ويحيلي: ذهبت إلى اليمن لتعلم العربية وكانت أسئلة الـ«إف بي آي» في انتظاري

أميركي من أصل صومالي على قائمة الممنوعين من السفر

الصومالي الأميركي يحيى ويحيلي يتطلع في البوم صور عائلته في القاهرة «واشنطن بوست»
TT

ولد يحيى ويحيلي (26 عاما) وترعرع في فيرفاكس كاونتي. وكان من المفترض أن يعود للوطن هذا الربيع ليحكي لأصدقائه وأفراد أسرته عن فترة الـ18 شهرا التي قضاها باليمن والدروس التقنية التي تلقاها وبحثه عن عروس وحفل الزفاف الذي انطلقت خلاله أصوات الموسيقى وأغان لمايكل جاكسون وسيلين ديون.

إلا أنه بدلا من ذلك، فوجئ، ويحيلي، في طريقه للعودة في مطلع مايو (أيار) بأن اسمه وضع على قائمة الحكومة الأميركية للممنوعين من السفر، وذلك أثناء توقفه في القاهرة لتبديل الطائرة التي يستقلها. ومنذ تلك اللحظة حتى عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وجد ويحيلي، الذي تخرج في مدرسة «ليك برادوك الثانوية» في بيرك، نفسه عالقا في مصر. وقضى تلك الفترة في التنقل المستمر بين غرفة بأحد فنادق القاهرة بتكلفة 16 دولارا لليلة وغرفة من دون نوافذ داخل السفارة الأميركية. وأشار ويحيلي إلى أنه داخل السفارة، أطعمه عملاء تابعون لمكتب التحقيقات الفيدرالي رقائق بطاطس وأخبروه أنه ربما لن يرى فيرجينيا مجددا قط.

خلال أول مقابلة موسعة معه منذ عودته إلى الوطن في 17 يوليو (تموز)، قال ويحيلي إن مكتب التحقيقات الفيدرالي أمطره بأسئلة حول صلاته المحتملة بإرهابيين. وخلال قرابة 6 جلسات مرهقة على مدار 11 أسبوعا قضاها بمصر، دفع عملاء المكتب ويحيلي للعودة بذاكرته إلى النشاطات التي قام بها منذ عدة شهور، وسألوه عما إذا كان مسلما «متدينا». وعمدوا إلى التقصي بشأن صلاته بإسلاميين أصوليين، بينهم شريف موبلي، وهو عضو مزعوم في «القاعدة» من نيو جيرسي التقاه ويحيلي بأحد شوارع اليمن.

بعد ذلك، تبدلت نبرتهم، حيث شرعوا في مناشدته المعاونة في حماية وطنه عله يفكر في العمل كجاسوس داخل الجالية المسلمة بعد عودته إلى الوطن؟

وقال ويحيلي، الذي كان يرتدي سروالا من الجينز الواسع وقميصا من تصميم رالف لورين: «لقد عشت حياتي كلها في فيرجينيا. أستمع لأغاني الراب وأحب لعب كرة السلة وأحب مشاهدة كرة القدم. ولم أنشأ على النحو الذي نشأ عليه أولئك المخبولون (يقصد الإرهابيين). لا أرغب سوى أن أعيش حياتي بصورة طبيعية. لا أرغب في العمل مرشدا، وإنما أود العمل بشركة تكنولوجيا معلومات. أود العيش كشخص طبيعي».

ووصف ويحيلي - الذي أشار إلى أنه سافر لليمن لرغبة والدته في أن يتعلم العربية ويجد لنفسه عروسا مسلمة - تجربته التي وصفها بمحنة معقدة ناضل خلالها لأسابيع كي يثبت أنه لا يشكل تهديدا على وطنه. إلا أن الحكومة تؤكد أنه يتحتم عليها الإبقاء على رقابة وثيقة على أولئك الذين ربما يتصلون بإرهابيين، ويعد اليمن واحدا من الدول المثيرة للقلق داخل الدوائر المعنية بفرض القانون.

منذ أعياد رأس السنة، عندما حاول نيجيري تلقى تدريبه باليمن تفجير طائرة ركاب أثناء هبوطها في ديترويت، تم منع نحو 30 مسلما من مغادرة الولايات المتحدة أو العودة إليها أو التنقل داخلها، طبقا لما ورد بسجلات «مجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية» الذي يتخذ من واشنطن مقرا له.

في هذا الصدد، شرح بول بريسون، المتحدث الرسمي باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي رفض تناول قضية ويحيلي بصورة محددة، أن «المحاولات الكثيرة التي وقعت مؤخرا لتنفيذ مخططات إرهابية ضد أهداف أميركية، بينها محاولة تنفيذ تفجير في عطلة رأس السنة وحادث تايمز سكوير، تذكرنا بالحاجة للبقاء منتبهين والتحقيق في كل معلومة يمكن أن تسهم في التصدي لتهديد محتمل، وهو أمر يطالبنا به الرأي العام الأميركي».

وأضاف بريسون أن «مكتب التحقيقات الفيدرالي حريص دوما على حماية الحقوق المدنية وخصوصية جميع الأميركيين... إننا مدركون تماما لحقيقة أن نجاحنا في فرض القانون يعتمد على شراكتنا مع المجتمع المسلم والكثير من المجتمعات الأخرى».

يذكر أن محققين في الإسكندرية ومكتب التحقيقات الفيدرالي لا يزالون يجرون تحقيقات بشأن ويحيلي، حسبما أفاد محاميه توم إتشيكسون. والتقى مسؤولون حكوميون أسرته، الخميس، لكن إتشيكسون رفض التعليق على ما جرى من مناقشات، واكتفى بالقول إنه يحاول إزالة اسم ويحيلي من قائمة الممنوعين من السفر.

من ناحيته، قال بيتر كار، متحدث رسمي باسم مكتب النائب العام الأميركي في الإسكندرية، إنه ليس بإمكانه التأكيد أو نفي إجراء أي تحقيق بشأن أنشطة ويحيلي.

وقال والدا ويحيلي، شمس نور وعبد الرزاق ويحيلي - وهما مهاجران من الصومال درسا بجامعة ضاحية كولومبيا - إنهما شعرا بالقلق حيال نجلهما الثاني من بين 6 أبناء، الذي بدا لهما أن حياته انجرفت بعيدا عن المسار الصائب.

يذكر أن يحيى ويحيلي ترك دراسته بجامعة ولاية نورفولك. وبحلول عام 2008، كان قد عمل ساعي بريد لدى شركة لخدمة البريد السريع، وبدأ والداه يحثانه على تعلم العربية بحيث يتمكن من تعزيز فرصه في الحياة المهنية وربما يجد لنفسه عروسا مسلمة.

لكن ويحيلي، الذي يحب ألعاب الفيديو وقراءة المجلات المصورة، رفض الفكرة.

وقال: «رأيت في نفسي عدم رغبة للقيام بذلك... ورأيت أنني لست بحاجة للذهاب إلى دولة أجنبية وتعلم لغة أجنبية. لقد تملكني الخوف ودخلت إلى موقع (يوتيوب) لمشاهدة مقاطع عن اليمن ولم يرق لي ما شاهدته. لقد رأيت بلادا أشبه بالحياة في العصر الحجري. وجن جنوني بسبب هذه الفكرة وشعرت بإحباط شديد». وأشار إلى أنه تساءل حينها: «كيف يمكنني التوافق مع أي امرأة من اليمن، فهي لن تفهم الثقافة الأميركية».

في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، استقل ويحيلي طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية السعودية من دالاس، وسرعان ما انغمس في المجتمع اليمني، حيث التحق بالجامعة اللبنانية الدولية في صنعاء، العاصمة. واستأجر شقة مؤلفة من غرفة واحدة، واستمر في ممارسة كرة السلة وزيارة مقاهي الإنترنت. وسرعان ما عثر على عروس مناسبة، وهي لاجئة صومالية تصغره بعدة سنوات تدعى مريم، وهي شقيقة صديق له وتعمل ممرضة.

وشعر ويحيلي بانجذاب نحو مريم، خاصة أن كليهما يعشق المعكرونة الاسباغيتي والتنزه، والأهم من ذلك أنها أثارت فضوله تجاه جذوره الصومالية.

وقال عنها: «يتركز تفكير كل النساء الأخريات الراغبات في التعرف بأميركي على حلم السفر إلى الولايات المتحدة، لكن مريم كانت مختلفة، لقد رغبت دوما في الحفاظ على ثقافتها الصومالية.. ورغبت أنا أيضا في العودة إلى هذه الثقافة».

بعد عام من وصول ويحيلي إلى اليمن، تزوج بمريم. وشارك في الزفاف بعض أقاربه، بينهم شقيقه الأصغر، يوسف. ورقص الضيوف على أنغام أغنية «بيلي جان» لمايكل جاكسون. وجرى التقاط صور للعروسين بملابس الزفاف، ويحيلي في بزة سوداء ومريم في فستان مطرز بالزهور.

وسرعان ما شعر ويحيلي بالحنين إلى الوطن. ورغب في العودة إلى الوطن للتقدم بطلب لاستقدام زوجته. في مطلع مايو، استقل وشقيقه طائرة تابعة لشركة «مصر للطيران» متجهة إلى القاهرة، حيث كانا ينويان تبديل الطائرة بأخرى متجهة إلى نيويورك.

إلا أنه في مطار القاهرة، أخبر مسؤولون الشقيقين بأنه ليس بإمكانهما تبديل الطائرة. وجرى توجيههما للتوجه إلى السفارة الأميركية.

تملك الفزع الشقيقين، وسارعا إلى استيقاف سيارة أجرة للتوجه إلى السفارة، آملين في أن يتمكنا من اللحاق بالطائرة المتجهة إلى نيويورك بعد نصف ساعة. لكن داخل السفارة، أخبرهما مسؤولون بالانتظار والذهاب لتناول الغداء. لدى عودتهما، أخبرهما مسؤولون أن عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي في طريقهم من واشنطن إلى القاهرة لمقابلتهما.

واضطر يحيى لاقتراض هاتف جوال للاتصال بوالدته وإخبارها بأنه قد يتأخر لأربعة أيام. وانتقل الشقيقان إلى فندق بمنطقة غاردين سيتي، بالاعتماد على أموال أقرضتها لهم الحكومة الأميركية. كما حصلا على كوبونات تمكنهما من تناول الطعام بمطاعم للوجبات السريعة وقضيا كثيرا من الوقت في التنزه. بعد بضعة أيام، سمح لشقيقه بالعودة إلى الوطن، لكن يحيى اضطر إلى البقاء.

وقال ويحيلي إنه التقى عميلين بمكتب التحقيقات الفيدرالي في حجرة صغيرة داخل السفارة، حيث أمطراه بوابل من الأسئلة: هل تصلي يوميا؟ هل التقيت قط الأشخاص التالين؟ وجرى إخضاعه لجهاز كشف الكذب، واضطر لتسليمهما الكلمات المفتاحية لبريده الإلكتروني وحسابه على موقع «فيس بوك». وقال ويحيلي: «على الرغم من الاعتقاد الشائع بأن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي أذكياء فإن المرء يفاجأ بهم يطرحون أغبى أسئلة ممكنة لا تحمل أدنى قدر من الأهمية. وقد حاولت جاهدا أن أثبت لهما أنني لست مصدر خطر على بلادي وجميع المواطنين الأميركيين. لكن أعتقد أن الأمر استغرق وقتا أطول قليلا في حالتي».

في بيرك، حيث تزين آيات قرآنية جميع الجدران، قالت والدة ويحيلي إنها «شعرت بالذنب، كنت أصحو في الثالثة صباحا من النوم وأبتهل إلى الله كي يساعدني. لقد أرسلته هناك كي يعود شخصا أفضل لبلاده».

لكن في القاهرة، بدت أسئلة مكتب التحقيقات الفيدرالي مصممة لتحقق بشأن الصلات المحتملة لنجلها بأفراد لهم ولاءات مغايرة تماما. وعندما عرضوا على ويحيلي صورا لراديكاليين، بدا أحدهما مألوفا بعض الشيء. كان ذلك شريف موبلي، وهو مواطن أميركي متهم بقتل حارس مستشفى باليمن بعد إلقاء القبض على موبلي في موجة اعتقالات ضد مسلحين تابعين لـ«القاعدة» مشتبه فيهم.

وأخبر ويحيلي «واشنطن بوست» أنه التقى موبلي ذات مرة مصادفة في شارع حدا بصنعاء، وهو ملتقى شهير للأجانب، لكنه ليس على معرفة بماضيه.

وقال: «لا أعتبر نفسي على معرفة بهذا الشخص. لقد تقدم نحوي وسألني: هل أنت أميركي؟، وأجبته: نعم، فرد: حسنا، من أي المناطق أنت؟ كانت محادثة قصيرة».

قال ويحيلي إنه بعد فترة، سأله عميلا مكتب التحقيقات الفيدرالي عما إذا كان بمقدوره الانتظام في دروس مسجد في واشنطن وإخطارهما بشأن مخططات إرهابية محتملة أو تهديدات أمنية.

وعلق على ذلك قائلا: «تملكتني الحيرة، فقد كان أمرا غريبا بالنسبة لي. وشعرت بأن هذا أمر غير صائب».

مؤخرا، في 17 يوليو، سمح لويحيلي بالعودة إلى نيويورك، لكن نظرا لأنه لا يزال على قائمة الممنوعين من السفر، لم يكن بإمكانه استقلال طائرة أخرى لواشنطن. لذا، قدم والداه واصطحباه في سيارة من مطار جون كيندي الدولي. بحلول الصباح، عاود ممارسة ألعاب الفيديو.

الآن، يفكر فيما إذا كان سيلتقي عميلة مكتب التحقيقات الفيدرالية التي كانت تحقق معه مجددا. في مصر، أخبرته بأنها تود الخروج معه لتناول الغداء وتبادل الحديث. وأجابها: «حسنا لو كان لدي وقت فراغ». وأضاف ويحيلي: «لم أرغب في أن أكون وقحا معها، فأنا على استعداد للحديث إذا سمح جدول أعمالي بذلك».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»