«ويكيليكس».. صورة متشابكة لجهود الحرب المتعثرة

أرشيف 6 سنوات من الوثائق وضع إدارة أوباما في موقف دفاعي بشأن سياستها في أفغانستان

TT

قبل يوم واحد فقط كانت الضجة التي أحدثتها «ويكيليكس» تثير نقاشا يحدث مرة واحدة في الجيل بشأن الإفصاح عن معلومات سرية، وتشير إلى الدور الجريء لمنظمة عديمة الجنسية خارج نطاق الدول ذات السيادة، واشتراك وسائل الإعلام القديمة في حزم 92 ألف صفحة من وثائق الحرب في أفغانستان.

وفي اليوم التالي، بدت المؤسسة الإعلامية تتثاءب، وتقول: «أخبار قديمة. مواد مكررة. هل لا تزال ليندسي لوهان في الحبس؟».

والآن يحدث ذلك ليوافق الخط الذي تتبناه الإدارة الأميركية. (قال أوباما: «هذه الوثائق لا تكشف عن أي قضايا شكلت بالفعل مناقشتنا العامة بشأن أفغانستان»). وقد يكون جزءا من ذلك اتجاه تتبناه بعض الصحف التي لا تسمى «نيويورك تايمز» أو «غارديان» أو «دير شبيغل» من أجل التقليل من شأن انفراد صحافي لصحيفة منافسة.

ولا أزال أعتقد أن بعض الأمور التي تم الكشف عنها هي أمور مهمة، لكنها أكثر أهمية بوصفها صورة متشابكة لجهود الحرب المتعثرة. رفض الكثير من النقاد في بادئ الأمر أوراق «البنتاغون»، وقالوا إنها مادة قديمة أيضا - كانت هذه الأوراق دراسة تاريخية حول هزيمة فيتنام - لكنها على الأقل كانت تحتوي على قصة. يحتوي كشف «ويكي» على الكثير من المكونات الصغيرة، مثل تقارير أولية من ميدان المعركة، التي تتطلب طهاة صحافيين لخفضها لتصبح طبقا ذا مغزى. وهذا هو السبب في أن «ويكيليكس» استعانت بشركائها في مجال الإعلام، لتضع طابعا من الاستحسان على ما كان من الممكن أن يكون نشر مجموعة من الوثائق غير المتصلة.

بيد أن شبكة تلفزيون «سي دبليو» عثرت على سمة متفجرة في هذه القصة هي: التأثير السياسي.

وقالت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» إن هناك «عددا ليس بالكثير من المفاجآت في هذه التقارير»، لكن «تسريب اكتشاف وثائق أميركية وضع إدارة أوباما في موقف دفاعي بشأن سياستها في أفغانستان وقد يعمق من الشكوك في الكونغرس حول التوقعات بتحسين جهود الحرب المتعثرة».

وقالت «واشنطن بوست» إن «الإفصاح عن ما هو تحديثات من ميدان المعركة لا يبدو أنه يمثل تهديدا رئيسيا للأمن القومي أو سلامة القوات، وفقا لمسؤولين عسكريين»، مضيفة أن عملية التسريب «ليس من المحتمل على ما يبدو أنها ستقوض التأييد الهش في الكونغرس أو ستجبر إدارة أوباما على تغيير الاستراتيجية».

وقد ذهبت «نيويورك تايمز» مع الاتجاه السياسي، حيث قالت: «لقد صعد الإفصاح عن أرشيف عمره 6 سنوات من الوثائق العسكرية السرية من الضغوط على الرئيس أوباما للدفاع عن استراتيجيته العسكرية في الوقت الذي يستعد فيه الكونغرس لمناقشة تمويل الحرب في أفغانستان».

الرأي نفسه نقلته «بوليتيكو»، حيث قالت: «رفض البيت الأبيض التقارير المؤلفة من 92 ألف صفحة عن حرب أفغانستان التي نشرتها (ويكيليكس)، وقال إنها أخبار قديمة، لكن هذه الوثائق تشكل تهديدا جديدا قويا للسياسة المتوازنة بدقة للرئيس باراك أوباما.. وتدفع هذه التقارير موجة جديدة من إمعان النظر في الحرب بين حلفاء أوباما في كابيتول هيل».

لذا، أي الأمرين صحيح؟ هل تشكل تهديدا جديدا وقويا، أم من المحتمل أن تقوض التأييد في الكونغرس تجاه الحرب؟ كانت «سي دبليو» متحيرة.

وأثار تعليق شيق في قصة «تايمز» اهتمام رئيس «ويكيليكس» جوليان أسانج: «أرسل مسؤولون في البيت الأبيض رسالة بالبريد إلكتروني إلى الصحافيين تحتوي على نصوص مختارة من مقابلة أجراها أسانج مع (دير شبيغل)»، مع التأكيد على الاقتباسات التي اكتشف البيت الأبيض، على ما يبدو، أنها مثيرة للغضب. ومن بينها كان تأكيد أسانج: «إنني أستمتع بسحق الأمور المشكوك في أصلها». وأخبر أسانج الصحافيين بأنه يريد أن تقود المادة إلى «سياسات جديدة، إن لم تكن ملاحقات قضائية». إن أجندته واضحة. وقد نفد صبر الصحافي «جيمس فالوز» من «ذي أتلانتيك» مع الحجة التي تقول: «الجميع يعرفون ذلك بالفعل. ويقول الأفراد القريبون للغاية من هذه القصة إن قدرا ليس بالكبير من هذه المعلومات جديد من حيث الجوهر.. لكن لا يعرف الجميع ذلك.. قد تبدو المعلومات التي قد تكون أخبارا قديمة بالنسبة إلى المراقبين كشفا جديدا بالنسبة للرأي العام الأوسع نطاقا».

«لم تؤكد الخطابات الرئاسية المتعلقة بأفغانستان، سواء التي ألقاها جورج دبليو بوش أو باراك أوباما، الولاءات المختلطة لقوات الأمن الباكستانية، وحالات الإحباط من التعامل مع زعماء القبائل والمسؤولين الفاسدين، ومدى الإصابات بين المدنيين، وبنود أخرى يعرفها الجميع بالفعل، بحسب المراقبين. وعند هذه المرحلة، من المستحيل القول ما إذا كان هناك مزيج ضخم، يصعب هضمه إلى حد ما، من التقارير الأولية، التي تم إطلاقها وسط فصل الصيف، سيعني أن الجميع بمعنى أوسع سيحمل وجهة نظر المراقبين نفسها.. وهذا هو التشابه الممكن مع أوراق (البنتاغون)».

ولا يعد المراسل السابق في «البنتاغون»، جيمي ماكينتاير، أحد المعجبين بـ«ويكي»، وقال: «لقد شعرت بالغضب إلى حد ما ليلة الأحد، عندما ظهرت القصة للمرة الأولى وسمعت منظمات إخبارية كثيرة تختزل (ويكيليكس) وتصفها بأنه مجموعة من المبلغين عن انتهاكات العمل. دعونا نكون واضحين: تعتبر (ويكيليكس) مجموعة ضد الخصوصية وضد السرية، وعقيدتها الأساسية هي أنه لا ينبغي حجب أي شيء عن العالم، لا أسرار عسكرية، ولا مصادر أو أساليب جمع المعلومات الاستخباراتية، ولا حتى الطقوس السرية للنوادي الاجتماعية للفتيان والفتيات. الحكومات والمؤسسات والمواطنين لديها الحق، بل وحتى المسؤولية، في الحفاظ على بعض الأسرار. ويبدو أن ولاء (ويكيليكس) الوحيد يكون لمصدر التسريبات الخاصة بها. وببقائها غير مدركة عواقب تصرفاتها، تبدو (ويكيليكس) بالنسبة لي أقل أداء في تقليد الباحثين عن الفضائح من الطراز القديم، وتشبه بصورة أكبر الإرهابيين المناهضين للخصوصية».

وفيما يلي بعض الأخبار الجديدة من الوثائق المنشورة، التي قالها المدون على موقع «ياهو» الإخباري جون كوك: «تبنى الجيش الأميركي في أفغانستان استراتيجية العلاقات العامة، التي تسببت له في المشكلات في العراق، حيث يدفع الأموال لوسائل الإعلام المحلية مقابل نشر قصص مؤيدة له». «تظهر تقارير كثيرة من وحدات العمليات النفسية في الجيش وفرق إعادة الإعمار الإقليمية (وهي فرق مشكلة من المدنيين والعسكريين مهمتها تنفيذ عمليات إعادة الإعمار في أفغانستان) أن محطات الإذاعة المحلية الأفغانية كانت متعاقدة لإذاعة محتوى أنتجته الولايات المتحدة. وتظهر تقارير أخرى أفرادا في الجيش الأميركي وهم يشيرون على ما يبدو إلى صحافيين أفغان على أنهم (صحافيونا) ويوجهونهم بشأن كيفية أداء وظائفهم».

يعمل هوارد كيرتز أيضا لصالح تلفزيون «سي إن إن»، ويقدم برنامجها الإعلامي الأسبوعي «مصادر موثوقة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»