أوروبا تفرض أشد عقوبات على إيران وروسيا تصف تصريحات نجاد بـ«عديمة الجدوى»

طهران ترد: العقوبات ستعقّد الملف النووي * كندا تفرض عقوبات جديدة

مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون ووزير الخارجية الإسباني خلال مناقشات للعقوبات الجديدة على إيران في بروكسل أمس (أ.ب)
TT

أكد وزراء الخارجية في دول الاتحاد الأوروبي أن العقوبات الأوروبية الجديدة ضد طهران، لا تستهدف عزلتها بل دفعها إلى الحوار. وقال الوزراء في تصريحات على هامش اجتماعات عقدوها أمس في بروكسل، إن العقوبات جاءت بعد طول انتظار أوروبي وبعدما «فاض الصبر».

وردت إيران فورا على العقوبات بقولها إنها ستعقّد الملف النووي، وإن رزمة العقوبات ستفشل.

وترافق مع العقوبات الأوروبية فرض كندا بدورها عقوبات مشددة على إيران، أمس، بينما تصاعد التوتر بين روسيا وإيران على خليفة اتهام الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، موسكو بأنها تنفذ رغبات غربية عندما تحدثت بشدة حول الملف الإيراني وقالت إن طهران تقترب من إنتاج سلاح نووي، إذ ردت موسكو، أمس، قائلة إن انتقادات الرئيس الإيراني «غير مقبولة» و«غير مسؤولة وعديمة الجدوى».

وحول العقوبات الأوروبية التي فرضت، أمس، على إيران، قال وزير الخارجية في لوكسمبورغ جان اسيلبورن، إن طهران بدأت تشعر بأن التحذيرات الأوروبية السابقة، كانت جدية للغاية، وأن الأوروبيين طال صبرهم، بل وعبروا عن شعورهم بالقلق من تلك العقوبات، وهذا ظهر جيدا في تصريحات أخيرة لوزير الخارجية الإيراني، منوشهر متقي. وأضاف الوزير: «وإذا قررنا أن نتخذ عقوبات ضد إيران فإن ذلك لا يعني أننا أغلقنا باب الحوار، بل نتمسك بالتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي لأزمة الملف النووي الإيراني».

بينما قال وزير الدولة الفرنسي، جان بيير لولوش، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن العقوبات على إيران، على الرغم من أهميتها، ليست الحل الأخير، وأضاف: «ما زلنا ننتظر أن تلتزم طهران بالحوار الجدي بخصوص ملفها النووي، ونحن اليوم بصدد إقرار العقوبات الواجب اتخاذها بانتظار تغير الخط الإيراني».

من جانبها شددت منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، خلال إجابتها عن سؤال لـ«الشرق الأوسط» على رغبة الاتحاد الأوروبي في رؤية أن يلتزم الإيرانيون فعلا ببدء الحوار في أقرب وقت ممكن. وأضافت: «نريد الحوار مع الإيرانيين للتوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي من أجل عالم أكثر أمنا». وأردفت: «بانتظار بدء الحوار، يتمسك الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على طهران تحت راية قرار مجلس الأمن الدولي 1929، ودائما في إطار المقاربة المزدوجة». من ناحيته قال وزير الخارجية الإيطالي، فرانكو فراتيني، إن العقوبات ليست لعزل إيران بل لدفعها إلى الحوار والرجوع إلى المجتمع الدولي والاستجابة لمطالبه.

وقال وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، للصحافيين لدى وصوله لحضور الاجتماع في بروكسل وقبل إقرار العقوبات: «هذه زيادة للضغوط على إيران كي تقبل إجراء مفاوضات بشأن برنامجها النووي بمجمله». وأضاف: «آمل أن تفهم إيران من هذه الرسالة أن الدول الأوروبية مستعدة للتفاوض بشأن البرنامج النووي، لكن إذا لم تستجب فستكثف هذه الدول ضغوطها».

من جهة أخرى، رحب وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالحوار بين إيران والبرازيل وتركيا، مشيرين إلى أن لأوروبا خطها الخاص على الرغم من استعدادها للتعاون مع الشركاء الدوليين بخصوص الملف النووي الإيراني.

والعقوبات الجديدة تستهدف قطاع الطاقة بسبب برنامج إيران المثير للجدل. وتذهب إلى أبعد من تلك التي صوت عليها مجلس الأمن في التاسع من الشهر الماضي، وتنص على منع أي استثمارات جديدة أو مساعدة تقنية أو نقل التكنولوجيا والخدمات المرتبطة بمجال الطاقة، خصوصا التكرير وتسييل الغاز. كما ستحد العقوبات من إمكانات التبادل التجاري مع إيران وتوسع تجميد الأرصدة إلى عدد أكبر من المصارف الإيرانية. وستطال العقوبات أيضا قطاع النقل الإيراني. وتعد العقوبات الأوروبية الإضافية غير مسبوقة في تاريخ العمل الدبلوماسي الأوروبي وتستهدف قطاعات حيوية، وفي مقدمتها عمليات التنقيب وتصفية النفط. وقال دبلوماسي أوروبي إن القطاعات المستهدفة هي صناعة الطاقة في البلاد، فضلا عن النقل والخدمات المصرفية وقطاع التأمين، وأن التطور الحاسم في التحرك الأوروبي لا يطال فقط الجهات الإيرانية، لكن الشركات الأوروبية التي قد تستمر في التعامل مع إيران أيضا. واتفق الدبلوماسيون الأوروبيون على مراقبة والحد من تصدير المواد ذات «الاستخدام المزدوج»، وتلك التي ليس لها غرض استخدام واضح بين الصناعات النووية أو الخاصة بتقنية الصواريخ وسيتم حظر المنتجات التي يمكن استخدامها أيضا في تصنيع الأسلحة البيولوجية والكيميائية، ولكن سيتم وضع استثناءات لتصدير المواد الخاصة للاستخدام في الأغراض الإنسانية والطبية. وسيعطي وزراء الخارجية الضوء الأخضر النهائي لهذه الخطوات قبل أن تدخل البعض منها حيز التنفيذ بشكل فوري، بينما تنتظر بعض الإجراءات عددا من الجوانب الفنية.

وقال دبلوماسيون إن العقوبات الجديدة التي تفرض كذلك قيودا على التعامل مع الشركة العامة الإيرانية للشحن البحري والناقلين الجويين الإيرانيين لن تدخل حيز التنفيذ حتى تنشر في الصحيفة الرسمية للاتحاد الأوروبي، اليوم. وقال دبلوماسي: «الملحق شديد التفصيل ويذكر بشكل محدد المؤسسات الإيرانية التي سيحظر التعامل معها مثل البنوك وشركات التأمين وخطوط الشحن والملاحة... وبمجرد نشره سيصبح ملزما من الناحية القانونية».

وقال مارك فيتزباتريك، خبير شؤون إيران في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، لـ«رويترز»: «معظم القطاعات التي استهدفتها عقوبات الاتحاد الأوروبي هي قطاعات يملك الأوروبيون فيها قوة كبيرة. ليس بمقدور كثير من الدول توفير ذلك النوع من الخدمات المالية التي ستتوقف. دول قليلة أخرى تقدم تكنولوجيا الغاز الطبيعي المسال وليس هناك أحد آخر يقوم بخدمة إعادة التأمين... لقد عثر الاتحاد الأوروبي بحكمة شديدة على مجالات له فيها قوة حقيقية ولا يمكن أن يحل محله أحد فيها». ولكن الدبلوماسيين اعترفوا بأن تأثير العقوبات سيعتمد على الخطوات المتخذة لضمان الالتزام بها.

وفي أول رد فعل لها على العقوبات، اعتبرت إيران أن رزمة العقوبات ستفشل ولن يكون من شأنها سوى تعقيد المواجهة بشأن ملف برنامجها النووي المثير للجدل. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، رامين مهمان باراست: «إن العقوبات لا تعتبر أداة مفيدة.. فلن يكون من شأنها سوى تعقيد الوضع». ورفض وزير النفط الإيراني، مسعود مير كاظمي، من جهته التدابير الجديدة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي. وقال كاظمي، بحسب «إرنا»: «إن جميع حقولنا النفطية والغازية تقوم بتطويرها شركات إيرانية»، مضيفا: «إن الشركات النفطية الأوروبية ليست حاضرة (في قطاع الطاقة الإيراني) ولا يمكن بالتالي أن يكون لها تأثير علينا». ويأتي ذلك بينما أعلنت الحكومة الكندية، أمس، عقوبات جديدة بحق إيران تستهدف خصوصا قطاع الطاقة لديها لحمل طهران على استئناف التفاوض بشأن برنامجها النووي. وهذه العقوبات التي أعلنها وزير الخارجية، لورانس كانون، شبيهة بتلك التي أقرها الاتحاد الأوروبي، أمس، والولايات المتحدة مطلع الشهر. وتستهدف العقوبات خصوصا قطاعي الطاقة والمصارف، وكذلك الميادين الكيميائية والبيولوجية والنووية، كما قال كانون، الذي وصف الحكومة الإيرانية بـ«العدوانية» و«اللامسؤولة». وتضاف هذه التدابير إلى تلك التي اتخذتها كندا تطبيقا لقرار العقوبات الصادر عن مجلس الأمن الدولي في التاسع من يونيو (حزيران) الماضي. وعلى غرار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ستحظر كندا أي استثمار جديد في قطاع الطاقة، وخصوصا لتكرير النفط الخام وتسييل الغاز. وهذا القطاع حساس. فعلى الرغم من أن إيران تعد رابع منتج للنفط في العالم، فهي ما زالت تستورد 40% من حاجاتها إلى البنزين لقدراتها المحدودة على التكرير، لتلبية حاجاتها الداخلية.

إلى ذلك، وفي موسكو أكدت وزارة الخارجية الروسية، أمس، أن انتقادات الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، لموسكو «غير مقبولة» لجهة اعتبارها «ناطقا» باسم الدول الغربية في شأن البرنامج النووي الإيراني. وقالت وزارة الخارجية الروسية إن الانتقاد الإيراني للرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف «غير مقبول» وتصريحات «غير مسؤولة عديمة الجدوى». وأبلغ ميدفيديف السفراء الأجانب يوم 12 يوليو (تموز) أن إيران تقترب من إمكانية إنتاج أسلحة نووية. ورد الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، بقوة في مطلع الأسبوع ووصف بيان ميدفيديف بأنه «إعلان مسرحية دعائية قررت أميركا تمثيلها ضدنا». وأضاف أن الزعيم الروسي «بدأ» المسرحية.