مسؤول صيني يدعو علانية للديمقراطية.. حرية تعبير أم طعم لاصطياد المنشقين؟

يثير جدلا بتطرقه لقضايا تستفز الحزب الشيوعي دون أن يدخل في تحد مباشر معه

يو كيبينغ
TT

يبدو إعلان تأييد الديمقراطية في دولة استبدادية تخضع لحكم حزب واحد بمثابة خطوة حمقاء. وبالفعل، قضى وي جنغشينغ، أحد أبرز المنشقين المناصرين للديمقراطية في الصين، أكثر من عقد في السجن لمطالبته بإجراء انتخابات تشارك فيها عدة أحزاب. والعام الماضي، صدر حكم بالسجن 11 عاما ضد الكاتب ليو تشياوبو بعد كتابته بيانا يدعو لوضع نهاية لاحتكار الحزب الشيوعي الصيني للسلطة.

وهناك أيضا يو كيبينغ، الخبير السياسي الذي ظل يشدو في مدح الديمقراطية لسنوات. وفي أشهر مقالاته على الإطلاق، «الديمقراطية أمر طيب»، طرح يو حجة حماسية تدور حول حتمية عقد انتخابات مباشرة في الصين، واصفا الديمقراطية بأنها «أفضل نظام سياسي ابتكرته البشرية». وفي أبريل (نيسان) الماضي، نشر مقالا آخر دعا فيه الحزب الشيوعي للالتزام بالدستور، وهو قول ليس بالهين في بلاد كثيرا ما يؤكد قادتها الحكوميون على ضرورة وضع القانون في خدمة الحزب.

كتابات يو يجري بيعها في المكتبات المملوكة للدولة، وهو يعد واحدا من المسؤولين البارزين في الحزب الشيوعي، حيث يتولى مسؤولية «المكتب المركزي للتأليف والترجمة»، وهي وكالة مغمورة تعنى بأعمال الترجمة لحساب القادة الصينيين والدعايات الماركسية بمختلف أرجاء العالم. كما يتولى إدارة منظمة سياسية بحثية تعرف باسم «مركز الصين للتوجهات السياسية والاقتصادية المقارنة»، ويقدم المركز المشورة إلى القيادة الصينية. وحتى الخبراء المعنيون بالصين يواجهون صعوبة في تحديد ما إذا كان يو صوتا شجاعا على صعيد دعوات التغيير، أم أنه مجرد طعم لاصطياد أنصار الديمقراطية الحقيقيين. على الصعيد الشخصي، يبدو يو، 51 عاما، لين الحديث رغم ولعه بالأسلحة والقيادة الخطيرة. والمثير أنه لا يبذل مجهودا لتوضيح حقيقة موقفه من الديمقراطية. وفي هذا الصدد، اكتفى يو بالقول من داخل مكتبه في بكين، حيث أحاطته مئات الكتب: «لست سوى عالم يعنى بالبحث الأكاديمي».

وعند إلقاء نظرة عن قرب عليه، يتضح أن يو يفتح نافذة صغيرة على دور المثقفين القلائل الذين تعلموا السير في حقل ألغام خطير، حيث يتناولون قضايا تبدو استفزازية ويمكن أن تشكل كتاباتهم قوة دافعة للتغيير، لكن في النهاية نادرا ما تدخل كتاباتهم في تحد مباشر لأسس النظام الصيني القائم على هيمنة الحزب الواحد.

وحتى استخدام يو لكلمة «ديمقراطية» يختلف في حقيقته عما قد يبدو عليه، حيث يتحدث القادة الصينيون باستمرار عن الديمقراطية باعتبارها هدفا جديرا بالسعي وراء تحقيقه، بينما ليس لديهم في الواقع أي نية للتنازل عن احتكار الحزب الشيوعي للسلطة. والملاحظ أن يو لم يعلن قط تأييده للديمقراطية القائمة على عدة أحزاب على غرار تلك الموجودة في الغرب.

وقال غو تيانغو، المحامي السابق في مجال حقوق الإنسان من شنغهاي الذي أجبر على العيش في منفى منذ خمس سنوات واستقر حاليا في كندا: «ربما تبدو كتاباته جيدة، لكنه يعمد إلى تضليل الشعب الصيني ودفعه للاعتقاد أن الحكومة تتحرك باتجاه الديمقراطية. إنه يدين بوظيفته للرئيس هو جنتاو، وإذا أفرط في حديثه عن الديمقراطية قد يخسر كل شيء. إنه جبان».

إلا أن بعض المتابعين لمسيرة يو المهنية يرون أن دوره أكثر تعقيدا من ذلك بكثير، حيث يعتقدون أنه يؤمن حقا بالديمقراطية، لكنه أشبه بمن يسير على حبل رفيع في محاولة لحث النخبة الصينية على التحرك باتجاه الإصلاح من دون إثارة غضبها. وقال مينشين بي، الخبير بالشؤون السياسية الصينية في «كليرمونت مكينا كوليدج»، إن يو شخصية صينية عامة فريدة من نوعها تحاول التأثير على النظام من خلال كلمات منتقاة بعناية وغموض متعمد في لحظات معينة. وأضاف: «إنه يتميز بالمرونة بحيث لو كان المناخ العام أكثر تساهلا، كان سيتحرك إلى مدى أبعد، لكنه يعي أن التمادي لن يعود بالنفع عليه أو القضية الأكبر التي يناصرها».

خلال سلسلة من المقابلات التي عقدت مؤخرا، بدا يو هادئا وميالا للإفراط في الحديث، لكن إجاباته جاءت متوافقة بصورة كبيرة مع كتاباته الداعية للإقرار التدريجي للديمقراطية «عندما تكون الظروف مواتية». إلا أنه تجاوز أيضا العبارات الطنانة الغامضة التي أطلقها الرئيس جنتاو في حديثه عن الديمقراطية والذي أعرب عن اعتقاده أن الصين تتمتع بالفعل بحريات سياسية واسعة. وفي سؤال له حول ما إذا كان يعتقد أن النظام السياسي الصيني يمكن أن يوصف بأنه ديمقراطي، عرض يو عددا من الأمثلة على الإصلاحات التي جرى تجريبها في المناطق الريفية أو المدن الإقليمية الصغيرة، لكنه استطرد: «ما يزال أمامنا طريق طويل». مثلما هي الحال مع كثير من أقرانه، ترعرع يو في خضم فترة الاضطراب التي صاحبت «الثورة الثقافية» الماوية خلال العقد الممتد بين عامي 1966 و1976 عندما كان يجري النظر إلى أفكار مثل حقوق الإنسان العالمية وحرية التعبير باعتبارها ملوثات برجوازية قادمة من الغرب. كان صراع الطبقات شعار تلك الفترة، وقد جرى اختيار يو، وهو نجل مزارعين من إقليم زهيجيانغ الساحلي، زعيما لفرقة «الحرس الأحمر» في مدرسته. ولم يكن بلغ العاشرة من عمره بعد.

وما يزال يذكر عمليات إرهاب مالكي الأراضي والتجار خلال ما كان يطلق عليه جلسات النضال. وقال: «كنت صغيرا للغاية لدرجة أنني كنت أضطر إلى الوقوف على مقعد».

عام 1978، أي بعد عامين من وفاة ماو، وخلال فترة استعادة البلاد مظاهر الحياة الطبيعية وإعادة فتح المدارس، كان يو من أوائل أبناء جيله الذين التحقوا بالجامعة. في ربيع 1989، كان يو يعمل مدرسا بجامعة بيكنغ، وأشار إلى أنه زار ميدان تيانامين عدة مرات للاعتناء بطلابه الذين كانوا جزءا من الحشد الذي تظاهر اعتراضا على الفساد والتضخم، وطالب بإصلاحات ديمقراطية. وعن ذلك الحدث الذي شهد تدخلا عسكريا دمويا خلف مئات القتلى، قال يو: «ساورني قلق بالغ بشأنهم. لقد كان الأمر مأساة مؤسفة».

إلا أنه أضاف أن تلك الأحداث لا بد وأنها علمت الصين ضرورة خلق سبل قانونية أمام مواطنيها للتعبير عن شعورهم بالسخط بسبب تعرضهم لظلم ما، أو رغبتهم في التغيير. وقال: «في أي دولة، عندما يطالب الناس بالإصلاح، يعد هذا مؤشرا على الازدهار. ومن شأن تجاهل مثل هذه المطالب زعزعة الاستقرار».

وأبدى يو إعجابه بالولايات المتحدة، حيث عمل مدرسا زائرا بجامعة ديوك. وما يزال يحمل في داخله ذكريات للمداولات داخل الفصل الدراسي والنشاط الكبير الذي تتسم به وسائل الإعلام. وقال: «لقد أعجبت حقا بروح المثابرة الأميركية وقيم المساواة والعدل وأسلوب اهتمام الناس بالبيئة». ورغم التفتح الذي يتميز به الأميركيون، ما يزال يتذكر الرهبة التي كانت تتملك من حوله عندما يعلمون أنه عضو بالحزب الشيوعي. أما أبرز الذكريات التي ترسخت في ذهنه فكانت بعدما غادر جامعة ديوك للسفر عبر 30 ولاية في حافلة، مشيرا إلى أنه شاهد حينها الفجوة بين شديدي الثراء ومن يعانون الفقر المدقع، وغياب احترام كبار السن ومشاعر اللا مبالاة في يوم الانتخابات، خاصة بين المواطنين العاديين.

مر يو بتجربتين شخصيتين مع الجانب السلبي للحرية المفرطة، كانت إحداهما عندما هاجمه رجل يحمل سكينا في دورة مياه عمومية في إنديانابوليس. وقال ضاحكا: «تظاهرت أنني لا أتحدث الإنجليزية، ثم دخل رجل آخر دورة المياه مما دفع من هاجمني إلى الفرار».

وقد أثارت هذه الحادثة اهتمامه بالأسلحة. أما ولعه الآخر فيتمثل في قيادة السيارة خارج الطريق، وعلق على ذلك متحدثا عن زوجته تش تشيولي، أستاذة جامعية بمجال التاريخ الاقتصادي الصيني بقوله: «ينتابها الفزع من قيادتي». وقبل انتهاء المقابلة، عاود الحديث عن فترة طفولته قائلا: «عندما أفكر في أيام الثورة الثقافية أتذكر حقيقة واحدة: إن الديمقراطية وحكم القانون فقط فقط القادران على إنقاذ الصين من التردي مجددا في مثل هذا المصير».

* خدمة «نيويورك تايمز»