هل يتحول البحر إلى «رقم جديد» في معادلة التهريب إلى السعودية؟

«الشرق الأوسط» تقف على بعد أميال من الميناء البحري الذي كان يمد الحوثيين بالسلاح

تتكون الدوريات البحرية الصغيرة من 3 عناصر جميعهم مسلحون أحدهم يتولى عملية الإبحار (تصوير: خالد الخميس)
TT

السعودية.. دولة بحدود قارة (4)

* يسود اعتقاد لدى المسؤولين في حرس الحدود بالسعودية أنه من الممكن أن تشهد الحدود البحرية للسعودية «كثافة في عمليات التهريب»، نظرا لأن التهريب عن طريق البر الذي يعد خيارا مفضلا بالنسبة للمهربين، أصبح في ظل المشروع الضخم الذي تعمل عليه الرياض لتأمين كامل حدودها البرية خيارا صعبا يجعلهم في قبضة رجال حرس الحدود بسهولة.

ولكن حتى الحدود البحرية للسعودية ستشملها العمليات التطويرية الخاصة بتعزيز قدرات القوات العاملة على حمايتها.

غير أن الحال على البحر، ليس كما هو على البر. ويبرز «التهريب» كعنوان عريض لغالبية العمليات غير المشروعة التي تشهدها الحدود البحرية للسعودية.

ومعلوم أن السعودية تشترك مع اليمن بحدود برية وبحرية، وتعتبر الحدود البحرية بين الدولتين من الخطوط التي ينشط تهريب المخدرات والممنوعات عبرها، حيث يزيد طولها على 58 ميلا بحريا.

وخلال الجولة التي قامت بها «الشرق الأوسط» على جزء من الحدود البحرية المشتركة بين السعودية واليمن برفقة دوريات حرس الحدود، كان الهدوء هو المسيطر على الجو العام، بعيدا عن عمليات الكر والفر التي قد تشهدها الحدود البرية، ولكن هذا لا يعني عدم وجود بعض ما يثير هدوء البحر وسكينته.

وطبقا لأحاديث مسؤولين في قيادة حرس الحدود، فإن من أهم المصاعب التي بدأوا يواجهونها في الفترة الأخيرة، «زيادة قوة المراكب التي تستخدم في محاولة تهريب الممنوعات إلى داخل السعودية».

أما بالنسبة للتسلل عبر المياه الإقليمية السعودية فعادة لا يكون خيارا محبذا للمتسللين وخصوصا الأفارقة، الذين يفضلون الوصول إلى اليمن، ومن ثم محاولة التسلل إلى السعودية عن طريق البر.

وتتولى 3 قطاعات بحرية في جازان مهمة حفظ الحدود المائية السعودية من أي اختراقات أو عمليات تهريب محتملة، في الوقت الذي يؤكد فيه أحد الضباط الذين رافقوا «الشرق الأوسط» في جولتها البحرية على بعض الجزر التي تتمركز بها قوات حرس الحدود، بأن عمليات التسلل «تنطلق في العادة من الموانئ القريبة من الحدود البحرية السعودية».

جولة «الشرق الأوسط» البحرية، شملت جزيرتي أبو الظفر والعاشق، السعوديتين، حيث تركز قوات حرس الحدود وجودها فيهما.

وجزيرة العاشق التي توقفت «الشرق الأوسط» لديها قليلا من الوقت تعتبر أقرب الجزر السعودية لليمن، وتبعد أميالا قليلة من ميناء ميدي اليمني، الذي أكدت مصادر يمنية مسؤولة في تصريحات لها في الـ17 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بأن إيران زودت من خلاله الحوثيين بأسلحة متطورة وصواريخ مضادة للدروع قبل نشوب الحرب السادسة مع الحكومة اليمنية، التي تخللها دفاع السعودية عن أرضها جراء انتهاك بعض المتسللين حدودها.

وتتأثر طلعات المراقبة البحرية بحالة البحر، وكثيرا ما يتم الاستغناء عن بعض طلعات المراقبة في الأحوال التي يكون فيها البحر هائجا، ويتم الاكتفاء بالدوريات التي تكون متمركزة في عرض البحر والدوريات الساحلية البرية التي تعمل على مدار الساعة بمحاذاة الشاطئ.

المهربون والمتسللون لا يفضلون دخول البحر إذا كانت الأجواء غير صافية، لأن ذلك قد يعرضهم لحوادث غرق.

ولا يمكن لأي دورية من دوريات حرس الحدود التي تكون مسؤولة عن تأمين المنطقة البحرية أن تتجاهل أي مركب تصادفه في المياه الإقليمية السعودية، حتى يتم التأكد من نظاميته، وحملة ترخيص للإبحار.

ويقول العقيد بحري يحيى علي جباري، قائد الوحدات البحرية في حرس الحدود بمنطقة جازان: «لدينا وسائط منتشرة على الشريط الحدودي، هناك زوارق قصيرة المدى وهذه تنطلق من المراكز لمسافة 10 أميال إلى 15 ميلا، وهناك زوارق متوسطة المدى تنطلق من قيادة قطاعي فرسان والموسم، تغطي مسافات أبعد من الأولى، بينما تقوم الزوارق الكبيرة بمهمة المراقبة المتواصلة في عرض البحر، وتغطي مهامها المناطق البعيدة التي لا تستطيع الزوارق قصيرة أو متوسطة المدى الوصول إليها».

وتتولى الدوريات التي أشار إليها جباري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، «متابعة جميع السفن العابرة، وبخاصة ما يلامس البحر الإقليمي أو ما تسمى بالمياه الاقتصادية الخالصة، كما تقوم بمهمة اعتراض جميع سفن الصيد المخالفة التي تدخل المياه السعودية بطرق غير مشروعة».

وأوضح العقيد جباري أن المراقبة البحرية للمياه الإقليمية السعودية، التي تقوم عليها الزوارق الكبيرة، أفضت إلى ملاحظة تكرر دخول مراكب صيد من دولتين عربيتين للمياه السعودية من المجرى الدولي وتم إيقافها بعد دخولها للمياه الإقليمية ومن ثم تطبيق النظام في حقها.

وتعمد الكثير من سفن الصيد التي تستغل للتهريب، إلى الالتفاف عبر أرخبيل جزر فرسان الذي تمثل نهاية الشريط الحدودي البحري بين السعودية واليمن، حيث تكون بذلك قد دخلت إلى المجري الدولي للمياه غير الخاضع لمسؤولية أي من الجانبين السعودي واليمني، لتقوم بعدها بدخول المياه السعودية.

وتتصدى السعودية لمحاولة الالتفاف على حدودها، عبر توزيع الزوارق التابعة لحرس الحدود على طول محيطها البحري.

ويشير العقيد جباري إلى قيام الزوارق الكبيرة بالتصدي للكثير من محاولات الالتفاف على الشريط الحدودي بين السعودية واليمن، التي عادة ما تكون من قبل «سنابيك يمنية».

وهناك الكثير من الذين ألقي القبض عليهم جراء دخولهم المياه السعودية من المجرى الدولي، يزعمون بأنهم قدموا لممارسة الصيد.

وعن أبرز الملاحظات التي يتم رصدها على الحدود البحرية بين السعودية واليمن، يقول العقيد جباري: «لعل أبرز ما نرصده من مخالفات هو تجاوز هذه المراكب من أجل الصيد، كما يأتي بعدها في المرتبة الثانية محاولات التهريب، ولعل أكثر ما تشتهر به هذه المنطقة، هو تهريب مادة القات».

ويشير جباري إلى الوسائط المستغلة بتهريب الممنوعات بأنها «الأخطر»، كونها «وسائط صغيرة وذات سرعات عالية، وهي سهلة المناورة».

وفي هذا الصدد، ينفي العقيد البحري جباري أن تكون الوسائط البحرية المستخدمة في تهريب الممنوعات متقدمة من حيث التصنيع، حيث يؤكد أنها مراكب صيد عادية، لكن ما يميزها عن بقية المراكب العادية، هي السرعات العالية والمكائن القوية التي تزود بها، من أجل إعطائها القدرة على المناورة والمراوغة.

يشار إلى أن زوارق الصيد العادية، لا تتجاوز سرعتها المسموح بها 35 عقدة، غير أن المهربين يلجأون - طبقا لجباري - إلى زيادة سرعتها وإيصالها إلى 45 عقدة.

وتتولى الزوارق الكبيرة التابعة لحرس الحدود في السعودية مهام إنقاذ السفن التي تتلقى منها إشارات استغاثة.

وطبقا لتأكيدات المسؤولين الأمنيين، فإن الزوارق البحرية السعودية التابعة لحرس الحدود، لا تتوانى عن الاستجابة لأي إشارة استغاثة تتلقاها من السفن القريبة التي تحتاج إلى مساعدة، لافتين النظر إلى أن عمليات الإنقاذ للسفن التي تقع خارج المياه الإقليمية أو المياه الاقتصادية الخالصة، يتم التنسيق فيها مع الدولة التي تقترب الحادثة من حدودها.

ويقول قائد الوحدات البحرية لـ«الشرق الأوسط» إنه «قبل عام تقريبا تعرضت سفينة تركية عملاقة لتسرب مياه إلى داخلها، وأرسلت نداء الاستغاثة، وتمت مرافقتها لمدة 4 أيام متواصلة حتى اقتنع مالكها بإخلاء الطاقم بعد أن أيقن بأن السفينة غارقة لا محالة» وبالفعل غرقت بعد أن تم إنقاذ الطاقم.

وبالإضافة إلى ما تملكه قوات حرس الحدود، من زوارق قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، فهي تعتمد أيضا برنامج مراقبة بالرادارات ذات تغطية عالية.

وتنشر سلطات حرس الحدود البحرية أنظمة المراقبة في الجزر السعودية الواقعة ضمن مسؤوليتها.

وتتولى قوات حرس الحدود في البحر مهمة «حراسة وسائط النقل البحرية عند وجودها في الموانئ والمرافئ البحرية ومراقبتها أثناء مرورها بمنطقة الحدود البحرية».

وخلال زيارة «الشرق الأوسط» جزيرة أبو الظفر، التي يوجد بها مركز حدودي بحري، اطلعت بشكل أكبر على غرفة العمليات ونظام الرادارات الذي تعتمده قوات حرس الحدود، لتأمين ومراقبة الحدود البحرية السعودية من أي محاولات مخالفة، وتقديم يد العون في الحالات الطارئة التي قد يتعرض لها الأشخاص أو السفن والوسائط البحرية المختلفة.

ويوجد على الشريط الحدودي بين السعودية واليمن، 3 جزر حدودية ضمن المياه السعودية، عادة ما يحاول بعض المتسللين والمهربين استغلالها لقربها من الحد الفاصل بين مياه البلدين.

ومن المسؤوليات الملقاة على كاهل قوات حرس الحدود في البحر «تفتيش كل وسائط النقل البحرية التي لا ترفع علما يحدد جنسيتها عند دخولها أو مرورها بمنطقة الحدود وضبطها إذا لم تستطع إثبات جنسيتها»، بالإضافة إلى «مراقبة الصيادين والغواصين والمتنزهين وتعيين أماكن الدخول إلى البحر والخروج منه وتحديد مناطق وأوقات الصيد والغوص والنزهة بالاتفاق مع الدوائر الأخرى ووفق الأنظمة».

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى انخفاض ملحوظ للوسائط البحرية التي تم ضبطها خلال السنوات الـ8 الماضية، التي بلغ عددها مجتمعة 551 واسطة بحرية مخالفة، جميعها من دولة واحدة.

وشهد عام 2004 إيقاف أكبر عدد من الوسائط البحرية المخالفة، إذ بلغ مجموع ما تم إيقافه ذلك العام 130 واسطة بحرية، بينما سجل عام 2008 أقل نسبة للوسائط المخالفة، حيث لم يتم ضبط سوى 5 منها فقط، بينما وصل عدد ما تم ضبطه خلال الأشهر السبعة الماضية 7 مراكب مخالفة.

ومقابل ذلك ضبطت قوات حرس الحدود عددا من الوسائط السعودية المخالفة خلال الفترة نفسها، التي عادة ما تتركز مخالفتها باستمرار الإبحار مع انتهاء التصريح، وبلغ عدد المخالفات التي تم تسجيلها على قوارب سعودية 35 مخالفة.

أما فيما يخص عدد المراكب البحرية الأجنبية المخالفة التي تم القبض عليها خلال 8 سنوات، فقد بلغت أعدادها 12 واسطة بحرية، منهما اثنتين تعود لدولة أفريقية، و4 وسائط لدولة عربية في أفريقيا، و3 أخريات لإحدى الدول الآسيوية.

وبلغ عدد الوسائط التي تم العثور على مهربات بداخلها 14 واسطة فقط خلال 8 سنوات. ويبرر هذا الرقم المتواضع بأن المهربين يلجأون في العادة إلى التخلص مما معهم من بضائع إذا أيقنوا بأنهم مدركين من قبل قوات حرس الحدود لا محالة.

ولعل من اللافت إن من بين الوسائط التي تم ضبطها متلبسة بمهربات واسطة تعود لإحدى الدول العربية الأفريقية، كانت تحمل على متنها 522 رشاش كلاشنيكوف و92 طلقة، بينما ضبطت 13 واسطة كانت تحمل مادة القات.

وتتولى قوات حرس الحدود مهمة التحقيق في مخالفات نظام أمن الحدود، وما يقع من مخالفات في الموانئ ووسائط النقل البحرية والحوادث الناتجة عن اشتباك دوريات حرس الحدود مع المهربين والمتسللين في مناطق الحدود وإيقاف المخالفين وإحالة القضية إلى الجهة المختصة مع محضر الضبط بعد تطبيق نظام أمن الحدود في حقهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حوادث الغرق.

ومع تصاعد التوتر في المنطقة ترفع قوات حرس الحدود من مستوى تأهبها وجاهزيتها في البحر، وذلك عبر رفع جاهزية زوارقها سواء كانت الصغيرة أو المتوسطة أو بعيدة المدى.

ويلاحظ من خلال المنحنى الخاص بالمراكب البحرية التي تم تفتيشها جراء وجودها في المياه الإقليمية السعودية خلال السنوات الـ8 الماضية، أنه يأخذ منحنى تصاعديا، حيث ارتفع عدد الوسائط التي تم تفتيشها من 352 خلال عام 2003، حتى 1550 في عام 2009.

وتتجه قوات حرس الحدود السعودية إلى تطبيق نظام تقني، يتيح لها تتبع إحداثيات سفن الصيد المبحرة من موانئها.

ومن المهام الموكلة لقوات حرس الحدود البحرية «إصدار التراخيص والتصاريح اللازمة لضبط أمن وحراسة الموانئ والمرافئ والوسائط البحرية ومرتادي البحر».

وطبقا للتنظيم الجديد، فسيكون لزاما على البحارة الحصول على أجهزة ملاحة وربط إحداثياتها بالقيادة المسؤولة عن الميناء البحري، وذلك لتسهيل الوصول إليها في حال واجهت أي مخاطر محتملة.