أفغانستان: لماذا تنجح سياسات مكافحة الإرهاب في بعض المناطق وتفشل في أخرى؟

في ناوا يتجول مشاة البحرية الأميركية دون الحاجة إلى ارتداء الدروع والخوذات

TT

المسافة من هنا إلى النجاح 15 ميلا فقط. هناك في مدينة ناوا، حققت استراتيجية مكافحة الإرهاب الأميركية شيئا أشبه ما يكون بالمعجزة. فقد تقهقر غالبية مقاتلي طالبان. وأصبح وسط المدينة هادئا إلى حد أن مشاة البحرية الأميركية يتجولون في المكان دون الحاجة إلى ارتداء الدروع والخوذات. الاقتصاد المحلي في المدينة مزدهر للغاية يغذيه أكثر من 10 ملايين دولار جاءت في شكل معونات زراعية أميركية، مما نشط من حركة التجارة بدرجة لم تعهدها سوق المدينة التي باتت تشهد عرض منتجات مثل الدراجات النارية والهواتف الجوالة، حتى أن هناك حوانيت خاصة لبيع المثلجات.

غير أن الأمر مختلف إلى حد بعيد هنا في مارجا، فلم تنجح استراتيجية مكافحة التمرد في قمع الإرهاب، إذ لا يزال العشرات من مقاتلي طالبان يتجولون في المنطقة وقد زرعوا الطرق بالقنابل المصنوعة محليا ونشروا القناصة لشن كمائن للدوريات. أحبط تواجد التمرد جهود مساعدة وحماية السكان المدنيين: فعملت تهديدات طالبان - وبعض القتلة المأجورين - على إثناء الكثير من السكان والنأي بأنفسهم عن جهود المصالحة الأميركية.

وخلال جولاتي الخمس إلى المنطقة العام الماضي، أحسست بالتقدم في ناوا، فيما لا تزال مارجا تبدو كمنطقة حرب. وتوضح المنطقتان معا دلائل نجاح وحدود مكافحة التمرد في أفغانستان والتحدي الرئيسي الذي يواجه ديفيد بترايوس، قائد القوات الأميركية وقوات الناتو في كابل. تجمع مارجا وناوا الكثير من القواسم المشتركة، فعدد سكان كل منهما يصل إلى نحو 80 ألفا غالبيتهم من البشتون، وكلاهما مجتمع زراعي تشكل زراعة الأفيون الخيار الأنسب للحصول على المال، وكلاهما مجتمع محافظ في الجنوب الأفغاني حيث يمتلك السادة القوة، ونادرا ما تشاهد النساء في الشوارع، وحتى إن خرجن فيخرجن مرتديات لباسا من قمة الرأس إلى أخمص القدم. تعرضت كلتا المدينتين لإرهاب طالبان قبل 4 سنوات، وخلال العام الماضي، تم التعامل مع كلا المنطقتين باستراتيجية أسلوب مكافحة التمرد الأميركية الجديدة، فتقاطر الجنود الأميركيون والأفغان على كلا المنطقتين بأعداد توازي أو تفوق ما وصفه أصحاب نظريات مكافحة الإرهاب. وقد تلقت كلتاهما الكثير من الأموال والخبراء المدنيين في محاولة لتقديم الخدمات العامة وإعادة بناء البنية التحتية وتقديم المساعدة الاقتصادية الحقيقية، وكانت كل واحدة منهما تمثل أولوية قصوى بالنسبة للحكومة المركزية في كابل. إذن، لماذا نجحت الاستراتيجية في واحدة وفشلت في الأخرى؟

يرى مسؤولو القوات الأميركية أن مارجا بحاجة إلى المزيد من الوقت لتكون مثل ناوا. فقد بدأت عملية ناوا في يوليو (تموز) الماضي، لكن العملية في مارجا لم تبدأ سوى في شهر فبراير (شباط) الماضي، وبعد مرور 5 أشهر على بداية عملية ناوا - حيث بدأت عملية مارجا - كانت البلدة هادئة كحالها اليوم. بدأت التطورات في ناوا تتوالى سريعا، ويبدو أنها انتهت. كان المفترض في الوقت الحالي أن تتحول مارجا إلى قصة نجاح أخرى، بيد أن الأوضاع الحالية تظهر للرأي العام المتشكك في الولايات المتحدة أن مواجهة التمرد بالمزيد من القوات والمال واستراتيجية جديدة يمكن أن تؤدي إلى حرب فاشلة.

وربما الأكثر أهمية هو أن مؤيدي مكافحة الإرهاب في البنتاغون ووزارة الخارجية عبروا عن أملهم في استخدام كلتا المدينتين لتقديمهما كنموذج للرئيس أوباما بنجاح استراتيجية مكافحة الإرهاب في أفغانستان، والتراجع - أو تأجيل - عن فكرة الانسحاب في يوليو (تموز) المقبل.

هذا التقدم غير المتماثل يعقد هذه القضية. لكن ناوا (بالنسبة لمن يصرون على أن مكافحة التمرد لن تنجح في أفغانستان لأن الحكومة فاسدة والقوات الأمنية لا تتمتع بالكفاءة والبشتون لا يثقون في القوات الأجنبية) ليست دليلا على النجاح، لذا، أي مجتمع سيكون القاعدة؟ وأيهما سيكون الاستثناء؟

وربما يكون من المنصف النظر إلى مارجا ككيان مستقل ذات تحديات قبلية وجغرافية فريدة. هذه البقعة الصحراوية في إقليم هلمند التي تحولت إلى الزراعة عبر القنوات التي صممها المهندسون الأميركيون في الخمسينات، عندما كانت مارجا موطنا لعدد من القبائل المختلفة. خلقت شبكة القنوات أرضا خصبة للغاية استخدمت في البداية في زراعة القمح والقطن، وخلال الفترة التي غاب فيها حكم القانون في أعقاب سقوط حركة طالبان عام 2001 بدأ أهالي مارجا في زراعة حقول الأفيون. وربما كانت مارجا خلال السنوات الأخيرة أضخم تجمع حقول الأفيون في أفغانستان، مما أثرى الفلاحين ومصنعي المخدرات والمهربين، بالإضافة إلى طالبان التي جنت ضرائب على هذه المحاصيل. كانت مارجا أيضا بالنسبة لطالبان موقعا مثاليا لإنشاء مصانع لإعداد القنابل. ووفرت القنوات والصحراء المحيطة بالمدينة الدفاعات الطبيعية الأساسية. وقد نجحت تلك الخطة لسنوات. وعلى الرغم من انتشار حقول الخشخاش ومنشآت صناعة القنابل في ناوا أيضا فإنها لم تكن لتضاهي تلك الموجودة في مارجا، ونتيجة لذلك ربما كان من الأسهل بالنسبة لطالبان التخلي عنها. كذلك زادت مشكلة التوقيت من تعقيدات مهمة مارجا، فعندما هبطت قوات المارينز في ناوا كان موسم حصاد الخشخاش قد انتهى، لكنهم وصلوا إلى مارجا قبل شهرين من الحصاد هذا العام. ويقول ضابط بارز في قوات المارينز الذي شارك في كلا العمليتين: «خلق تواجدنا في مارجا كارثة اقتصادية بالنسبة لطالبان دفعتهم إلى شن هجمات مضادة، أما من كانوا في ناوا فقد كانت أكياسهم منتفخة مما جنوا من محصول الخشخاش». كما كانت مارجا أيضا ملاذا للمتمردين الفارين من ناوا الذين لم يتخلوا عن طالبان. إنها فقط مسافة قصيرة بالسيارة، وبالنسبة للمتمردين لا يوجد ملاذ مشابه، ففي الجنوب والغرب هناك صحراء مفتوحة طوال الطريق إلى الحدود مع باكستان وإيران. وقال المسؤول: «بالنسبة لطالبان، كانت مارجا حالة للقتال أو أن تخفض أسلحتك وتتظاهر بأنك مدني».

نتيجة لهذه التعقيدات، استنفدت عملية مارجا الكثير من الموارد والتخطيط أكثر من حملة ناوا. فقد شاركت كتيبتان من قوات المارينز و3 من الجيش الأفغاني في معركة مارجا. واستدعي مئات من قوات الشرطة شبه العسكرية للمساعدة في توفير الأمن في الأسواق التي يتم إخلاؤها من المتمردين. كان هناك 6 أفراد من القوات المدنية الأميركية والبريطانية مستعدون للمشاركة في فريق استقرار المدينة والعمل على تنظيم الإدارة وإعادة الإعمار، كما قدمت وكالة التنمية الدولية الأميركية ملايين الدولارات لإقامة مشاريع سريعة التأثير ومساعدة الفرحين هناك.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»