القوات العراقية لا تزال ضعيفة رغم اقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية

الجيش أكثر جاهزية لكنه يقوم بالكثير من مهام الشرطة

عراقي يمر أمام حطام سيارة في مكان انفجار ببغداد أمس (رويترز)
TT

عندما تنهي الولايات المتحدة مهمتها القتالية في العراق خلال 5 أسابيع سيكون أمن البلاد في يد قواته الأمنية المحلية الناشئة التي تلقت تدريبات على يد الأميركيين. ويبدو الجيش العراقي تقريبا جاهزا للمهمة، فيما تحقق الشرطة نجاحات أحيانا وتمنى بإخفاقات أحيانا أخرى، وتعد الميليشيا الكردية دون المستوى بدرجة كبيرة.

ويقول رئيس أركان الجيش العراقي إنه من دون الوجود الأميركي لن تكون القوات العراقية قادرة على الدفاع عن نفسها قبل 2020. ويوافق أنطوني كوردزمان، وهو مدير سابق للتقييم الاستخباراتي داخل البنتاغون، على أن الأمر سيستغرق أعواما.

وقد تأكدت وجهة النظر هذه خلال حوارات على جبهات مختلفة طائفيا خلال الأشهر الأخيرة حيث قضت وكالة «الأسوشييتد برس» وقتا مع الجيش والشرطة والميليشيا الكردية خلال مهامهم وتعرفت على نقاط الضعف والقوة في الوقت الذي تستعد فيه هذه القوات لموعد انتهاء المهمة القتالية للقوات الأميركية في 31 أغسطس (آب).

ومن المؤكد أن القوات العراقية حققت نجاحات كبيرة منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، حيث تم حل الجيش وجردت الشرطة من نفوذها. ويقول قادة أميركيون إن أعمال العنف تراجعت بمقدار أكثر من النصف بالمقارنة مع معدلاتها قبل عام، عندما انسحبت القوات الأميركية من المدن العراقية. وتراجعت أعمال العنف بنسبة 90 في المائة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2007، عندما بلغت عملية زيادة القوات الأميركية داخل العراق ذروتها.

وفي الوقت الذي تستعد فيه القوات الأميركية للانسحاب بالكامل من العراق بحلول 2011، يعمل الجيش الأميركي على التأكيد على قدرة القوات الأمنية العراقية. ولا يكاد يمر يوم من دون الإعلان عن قيام القوات الأمنية المحلية إما بقتل أو إلقاء القبض على متمردين يشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة في العراق، بالإضافة إلى مجرمين عاديين.

وقال الجنرال راي أوديرنو، قائد القوات الأميركية في العراق، إلى صحافيين بالبنتاغون يوم الأربعاء «من الواضح أنه لا تزال بعض أعمال العنف، ولا نزال في حاجة إلى إحراز المزيد من التقدم داخل العراق، ولكن تولت قوات أمنية عراقية المسؤولية عن الأمن في مختلف أنحاء العراق، ولا يزالون في مرحلة النمو ويتحسن الوضع في كل يوم».

ولكن، لا تزال ثغرات كبيرة في تدريب وتجهيز نحو 675 ألف فرد ضمن القوات الأمنية. والأكثر أهمية أنه لم يتم التعامل بحسم مع خلافات عرقية وطائفية بين الأفرع الأمنية المتنوعة، وهو ما يثير مخاوف بشأن عودة التوترات.

وقال ياسر ماجد، وهو ملازم شيعي في الجيش عمره 26 عاما، الشهر الماضي خلال دورية في مدينة جلولاء «نحتاج إلى الأميركيين حتى نصبح أقوياء وألا يمكن أن يعود الوضع مثلما كان عام 2006 وتنشب أعمال عنف طائفية».

وتعني الفجوة في الاستعداد أن الجيش لا يزال يؤدي بعض الأدوار التي يجب أن تكون على عاتق الشرطة، مثل إدارة نقاط التفتيش داخل المدن حيث يتم تفتيش السيارات بحثا عن متفجرات. وتنتظر العشرات من السيارات لفحصها بحثا عن متفجرات داخل شارع فلسطين شمال بغداد. ويقول العريف علي الحياني إن جنود الجيش العراقي كانوا قد حققوا إنجازا داخل هذه النقطة في مارس (آذار) حيث تمكنوا من إلقاء القبض على مناف عبد الرحيم الراوي، وهو مسلح يتبع تنظيم القاعدة في العراق، بعد أن تعرفوا على وجه من أحد ملصقات المطلوب القبض عليهم. وقد أدى ذلك إلى مقتل اثنين من قيادات التنظيم في غارة أميركية - عراقية. وقُتل أو جرى اعتقال 36 شخصا على الأقل من 44 عنصرا بارزا يتبعون تنظيم القاعدة داخل العراق، وحدث معظم ذلك في عمليات عراقية - أميركية مشتركة.

وبعد مرور 7 أعوام على العمل إلى جانب الجيش الأميركي، يُنظر إلى الجيش العراقي الذي يضم 248 ألف جندي بدرجة كبيرة على أنه صاحب أفضل تدريب وأفضل معدات بين القوات الأمنية العراقية. ولكن يجب على هذه القوات أن تحرس الحدود، وليس توفير جنود يخدمون في نقاط التفتيش، حسب ما يقوله العقيد معان مهند. ويضيف «من المفترض أن تقوم الشرطة بذلك، ولكن لا تزال المدن في حاجة إلى الجيش».

ويقوم الجنود بالتجول داخل الشوارع في سيارات أميركية الصنع حاملين رشاشات أميركية. ولكنهم يتفقون مع مسؤولين أميركيين على أن أجهزة الكشف عن المتفجرات المحمولة يدويا غير جيدة وعجزت في الأغلب عن رصد السيارات المستخدمة في تفجير مبان حكومية داخل بغداد خلال العام الماضي.

كما تتسم قدرات الجيش الاستخباراتية بالضعف، ولا يزالون يعتمدون بدرجة كبيرة على المعلومات التي يقدمها الأميركيون، وهي من المهام القليلة التي لا يزال الجيش الأميركي يقوم بها بعد الانسحاب من المدن العراقية قبل أكثر من عام.

وخلال كل غارة تمت في إطار مكافحة الإرهاب تحت قيادة الشرطة العراقية والجيش في جلولاء والموصل خلال الشهر الماضي، كان في صحبة القوات الأمنية مراسل من وكالة «الأسوشييتد برس». وكانت القوات تعود من دون تحقيق شيء رغم التوقعات بإلقاء القبض على متمردين أو العثور على مخازن أسلحة. وقال متحدث باسم الجيش الأميركي إن ذلك كان متوقعا لأن عمليات الاعتقال لعناصر تابعة لتنظيم القاعدة دفعت الكثير من المسلحين بعيدا عن الشوارع.

وكما هو الحال مع الشرطة، يشكل الشيعة أغلبية الجيش ولكن رئيس أركان الجيش كردي، وسمح منذ عام 2006 لقرابة 20 ألف جندي وضابط سني بالعودة إلى صفوف الجيش بعد تسريحهم.

وعلى المستوى الوطني، أصبحت الشرطة الفيدرالية التي تسيطر عليها الشيعة سيئة السمعة خلال الاقتتال الطائفي عامي 2006 - 2007، عندما عمل ضباط مع ميليشيا شيعية قامت باختطاف وقتل الآلاف من السنة. ومنذ ذلك الحين قام وزير الداخلية جواد البولاني بالتخلص من الكثير من القادة الطائفيين المتعصبين. ولكنه لم يبذل الكثير من أجل تغيير السيطرة الشيعية الكبيرة. ومما عزز التوترات الطائفية الكشف في أبريل (نيسان) عن سجن سري داخل بغداد عُذّب فيه سنة مشتبه في ضلوعهم في الإرهاب – معظمهم من مدينة الموصل. وأغلق السجن تحت ضغوط أميركية.

وفي الوقت الحالي، يُنظر إلى القوة الفيدرالية التي يبلغ قوامها نحو 46 ألفا على أنها فعالة بصورة عامة، حسب ما أفاد به تقرير وزارة الدفاع الأميركية إلى الكونغرس عام 2009. وأشار التقرير إلى أن الشرطة المحلية التي يبلغ قوامها حاليا 300 ألف في مختلف أنحاء العراق، دون المستوى بدرجة كبيرة. وقال التقرير إن الشرطة المحلية «لا تزال ذات كفاءة ضعيفة ولم تظهر المبادرة المطلوبة وتواجه مشكلات كبيرة فيما يتعلق بالفساد ولم يحصل سوى أقل من نصف الأفراد على تدريب».

وعلى رأس ذلك كله، توجد مشكلة قوات البيشمركة الكردية. فذات يوم وقف عنصر البيشمركة محمد نوري صامتا داخل نقطة تفتيش مرورية شرق خانقين في محافظة ديالى غير قادر على الحديث إلى جندي في الجيش العراقي واقف إلى جواره، حيث يتحدث نوري باللغة الكردية فيما يتحدث الجندي باللغة العربية، ولذا يتواصلون في الأغلب بالإشارات. وكانت قوات البيشمركة تقاتل ضد نظام صدام حسين، وهم حاليا القوة الأمنية داخل إقليم كردستان وتعد الجيش الوحيد على الحدود مع تركيا وإيران. وتقوم قوات البيشمركة، التي تقدر بـ127,200 شخص، بحراسة الحدود على طول مناطق غنية بالبترول شمال العراق متنازع عليها منذ عشرات الأعوام.

وعلى ضوء المخاوف من أن تتحول التوترات بين الأكراد والعرب إلى أعمال عنف دامية، شكلت الولايات المتحدة خلال العام الحالي نقاط تفتيش تديرها قوات كردية وعراقية وأميركية في المناطق المتنازع عليها، ويقفون جميعا ضد عدو مشترك يتمثل في المتمردين.

ولا يوجد ضمان على استمرار نقاط التفتيش عندما تغادر باقي القوات الأميركية عام 2011، ولا توجد نهاية منظورة للخلافات بين الحكومة المركزية داخل بغداد والأكراد. ويبدو أن شبح نشوب حرب أهلية بين العرب والأكراد يقلق أوديرنو لدرجة أنه طرح احتمالية الحاجة إلى قوة حفظ سلام أممية.

ويقول اللفتنانت كولونيل جوزيف ديفيدسون، من الجيش الأميركي، إن البيشمركة يشعرون بالامتعاض من الأجهزة والرواتب الأفضل التي يحصل عليها الجيش العراقي. ويقول اللفتنانت عزيز خان محمد تاج الدين، وهو قائد يتبع البيشمركة في إحدى نقاط التفتيش: «رواتب الشرطة والجيش العراقية جيدة، ويحصلون على زي موحد وأسلحة. ولكن.. علينا استخدام أموالنا. وقد اشتريت هذا الرشاش والواقي من الرصاص والزي الموحد».

ومؤخرا، وقعت بغداد اتفاقا مع حكومة كردستان لإعطاء تدريبات للبيشمركة مثل التدريبات التي يحصل عليها الجيش العراقي. لكن يقول ديفيدسون إنه لا يزال أمام رجال الميليشيات «طريق طويل».

وتواجه إحدى قصص النجاح الأمني خلال حرب السبعة أعوام مخاطر جديدة مع تهميش مجالس الصحوة، التي تعرف أيضا باسم «أبناء العراق» بدرجة كبيرة خلال القتال. وكان من المفترض أن يتم دمج قوات الصحوة البالغ عددها 100 ألف في القوات الأمنية. ولكن حول عدد كبير منهم إلى وظائف مكتبية ولا يقومون بالكثير فيما يتعلق بالأمن، ويشعرون بالغضب بينما يشاهدون العشرات يقتلون على يد متمردين ينظرون إليهم على أنهم عملاء للأميركيين. ويقول الشيخ عيفان سعدون، وهو عضو مجلس الأنبار مهد قوات الصحوة: «هؤلاء الأبطال غير مستعدين لقتال (القاعدة) لأنهم لم يحصلوا على ما يستحقونه».

ويستشهد مسؤولون أميركيون باستطلاعات رأي تظهر أن معظم العراقيين يؤمنون بقدرة القوات الأمنية التابعة لهم، ويتوقع اللفتنانت الجنرال مايكل باربرو، الذي يشرف على المدربين بالجيش الأميركي، أنهم سيكونون قادرين على حماية البلاد – حتى لو كانوا بعيدين عن المستوى المطلوب – في الوقت المقرر أن ترحل فيه القوات الأميركية بالكامل بنهاية 2011.