن تكون له سيطرة أكبر على الأمن داخل المحافظة. ولا يمكنه السفر إلى المناطق التي يسيطر عليها الأكراد وليست لديه سلطة على قوات فيدرالية بل ترسل هذه القوات تقاريرها إلى بغداد. ويقول مع مستشاره القانوني إن الجيش العراقي يلقي القبض على المئات من المواطنين ولا يسمح لهم بالتواصل مع محامين.

ويرى الكولونيل تشارلس سيكستون، أحد قادة الجيش الأميركي داخل الموصل، إن الخلاف بين وحدات القوات الأمنية العراقية «خلاف صحي». ويأمل الجيش الأميركي في أن تسد نقاط التفتيش البالغ عددها 23 نقطة تفتيش على امتداد الشريط الحدودي بالمنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد (12 نقطة منها داخل نينوى وحدها) الثغرة الأمنية التي تساعد الجماعات المتمردة على العمل، حسب ما يقوله الجنرال توني كوكلو، الذي يتولى قيادة القوات الأميركية في الشمال. ويوجد في نقاط التفتيش مزيج من القوات الأميركية والعراقية والكردية.

ويوجد داخل المحافظة ومدينة الموصل أغلبية من العرب السنة، مع عدد كبير من السكان الأكراد بالإضافة إلى أقليات أخرى. وتركز الولايات المتحدة جهودها على إزالة أسباب التوتر في الوقت الذي تسحب فيها قواتها، وتركز أيضا على تدريب الشرطة كي ترتقي إلى المستوى الذي يمكنها من تولي المسؤولية عن الأمن داخل الموصل.

ولا يساعد على تحقيق ذلك الضبابية السياسية التي تسيطر على العراق، وقد مضت أربعة أشهر منذ الانتخابات العامة، ولكن لم تظهر حتى الآن حكومة تتولى مقاليد الأمور بسبب المأزق الذي تعيش فيه الفصائل المتنافسة. وبغض النظر عمن ستؤول إليه سدة الحكم، فإنه سيرث تحديا يتمثل في ضرورة معالجة الأوضاع داخل المناطق المتنازع عليها.

ويريد الأكراد ضم ما يعتبرونه أراضي كردية إلى إقليمهم الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، فيما يريد العرب الإبقاء على الأرض تحت سيطرة الحكومة المركزية. ويُطلق على هذه المنطقة «خط الزناد» لأنه من المحتمل أن تشهد أعمال عنف سريعا.

ويرى غازي محمد أعمال العنف بصورة مستمرة في مركز الطب الشرعي الذي يعمل فيه. وتقع وفيات جراء أعمال عنف بصورة يومية. كما يقوم محمد بالنظر في مزاعم بالتعرض للتعذيب على يد القوات الأمنية توردها المحاكم بمعدل 5 إلى 6 حالات في الأسبوع. ويقول إن نحو 80 في المائة من هؤلاء المواطنين لديهم أدلة على الضرب أو علامات حريق. وقال محمد «توجد نقاط تفتيش في كل مكان، وما زالت عمليات القتل مستمرة». ويوجد على حائط خلف محمد رسم بياني يوضح نمو وتراجع حوادث القتل داخل المحافظة. وقد تزايدت عمليات الاغتيال قبل الانتخابات، ثم تراجعت بعد ذلك، ويرى محمد عمليات الاغتيال ترتفع مجددا. ويعلق على ذلك قائلا: «هذه قضية سياسية، إذ يتجاوز الأمر مجرد متمردين ومقاومة».

ويقول محمد إنه قدم التماسا لنقله من مكان عمله هذا، حتى لا يكون عليه تحمل تهديدات من قوات أمنية وأقارب المتمردين القتلى. كما قدم طلبات للحصول على اللجوء السياسي في خمس دول، ولكن فشلت جميع المحاولات. ويقول: «لا توجد ثقة، وتعاني المدينة من الاضطراب. وتثير القوات الأمنية عداوات من داخل المدينة في كل يوم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»