كليات طب تخرق القاعدة وتتخلى عن شروط القبول الصارمة في أميركا

تقبل عددا من طلاب العلوم الإنسانية في الثانوية.. وتعطي الأولوية لامتحان القبول

طلاب من مدرسة ماونت سايناي للطب خلال زيارتهم لأحد المتاحف (نيويورك تايمز)
TT

على مدى أجيال كان على الراغبين في دراسة الطب تحقيق ثلاثة أمور مؤكدة: دراسة الكيمياء العضوية، والفيزياء، واجتياز القبول في كليات الطب. لذا كان الأمر مفاجأ بالنسبة إلى إليزابيث آدلر عندما اكتشفت أن واحدة من أكبر مدارس الطب في الولايات المتحدة تقبل عددا صغيرا من الطلاب سنويا من دون الوفاء بجميع هذه المتطلبات الثلاثة.

أصبحت آدلر من بين عدد قليل من الأفراد المحظوظين في العالم الصعب للقبول في مدارس الطب، وذلك لقبولهم في برنامج العلوم الإنسانية والطب في مدرسة ماونت سايناي للطب التي تقع في شمال الجانب الشرقي من مانهاتن. ويعِد هذا البرنامج بتوفير أماكن لنحو 35 طالبا سنويا إذا درسوا العلوم الإنسانية أو الاجتماعية بدلا من المناهج التقليدية المقررة في المدارس قبل دخول مدارس الطب، وحافظوا على معدل تراكمي يصل إلى 3.5.

لعقود من الزمن، ناقشت مهنة الطب ما إذا كانت المواد التي تجري دراستها قبل دخول مدارس الطب واختبارات القبول تعد أطباء يتقنون مهنتهم. وأثير هذا النقاش مجددا بعد نشر دراسة، أول من أمس، الخميس، في دورية «أكاديميك ميديسين»، الصادرة عن رابطة كليات الطب الأميركية. وقارنت هذه الدراسة، التي أعدها مؤسس برنامج مدرسة ماونت سايناي الطبية الدكتور ناثان كيس، وعميد المدرسة لشؤون التعليم الطبي الدكتور روبرت مولر، بين نتائج 85 طالبا في برنامج العلوم الإنسانية والطب ونتائج 606 طلاب تم إعدادهم بالطريقة التقليدية من الدفعات التي تخرجت عام 2004 إلى عام 2009، واكتشفت أن الأداء الأكاديمي لهؤلاء الطلاب في مدرسة الطب كان متساويا.

وقال الدكتور كيس: «لا توجد أي شكوك. المسار الافتراضي هو: حسنا، كيف كان أداؤهم في اختبار القبول بكليات الطب؟ كيف كان أداؤهم في الكيمياء العضوية، وما هو المعدل التراكمي الذي حققوه؟». وقال الدكتور كيس، الذي أسس برنامج ماونت سايناي عام 1987 عندما كان عميدا لمدرسة الطب، ويشغل حاليا منصب العميد الفخري للمدرسة، ويعمل أستاذ أمراض النساء والتوليد: «يستثني ذلك الكثير من الطلاب. لكنه أيضا يتقلص، حيث إنه يجعل من العلوم عقبة بدلا من الشيء الذي يعد نظرة حول علم الأحياء للأمراض البشرية». أما بخصوص ما إذا كانت نتائج هذه الدارسة ستدفع مدارس الطب الأخرى إلى تغيير متطلبات القبول لديها، فلا يزال هذا الأمر خاضعا للدراسة.

ونظرا لأن الدرجات التي يتم إحرازها في اختبار القبول بكليات الطب تستخدمها مجلة «يو إس نيوز آند وورلد ريبورت» وغيرها من المجلات والصحف في تصنيف المدارس، فإن المدارس الأكثر تنافسية يخشون إلغاء هذا الاختبار، حسبما ذكر المسؤولون عن القبول. واكتشفت دراستان على الأقل في الآونة الأخيرة أن درجات اختبار القبول بكليات الطب كانت أفضل من المعدل التراكمي في التنبؤ بالأداء في مدارس الطب وفي سلسة امتحانات الحصول على تصريح مزاولة المهنة التي يجب على الطلاب في مدارس الطب والأطباء اجتيازها.

يتقدم الطلاب في السنة الثانية من الدراسة في المدرسة الثانوية ويوافقون على التخصص في العلوم الإنسانية أو العلوم الاجتماعية، بدلا من العلوم التجريبية. وإذا تم قبولهم، فإنهم مطالبون بدراسة أساسيات علوم الأحياء والكيمياء، عند مستوى يجتازه الكثير من الطلاب في دورات تحديد المستوى المتقدم في الثانوية.

ينسى هؤلاء الطلاب أمر الكيمياء العضوية والفيزياء وحساب التفاضل والتكامل، على الرغم من أنهم يتلقون دورات مختزلة في الكيمياء العضوية والفيزياء خلال معسكر تدريب صيفي تعقده مدرسة ماونت سايناي. ويتم استثناؤهم من اختبار القبول بكليات الطب. وبدلا من ذلك، يتم قبولهم في البرنامج وفقا للدرجات التي حصلوا عليها في اختبارات القدرات الدراسية (سات) في الثانوية، واثنين من المقالات الشخصية ومدرستهم الثانوية والمقابلات مع الكلية.

واكتشفت الدراسة أنه ببعض الوسائل يصبح طلاب العلوم الإنسانية أطباء أكثر حساسية: حققوا نسبا أعلى من الضعف في احتمال عملهم كأطباء نفسيين (14% مقابل 5.6% بين زملائهم في الدراسة)، ومن المرجح بدرجة أكبر إلى حد ما أن يدخلوا مجالات الرعاية الصحية الأولية، مثل طب الأطفال وأمراض النساء والتوليد (49% مقارنة بـ39%)، على الرغم من أن النسبة كانت أقل مما توقع الدكتور كيس. وعلى العكس فإنهم يتجنبون بعض المجالات، مثل التخصصات الفرعية في الجراحة وطب التخدير.

بيد أن أكثر ما فاجأ معدي الدراسة، هو أن الطلاب الذين درسوا العلوم الإنسانية كانوا أكثر قبولا لتخصص عام للبحث العلمي بالمقارنة مع أقرانهم (28% مقارنة بـ14%). وحصلوا على درجات أقل في الخطوة الأولى من امتحان الحصول على تصريح مزاولة المهنة الطبية، الذي يتم إجراؤه بعد السنة الثانية في مدرسة الطب، ويرتبط بصورة عامة بالمعرفة العلمية. لكن عموما، يحصلون على المرتبة نفسها في الدرجات الشرفية وفي النسبة المئوية في المجموعة الأولى في الصف.

كما كان طلاب العلوم الإنسانية أكثر عرضة لاتخاذ إجازات لأسباب شخصية، وهو الأمر الذي قد يعكس بعض التناقض بشأن اختياراتهم. وفي العادة، يترك الدراسة من 5 إلى 10% من المجموعة قبل دخول مدرسة الطب. وهؤلاء الطلاب لا يستطيعون التعامل مع العلوم أو أنهم يغيرون آراءهم بشأن الرغبة في أن يكونوا أطباء، حسبما ذكر ميكي ريفكين، مدير البرنامج. وكان أحد الطلاب الذين تركوا البرنامج هو جوناثان سافران فوير، الذي أصبح روائيا مشهورا.

وأسس الدكتور كيس برنامج ماونت سايناي بعد فترة قصيرة من طرح تقرير وطني حول إعداد الأطباء تساؤلات حول التركيز أحادي الهدف على العلوم التجريبية.

بدأ الدكتور كيس مع عدد قليل من الطلاب من خمس كليات وجامعات لا يوجد بها مدارس طبية، وذلك «لأننا لا نريد انتهاك حرمة أي مكان»، وهذه الكليات والجامعات هي أمهيرست، وبرانديز، وبرينستون، وويسليان، وويليامز.

وكان البرنامج يسير بأقصى سرعته خلال السنوات الـ10 الماضية، وتلقى ما يقرب من 300 طلب العام الماضي من أكثر من 80 كلية في جميع أنحاء البلاد، على الرقم من أن أقسام القبول تفضل بصورة كبيرة مدارس النخبة.

ومن بين الطلاب الذين جرى قبولهم عام 2009، كان متوسط الدرجات في اختبارات الرياضيات والتحدث في اختبار القدرات الدراسية (سات) هو 1444، وكان متوسط المعدل التراكمي للطلاب الجدد هو 3.74. وكان نحو ثلث طلاب الدفعة لهم واحد من الأبوين على الأقل طبيب.

وتضم الدفعة الحالية آدلر (21 عاما)، الطالبة في السنة النهائية بجامعة براون وتدرس الاقتصاد السياسي العالمي والمتخصصة في الدراسات التنموية. وقالت آدلر إن والديها كانا «سعيدين عندما قررت اتخاذ طريق الطب، لأنهما كانا يشعران بالقلق من حصولي على الوظيفة».

وتخرجت إحدى الزميلات في البرنامج، هي كاثرين فريدمان (21 عاما)، من مدرسة تشابين في مدينة نيويورك قبل أن تتجه إلى جامعة ويليامز، حيث إنها في السنة النهائية من الدراسة هناك، ومتخصصة في العلوم السياسية. وكانت والدتها وعمها طبيبين في ماونت سايناي، وكان والدها، روبرت فريدمان، الذي يعمل في مجال الترفيه، أحد أعضاء مجلس إدارة مركز ماونت سايناي الطبي. وأتاح برنامج العلوم الإنسانية لها مواصلة اهتمامات أخرى، مثل لعب التنس والسفر للخارج. وعندما سمعت زميلتها في مرحلة ما قبل المدرسة الطبية عن هذا البرنامج، قالت: «الكثير منهم غيورون. يبدو الأمر وكأنهم يقولون: يا ليتني سمعت عن ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»