جنرالات البنتاغون يعلنون «الحرب» على «ويكيليكس»

الموقع قد يوقف تبادل المعلومات عبر الإنترنت بين وكالات الاستخبارات الأميركية

TT

أعلن وزير الدفاع الأميركي وكبار جنرالات القوات الأميركية المسلحة «الحرب» على موقع «ويكيليكس» في الإنترنت الذي نشر، يوم الأحد، أكثر من تسعين ألف وثيقة سرية للقوات الأميركية في أفغانستان. ومع دخول مكتب التحقيقات الفيدرالية «إف بي آي» في الموضوع، قال مراقبون وصحافيون في واشنطن إن الرئيس باراك أوباما ربما سيضع «ويكيليكس»، ورئيس تحريرها الصحافي الاسترالي جوليان أسانغ، في قائمة الإرهاب. وربما سيكون أسانغ مستهدفا من قبل الاستخبارات الأميركية.

وقال الأدميرال مايك مولين، قائد القوات الأميركية المشتركة: «يقدر السيد أسانغ أن يقول ما يريد أن يقول عن العمل الصالح الذي يقوم به، هو والذين سربوا له هذه الوثائق. لكن، الحقيقة هي أن أياديهم ربما صارت ملطخة بدماء جنود أميركيين في أفغانستان، أو بدماء عائلات أفغانية».

وقال روبرت غيتس وزير الدفاع: «لا نعرف كم الوثائق ولا كم الأسماء التي لم تنشر. ربما ستكون أعدادا كبيرة، وربما ستعرض أرواحا أكثر للخطر».

ورفض الوزير فتح حوار مع أسانغ حتى لا ينشر بقية الوثائق، التي يعتقد أنها خمسة عشر ألف وثيقة تقريبا. أو ليحذف أسماء جنود ومترجمين وجواسيس ومساعدين أفغان تعاونوا مع القوات الأميركية. وقال الوزير: «لست متأكدا من أهمية أن نتحدث معه. هل تعتقدون أنه سيقول لنا الحقيقة؟».

وقال الوزير إنه طلب من «إف بي آي» مساعدة المحققين العسكريين. وأضاف: «لتصل التحقيقات إلى أي مدى تريد الوصول إليه». وأضاف الوزير في مقابلة مع صحافيين نقلت محتوياتها وكالة «رويترز»، أنه كان قابل الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، وبحثا موضوع الوثائق. وأن أوباما التقى مع فريقه للأمن القومي في البيت الأبيض. وعن الوثائق، قال الوزير: «ربما ستكون العواقب في ميدان المعركة لنشر هذه الوثائق وخيمة وخطيرة على قواتنا وحلفائنا والشركاء الأفغان. وربما ستضر بعلاقاتنا وسمعتنا في ذلك الجزء المهم من العالم». وأضاف أن أكبر بواعث القلق ألا يثق الأفغان والحلفاء الآخرون بعد الآن في أن الولايات المتحدة تحافظ على أسرارهم».

وقال الوزير إنه لا يدري هل تنبغي مقاضاة أسانغ جنائيا أم معاملة «ويكيليكس» كهيئة إعلامية تحميها حرية التعبير، حسب الدستور الأميركي. وقال: «أعتقد أن هذا سؤال لناس أكثر خبرة مني في القانون». ورفض غيتس التعقيب عندما سأله صحافيون هل سيشمل التحقيق «ويكيليكس» نفسها. وفسر مراقبون في واشنطن هذه العبارة الأخيرة بأنها تهديد غير مباشر للصحافي أسانغ وللذين يشرفون معه على موقع «ويكيليكس». وفسرتها صحيفة «واشنطن بوست» بأنها «تفتح الباب أمام اتهامات إجرامية. وتشمل أيضا أي مدنيين لهم صلة بعمل يعتبر مضرا بالأمن القومي الأميركي».وقالت الصحيفة إن صحافييها اطلعوا على قرابة سبعين ألف وثيقة من التسعين ألف وثيقة التي نشرتها «ويكيليكس»، ووجدوا فيها مائة اسم لأفغان، يعتقد أنهم تجسسوا لصالح القوات الأميركية هناك. وأن الوثائق لم تكتف بنشر أسمائهم فقط، ولكن، أيضا، الأماكن التي يعملون فيها. وأحيانا مع أسماء مقاتلي طالبان الذين تجسسوا عليهم. بالإضافة إلى اسم رجل استخبارات أميركي يعمل في أفغانستان. وعن الجواسيس الأفغان، قال وزير الدفاع: «نتحمل نحن مسؤولية أخلاقية ليس فقط نحو جنودنا، ولكن، أيضا، نحو الذين عملوا معنا». وأضاف: «أصدرت أوامر بدراسة كل وثيقة وفحص الأسماء التي فيها لنقدر على مساعدة الذين ساعدونا. يبدو لي أننا نتحمل جزءا من المسؤولية نحو سلامتهم». غير أن «واشنطن بوست» التي درس صحافيوها الأسماء في قرابة سبعين ألف وثيقة، قالت إنها لا تفهم كيف سيقدر البنتاغون على حماية الجواسيس الأفغان. وأن أغلبيتهم قرويون كبار في السن أو فقراء يعيشون في أماكن بعيدة، وتسيطر عليها طالبان. وقال عسكري في البنتاغون اطلع على بعض أسماء الجواسيس: «ربما سيقول أعداؤنا إن الذين وردت أسماؤهم في الوثائق تجسسوا لنا، حتى إذا ما تجسسوا، نعتبر هذا شيئا مؤسفا، ويؤكد لنا هذا أن نشر هذه الوثائق عمل غير مسؤول أبدا». وأضاف: «ليست لنا قوات كافية ننشرها في طول وعرض أفغانستان لحماية هؤلاء الناس(الجواسيس)». وانضم إلى الحملة ضد «ويكيليكس»، أمس، جو بايدن نائب الرئيس الأميركي. ولاحظ مراقبون وصحافيون في واشنطن أنه، بالإضافة إلى نقد «ويكيليكس»، كرر رأيا معتدلا عن مستقبل الحرب في أفغانستان. وقال إن القوات الأميركية موجودة في أفغانستان لغرض واحد هو هزيمة «القاعدة» في المناطق الحدودية مع باكستان، وليس لهدف «نيشن بلدنغ» (بناء أمة». وأضاف أن سياسة أوباما في أفغانستان ليست إنشاء ديمقراطية على النمط الأميركي وإنما القضاء على «القاعدة» التي قال إنها مسؤولة عن هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة. وأضاف بايدن، الذي كان يتحدث في تلفزيون «إن بي سي»: «نحن في أفغانستان لغرض واحد سريع.. (القاعدة) الموجودة في هذه الجبال بين أفغانستان وباكستان».

ونقل تلفزيون «سي إن إن» على لسان أسانغ، رئيس تحرير «ويكيليكس»، رفضه الكشف عن مصدر معلوماته هو نفسه. وقال إن تعريض الأشخاص الذين يقدمون الوثائق السرية له قد يمنع الناس من الوثوق به مستقبلا. ويحول دون حصوله على المزيد من المعلومات السرية.

وعلم تلفزيون «سي إن إن»، من جانب آخر، أن الجندي برادلي مانينغ، الذي كان يعمل في قسم تحليل الوثائق السرية، والمتهم الأساسي بتسريب الملفات للموقع، نقل من سجنه العسكري في قاعدة أميركية بالكويت إلى الولايات المتحدة، وتحديدا في قاعدة بولاية فيرجينيا. ومن المقرر أن يبقى مانينغ، الذي وجه الادعاء العسكري الأميركي له ثماني تهم جنائية، قيد التوقيف، حتى يقرر القضاء العسكري كيفية السير بالدعوى ضده. وجاء توقيف مانينغ، وهو متخصص بتحليل المعلومات الاستخبارية، بعدما كشف موقع إلكتروني هويته. والمسؤول عن الكشف هو أدريان لامو، ويعيش في كاليفورنيا، وتحدث إلى تلفزيون «سي إن إن»، وقال إنه يتعرض لتهديدات تصل إلى حد التلويح بقتله، لأنه كشف دور مانينغ بعد دردشة إلكترونية معه. وقال لامو إن التهديدات تصله على صفحته في موقعي «فيس بوك» و«تويتر». وإنه أبلغ السلطات باسم مانينغ لشعوره بأن ما حدث «ربما يكون له أثر سلبي على حياة الناس». ويرى خبراء أن نشر موقع «ويكيليكس» آلاف الوثائق العسكرية السرية عن الحرب في أفغانستان قد يتسبب في وقف تقاسم المعلومات عبر الإنترنت بين وكالات الاستخبارات الأميركية. وردا على سؤال وجه إليه حول هذه القضية على هامش مؤتمر حول الأمن المعلوماتي الذي اختتم يوم الخميس في لاس فيغاس، قال الجنرال المتقاعد في سلاح الجو والرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) مايكل هايدن: «إنه أمر مدمر على مستويات كثيرة». وتذكر الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية «في السنوات التي تلت 11 سبتمبر (أيلول) 2001، كلما حدث خطب ما يوجه الحزبان إلي اللوم لعدم تقاسم (المعلومات) بشكل كاف». وتابع: «كنا نقول لأعضاء مجلس الشيوخ: نعم، نعم سنتقاسم (المعلومات) لكن ضميرنا كان يقول لنا إن هناك مخاطر حقيقية لنتقاسمها. هذا ما استنتجناه للتو». فقد عرض نشر «ويكيليكس» لـ92 ألف وثيقة عسكرية سرية خصوصا اللعبة المزدوجة لأجهزة الاستخبارات الباكستانية في أفغانستان. ويرى محللون أن القضية تكشف التحديات التي يمثلها عصر النظام الرقمي على الأمن من خلال جعله ممكنا عرض معطيات هائلة بمجرد كبسة على فأرة جهاز الكومبيوتر. ولفت جيمس لويس خبير المعلوماتية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن «تسهيل تقاسم (المعلومات) ومن ثم الثقة بالناس ليعملوا بشكل أفضل، أمر لا ينجح». ولم يكشف «ويكيليكس» عن مصدر الوثائق التي نشرت، لكن الشكوك تحوم حول برادلي مانينغ محلل المعلومات الاستخباراتية في سلاح البر المعتقل حاليا في سجن عسكري أميركي في الكويت. ويشتبه في أن مانينغ الذي أوقف في مايو (أيار) نقل إلى «ويكيليكس» شريط فيديو يصور غارة قامت بها مروحية للجيش الأميركي مما تسبب في مقتل موظفين في وكالة «رويترز» وأشخاص آخرين في بغداد عام 2007. وقال البنتاغون في يونيو (حزيران) إنه يحقق بشأن احتمال قيام برادلي مانينغ بنقل أشرطة فيديو و260 ألف برقية دبلوماسية سرية. وأشار هايدن إلى أن مانينغ كان في مركز متدن نسبيا في الهرمية العسكرية وإذا تبين أنه هو فعلا الذي نقل هذه المعلومات فذلك يبرز خطر تقاسم المعلومات على نطاق واسع. واعتبر الذي قاد في السابق وكالة الأمن الوطني، أجهزة التنصت الأميركية الضخمة، قبل أن يتقاعد في 2009، أن «ذلك يجب أن يشكل تحذيرا للجميع»، وتوقع أن «يكون رد الفعل على هذه القضية رفض الشفافية» من جانب أوساط الاستخبارات.