رحيل جيمس إي. أكينز السفير الأميركي الأسبق لدى السعودية الذي فصله كيسنجر

يوصف بأنه مستعرب.. وتنبأ بالحظر النفطي العربي.. وقال: مهمتي حماية المصالح الأميركية سواء توافق ذلك مع إسرائيل أم لا

الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز خلال أحد اجتماعاته مع كيسنجر والسفير الأميركي الأسبق جيمس إي. أكينز («نيويورك تايمز»)
TT

غيب الموت جيمس إي. أكينز، الخبير البارز في مجال الطاقة لدى وزارة الخارجية الأميركية الذي عين لاحقا سفيرا لواشنطن لدى السعودية، واشتهر بأنه أثناء عمله سفيرا في الرياض، حذر من أن الدول المصدرة للنفط تستعد لتقليص شحناتها النفطية قبل عام من فرض الحظر النفطي العربي عام 1973.

جاءت الوفاة داخل مركز طبي في متشيلفيل في ماريلاند عن عمر يناهز الـ83 عاما في الـ15 من يوليو (تموز) الحالي بعد تعرضه لأزمة قلبية، حسبما أعلنت أسرة الفقيد. وقبل ذلك، كان أكينز يعيش في واشنطن.

وفي استعراض لسيرة حياته أجرته «نيويورك تايمز»، توقع أكينز الحظر النفطي العربي بعدما حضر اجتماعا لدول عربية منتجة للنفط في مايو (أيار) 1972 في الجزائر، حيث أكد أن الدول المصدرة للنفط عاقدة العزم على استغلال الاعتماد الأميركي المتزايد على النفط الخام الذي تضخه. وأضاف أن هذه الدول ليس في إمكانها الوصول بنفقاتها لمستوى يكافئ ما تجنيه من وراء إنتاجها النفطي، وأنها أدركت أن «النفط المخزون في قاع الأرض لا يقل نفعا عن ذلك الموجود في الحساب المصرفي».

وفي مقال شهير له في دورية «فورين أفيرز» نشر في أبريل (نيسان) 1973، رسم أكينز الصورة الاقتصادية لمستقبل الطاقة. وأصاب في توقعه بأن يتجاوز الاستهلاك العالمي من النفط خلال الأعوام الـ12 التالية جميع ما استهلكته البشرية في تاريخها السابق، وحذر من أن خسارة إنتاج أي دولتين نفطيتين من شأنه دفع الأسعار من 3 دولارات للبرميل إلى أكثر من 5 دولارات. وفي الواقع، وصلت الأسعار إلى 39.50 دولار بعدها.

يذكر أن الصدمة النفطية الأولى حدثت مع اندلاع الحرب في الشرق الأوسط في أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام، بعد أن تعرضت إسرائيل لهجوم من قبل مصر وسورية، وتعهدت الولايات المتحدة بإعادة إمداد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بما تحتاجه من دعم. ورفعت الدول العربية الأعضاء في «منظمة الدول المصدرة للبترول» (أوبك) أسعار النفط الخام بنسبة 70%، واتفقت على تقليص الإنتاج لفرض سعر جديد وحظر الصادرات إلى الولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى المنتقاة. وانتهى الحظر في مارس (آذار) 1974، بعد تعرض الاقتصاد العالمي إلى هزة قوية وإجبار الأميركيين ودول غربية على ترشيد استهلاك الغازولين والوقوف في طوابير طويلة في محطات الوقود.

وكانت قد جرت ترقية أكينز من مدير شؤون الوقود والطاقة في وزارة الخارجية إلى سفير لدى السعودية في الشهر السابق لبدء الحظر النفطي.

ومن بين أول الإجراءات التي اتخذها أن بعث برسالة سرية إلى المسؤولين التنفيذيين في شركات النفط الكبرى يطلب منهم فيها «استغلال اتصالاتهم على أعلى المستويات» بالحكومة الأميركية لتوصيل رسالة بأن «الحظر النفطي لن يرفع إلا في حال تسوية الصراع السياسي على نحو مرض للعرب».

ودعا أكينز إلى توجيه بعض الدعم، على الأقل، لوجهة النظر العربية تجاه إسرائيل، الأمر الذي فعله كثيرا لاحقا في حياته أثناء عمله استشاريا في صناعة النفط، ولاقى انتقادات بسببه. ودافع أكينز عن نفسه في وجه هذه المزاعم مؤكدا أنه لا يقوم سوى بمهام عمله المتمثلة في تعزيز المصالح الأميركية، التي قد تتوافق أو لا تتوافق مع المصالح الإسرائيلية. كما حذر من اعتماد الغرب المتنامي على واردات النفط.

وفي خطاب ألقاه عام 1994، قال أكينز: «كانت سياستنا موالية لإسرائيل لدرجة أثارت سخط العرب. لكن سياستنا في مجال الطاقة جعلتنا معتمدين على النفط العربي».

وقالت «نيويورك تايمز»: «في الواقع، كان أكينز بالفعل مستعربا، وهو الوصف الذي غالبا ما يطلق على الدبلوماسيين الخبراء في الجوانب السياسية والثقافية العربية، وعادة ما يطلق هذا اللقب عليهم على نحو نقدي ساخر. ففي عام 1979، خلال مقابلة مع مجلة (تايم)، أبدى أكينز نفاذ بصيرة بتحذيره من تصاعد موجة عداء تجاه الولايات المتحدة». وفصل هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي وقتها، أكينز بعد سلسلة من الصدامات بينهما تعلق أحدها بتأكيد أكينز على موافقة كيسنجر على رفع إيران أسعار النفط لتمكينها من شراء أسلحة أميركية، وهو ما اعتبره الأخير ادعاء «سخيفا». أما الصدام الآخر فيتعلق بتأكيد أكينز أن أحد المسؤولين الكبار في صناعة السياسة الخارجية الأميركية، ربما يكون كيسنجر، درس فكرة استيلاء الولايات المتحدة على الحقول النفطية في الشرق الأوسط. واكتشف أكينز أنه تعرض للفصل في أغسطس (آب) 1975 عندما اتصل به صديق ليقرأ عليه خبرا من صحيفة يتضمن قرار فصله. وخلال مقابلة مع «نيويورك تايمز»، قال أكينز: «أعتقد أنني أثرت غضب البعض».

ولد جيمس إلمر أكينز في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 1926 في أكرون بأوهايو. والتحق بجامعة أكرون، ثم تركها ليلتحق بالبحرية لعامين خلال الحرب العالمية الثانية عام 1945. بعد ذلك، تخرج في الجامعة عام 1947. وانضم للعمل بوزارة الخارجية الأميركية عام 1954 وعمل في إيطاليا وفرنسا وسورية ولبنان والكويت والعراق قبل تعيينه خبيرا بارزا في شؤون الطاقة بالوزارة عام 1968.

في كتابه «الشقيقات السبع» (1975)، كتب أنتوني سامبسون عنه: «كان ناشطا رائعا، ويتبع مبادئ راسخة، لكن جرى النظر إليه من جانب بعض الدبلوماسيين باعتباره متمسكا على نحو مفرط بتوجهات الاستعراب».

عام 1971، وقف أكينز بجانب ليبيا عندما طالبت بزيادة 40 سنتا في برميل النفط بعد عرض نيكل فقط زيادة من جانب الشركات العاملة هناك. وبالفعل، تم إقرار زيادة الـ40 سنتا التي جرى النظر إليها باعتبارها خطوة مهمة على طريق تقوية «أوبك». ترك أكينز وراءه زوجته، 56 عاما، ونجله توماس وابنته ماري إليزابيث، وثلاثة أحفاد وشقيقيه، كينيث ودونافان.