قواعد الهجرة الصارمة تهدد ازدهار اليابان

الحكومة تريد تخفيف القيود في ظل تراجع عدد السكان والحاجة لمهنيين أجانب

TT

وطنها الجديد بحاجة إليها ويثني عليها مسؤولها الجديد في العمل بشدة. ذلك هو حال جويس آن بولينو، التي قدمت إلى هنا منذ 14 شهرا من دون أن تكون على معرفة بكلمة يابانية واحدة، أما اليوم، فبات بإمكانها أن تقول باليابانية إنها تود البقاء هنا. إلا أن القلق يساور بولينو، 31 عاما، وهي فلبينية تعمل ممرضة، لأنها حتى تتمكن من البقاء لمدة طويلة في اليابان يتعين عليها اجتياز اختبار يعجز الأجانب كافة تقريبا عن اجتيازه.

بالنسبة لليابان، تعتمد مسألة حفاظها على مكانتها الاقتصادية على امتداد العقد المقبل على قدرتها واستعدادها لتحقيق النمو بالاعتماد على مساعدة خارجية. ومعروف أن اليابان اتسمت دوما بشكوك حيال الهجرة وعمدت إلى فرض قيود شديدة على قدرة الأجانب على العيش والعمل هنا.

لكن مع ظهور توقعات بتراجع أعداد السكان من 127 مليون نسمة إلى أقل من 100 مليون بحلول عام 2055، أقدم ناوتو كان، رئيس الوزراء، الشهر الماضي على اتخاذ خطوة نحو تخفيف حدة القيود اليابانية على الهجرة، وحدد هدفا يتمثل في مضاعفة أعداد العمال الأجانب ذوي المهارات المرتفعة داخل البلاد في غضون عقد.

تشير الأرقام إلى أن 1.7% فقط من سكان اليابان (أي قرابة 2.2 مليون نسمة) من الأجانب أو مولودين بدول أجنبية. ويشكل الأجانب شرائح ضئيلة من جميع قطاعات الاقتصاد تقريبا، لكنهم في الوقت ذاته يمثلون الشريحة السكانية الوحيدة التي لا تزال تتمتع بفرصة للنمو. وإذا استمرت اليابان على نهجها الحالي سيصبح لديها ثلاثة عمال لكل اثنين من المتقاعدين بحلول عام 2060.

إلا أن برنامج الشراكة الاقتصادية الذي ساعد في اجتذاب بولينو ومئات آخرين من العاملين في مجال التمريض والرعاية الصحية إلى اليابان يتسم بعيب خطير، حيث يتعذر على العمال الإندونيسيين والفلبينيين، الذين وفدوا إلى اليابان لرعاية كبار السن بها الذين تتنامى أعدادهم، البقاء في البلاد إلى الأبد من دون اجتياز اختبار الحصول على شهادة تجيز ذلك. ونظرا لاعتماد الاختبار على مستوى رفيع من اليابانية، التي تجد هؤلاء الممرضات صعوبة في حفظ إشاراتها، تحول الاختبار في حقيقته إلى اختبار لغوي. وتشير الأرقام إلى أن 90% من الممرضات اليابانيات يجتزن هذا الاختبار، بينما لم ينجح فيه سوى ثلاثة من إجمالي 254 مهاجرا العام الماضي، أما في العام الأسبق فلم ينجح فيه أحد من إجمالي 82 ممتحنا.

ويشن أنصار الهجرة هجوما شديدا على مسألة فرض اختبار يتعين على الأجنبي اجتيازه أو الرحيل عن البلاد في وقت يقل معدل النجاح فيه عن 1%، خاصة في وقت تعزز فيه العوامل الديموغرافية بالبلاد الحاجة إلى قوة أجنبية عاملة ماهرة. إلا أنه بالنسبة للكثير من المسؤولين بالحكومة والصناعة الطبية تشير المشكلات التي ينطوي عليها البرنامج إلى معضلة أوسع نطاقا تجابه البلاد التي تجعل من لغتها المعقدة ورفضها للأجانب حصنا يصعب اختراقه.

بصورة عامة، يبدو هدف «كان» المتمثل في مضاعفة أعداد العمالة الأجنبية منطقيا تماما، نظرا لاعتماد البلاد في الوقت الراهن على 278 ألف عامل أجنبي من خريجي الجامعات - بينما تعتمد الولايات المتحدة على أكثر من 8 ملايين منهم، وذلك طبقا للأرقام الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ومع ذلك، يجابه تنفيذ هذا الهدف بعض المقاومة والرفض.

يذكر أن صحيفة «أساهي شيمبون» أجرت استطلاعا للرأي في يونيو (حزيران) الماضي سألت خلاله اليابانيين حول مدى تقبلهم لوجود أجانب «من أجل تعزيز النشاط الاقتصادي». وطبقا للنتائج، أعرب 26% عن تأييدهم الفكرة، بينما عارضها 65%. ويرى خبراء أن احتمال إقرار تغييرات كبرى في سياسة الهجرة منيت بصفعة قوية جراء الانتكاسة التي مني بها الحزب الديمقراطي الحاكم في الانتخابات البرلمانية هذا الشهر.

ويرسم محللون سياسيون الآن صورة كئيبة لبلاد تمر بفترة تأزم تشريعي. ويواجه الأجانب أمثال بولينو صعوبة في الوصول إلى هنا والازدهار والإقامة بالبلاد. وستواجه حكومة كان، على الأقل الآن، صعوبة في تغيير أي من هذه الأوضاع.

وأوضح ساتورو توميناغا، مدير «غارودا»، وهي جماعة ضغط تناصر الممرضات والعاملين بمجال الرعاية الصحية، أن «هناك شعورا باقتراب أزمة وشيكة بخصوص تراجع أعداد سكان اليابان. إننا بحاجة إلى تغيير راديكالي في السياسات المتبعة من أجل تعزيز أعداد مثل هؤلاء العمال. إلا أن اليابان تفتقد حكومة قوية، وتعاني حكومتها الحالية أزمة كبيرة».

عندما أبرمت اليابان اتفاقات شراكة اقتصادية مع إندونيسيا والفلبين، لم يكن اجتذاب الممرضين ومسؤولي الرعاية الصحية هدفا رئيسيا، وإنما سعت طوكيو لمنح شركات إنتاج السيارات لديها القدرة على الدخول من دون رسوم إلى أسواق جنوب شرقي آسيا. ولم يكن قبول عمال أجانب سوى جزء من الاتفاق. إلا أنه بحلول عام 2025، ستحتاج اليابان إلى مضاعفة عدد الممرضات والمعنيين بالرعاية الصحية تقريبا، والذين تبلغ أعدادهم حاليا قرابة 1.2 مليون نسمة. إلا أن الاختبار سالف الذكر، الذي يعنى في المقام الأول بالمهارات اللغوية وليس المهارات المهنية، هو الذي يحول دون سد هذه الفجوة.

يشار إلى أن جميع الممرضين وعاملي الرعاية الصحية الفلبينيين والإندونيسيين الـ998 الذين قدموا على اليابان منذ عام 2008 يتمتعون جميعا بتعليم جامعي، على الأقل، أو بخبرة مهنية لمدة عدة سنوات. وبمقدور الممرضين البقاء في اليابان ثلاث سنوات تحمل معها ثلاث فرص لخوض الاختبار. وبإمكان العاملين الآخرين في مجال الرعاية الصحية البقاء لأربع سنوات، مع فرصة واحدة لخوض الاختبار. ويخوض الذين يفدون إلى اليابان دورة تدريبية لغوية لمدة ستة أشهر، ثم يشرعون في العمل كمتدربين. وخلال يوم العمل، تخصص فترة ضئيلة - 45 دقيقة، في حالة بولينو - للدراسة اللغوية. كما يدرس الكثيرون لساعات في الليل.

وقال كيتشي إناغاكي، وهو مسؤول بـ«الشركة اليابانية الدولية لخدمات الرفاه»، التي تتولى الإشراف على البرنامج: «تشكل المهارات اللغوية عائقا هائلا أمامهم. ومع ذلك، لو تجولت في أرجاء المستشفيات ستدرك بسهولة مدى أهمية اللغة، ذلك أن الممرضين يتعاملون مع مسائل فنية، ويتحدثون إلى الأطباء بشأن الأمور المهمة. ومن أجل ضمان نظام طبي آمن، يحتاج الممرضون إلى مستوى لغوي رفيع في اليابانية».

في المقابل، لا يقلل أنصار الاستعانة بممرضين وعاملين في الرعاية الصحية من الأجانب من أهمية المهارات اللغوية، لكنهم يشددون على أن المصطلحات الطبية اليابانية من بين أصعب أجزاء اللغة اليابانية على الإطلاق. لذا، يقترحون طرح جزء من الاختبار في المصطلحات الطبية العسيرة بالإنجليزية أو اللغة الأم للممتحن.

عندما استقلت بولينو طائرة من مانيلا إلى طوكيو في مايو (أيار) 2009، تملكها شعور بالرهبة والمغامرة، عجزت عن التعبير عنه باليابانية. ونظرت إلى رحلتها باعتبارها محاولة لجني مزيد من المال و«استكشاف نفسها»، حسبما ذكرت. اليوم، وبعد مرور ثمانية أشهر على عملها بمركز «تاماغوا سوبارو» للتمريض، تشعر بولينو بالارتياح تجاه الحديث إلى والمزاح مع كبار السن الذين تتولى رعايتهم.

وعلق كيسوكي إسوزاكي، رئيس شؤون رعاية المرضى بالمركز، بقوله: «واجهت بولينو بعض المشكلات في البداية، خاصة مع اللغة اليابانية، لكن هناك تحسنا كبيرا الآن. ورغم عجزها عن قدرتها على الكتابة باليابانية، فإنها بخلاف ذلك أبدت مستوى من الكفاءة لا يقل عن أي ممرض ياباني».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»