بيروت: الدعم السعودي يرفد النمو.. واستثمارات القطاع الخاص تتجه إلى 5 مليارات دولار

المملكة شريك اقتصادي استراتيجي دائم للبنان وخير معين أيام المحن * القصار وطربيه وأبو زكي: زيارة الملك عبد الله تعزز الثقة وتوسع آفاق العلاقات

الأسد وسليمان في قمة ثنائية في القصر الجمهوري أمس
TT

قد لا يكون الشأن الاقتصادي على رأس جدول أعمال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى لبنان، لكنه سيكون حكما في صلب النتائج المرتقبة لهذه الزيارة التاريخية في توقيتها ومفاعيلها. فالاقتصاد اللبناني الذي يلقى دعما متواصلا من الحكومة السعودية يستفيد دوما من إقبال القطاع الخاص السعودي على الاستثمار في أغلب قطاعاته المنتجة وبما يشكل أكثر من نصف إجمالي الاستثمارات العربية الوافدة إلى لبنان.

ولا تخفي القيادات اللبنانية توجسها من تصاعد الأجواء السياسية وتسببها في زعزعة عوامل الاستقرار التي لعبت المملكة دورا محوريا في إرسائها وتعزيزها. وهذا ما أتاح الفرصة لنمو اقتصادي قياسي قاربت نسبته 9 في المائة كمعدل سنوي خلال العامين الأخيرين، مدفوعا بنمو تاريخي لقطاعات المصارف والسياحة والخدمات. في وقت كانت معظم الاقتصادات الإقليمية والدولية ترزح تحت وطأة الأزمة المالية العالمية وتداعياتها.

ويتطلع الاقتصاديون اللبنانيون إلى حفظ مقومات النمو بين 7 و9 في المائة سنويا، بما في ذلك خلال العام الحالي حيث يؤمل أن تحطم الأرقام السياحية المستويات التاريخية المحققة خلال العام الماضي، بحيث يقترب عدد الزوار من 2.5 مليون سائح ويضخ هذا القطاع نحو 9 مليارات دولار تشكل نحو 25 في المائة من الناتج المحلي. لكن هذه التطلعات محكومة بحفظ الاستقرار السياسي والأمني، وهو «الأمل الكبير» الذي يؤمل أن تساهم زيارة الملك في تحقيقه ضمن الخط الذي انتهجته المملكة دوما بالوقوف إلى جانب لبنان في كل شؤونه وقضاياه.

ويرتقب أن يتم التأكيد، خلال المباحثات، على عمق العلاقات الاقتصادية القائمة بين البلدين التي تتسم بالتنوع والشمولية، يحققها القطاع الخاص في البلدين تحت مظلة علاقات سياسية مميزة. والتنويه بالدعم الكبير الذي توفره المملكة للبنان من خلال الدعم الحكومي عبر الهبات والمساعدات ومن خلال الصندوق السعودي للتنمية عبر القروض الميسرة والمنح. كذلك التنويه بحجم وتنامي الاستثمارات السعودية في لبنان والتي تتوجه نحو قطاعات عدة أبرزها العقار والمصارف والسياحة، والدور الذي تلعبه الجالية اللبنانية في المملكة في المساهمة في تنشيط وتطوير الاقتصاد السعودي.

وقد أكد رئيس الحكومة سعد الحريري أن «لبنان لن ينسى أبدا دور المملكة البناء في التوصل إلى اتفاق الطائف. وقيادة المملكة وحكومتها كانت وما زالت تعتمد سياسة الأذرع المفتوحة أمام جميع اللبنانيين تماما كما أنها اليوم تقف، كما دائما بقيادة خادم الحرمين الشريفين، إلى جانب لبنان وشعبه وقضاياه، وتسهم كما أسهمت على الدوام ماديا ومعنويا وسياسيا في إعادته إلى توازنه، بعد كل كبوة داخلية وبعد كل عدوان إسرائيلي عليه».

وشدد أمام حشد من رجال الأعمال السعوديين واللبنانيين، خلال ملتقى دوري مشترك نظمته أخيرا مجموعة «الاقتصاد والأعمال» على أن «المملكة كانت ولا تزال حريصة على استقرار لبنان الاقتصادي والمالي فكانت دائما السباقة إلى ودائع تدعم الثقة في مصرف لبنان، كما كان لها المساهمة الكبرى في مؤتمري باريس - 2 وباريس - 3، وهي وقفت دائما مع لبنان، مع كل لبنان وكل اللبنانيين من دون أي قيد أو شرط. وفي المقابل، كان لبنان وما زال يعتبر إخوانه السعوديين أهلا كلما حلوا فيه، سياحا ومستثمرين، طلاب علم أو طبابة أو استجماما».

وفي واقع الأمر، فإن الجانب الاقتصادي لا يقل أهمية عن الجوانب السياسية والاجتماعية والإنسانية في العلاقات التاريخية بين لبنان والسعودية. فالمملكة شريك اقتصادي استراتيجي للبنان، حيث إن الاستثمارات السعودية تمثل ما يزيد على 40 في المائة من الاستثمارات العربية الخاصة في لبنان. وتقدر حاليا، وفق مجلس الغرف السعودية، بنحو 16 مليار ريال (4.2 مليار دولار) يستقطب الاستثمار العقاري الشريحة الأكبر منها. ويؤمل أن ترتفع إلى نحو 20 مليار ريال عام 2011. وفق توقعات رئيس مجلس الأعمال السعودي اللبناني عبد المحسن الحكير. فيما يبلغ حجم الاستثمارات اللبنانية في المملكة نحو ملياري دولار. وهناك نحو 600 مشروع مشترك معظمها في مجال الخدمات، تمثل نحو 3.1 في المائة من إجمالي الاستثمارات العربية وفق اتحاد الغرف اللبنانية. وتستضيف المملكة على أرضها أكثر من 150 ألف لبناني أسهموا في حركة البناء والتشييد التي شهدتها على مدار السنوات الماضية، كما يأتي السائح السعودي في المقدمة بين الزائرين للبنان بمعدل يصل إلى 120 ألف سائح سنويا.

ويؤكد وزير الدولة، رئيس اتحاد الغرف العربية عدنان القصار أن «زيارة جلالة الملك تلقى كل الترحيب من كل اللبنانيين. وينتظرون منها كل الخير الذي تعودوه من المملكة وقيادتها باستمرار، لا سيما لجهة الدور الفاعل في تعزيز الاستقرار ضمن المظلة العربية. فالمملكة تقدم، بلا حدود، إلى لبنان الدعم السياسي لتثبيت الوفاق والاستقرار. كما منحت هبات مالية ومساعدات إنسانية وتعليمية في مراحل متتالية، خصوصا في أيام المحن. ولبنان لا ينسى أبدا وقفة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والشعب السعودي الشقيق إلى جانبه دائما في كل الأوقات بقوة وصدق عز نظيرهما».

ويصف لـ«الشرق الأوسط» العلاقات الاقتصادية بين البلدين بأنها «ممتازة وذات آفاق مفتوحة. وهي جزء من منظومة متكاملة، بالصفة ذاتها، تشمل كل المجالات. ونتطلع معا إلى مزيد من التعاون وتطوير الاتفاقات المشتركة وعمليات التبادل التجاري والاستثماري، خصوصا أن البلدين تربطهما أواصر الأخوة والصداقة والمصالح المتبادلة. وهذا ما يسهم في تصاعد وتيرة إقامة المشاريع الخاصة المشتركة بين الجانبين ولا سيما في قطاعات الإنتاج والخدمات. وهناك حاليا أكثر من 600 مشروع سعودي لبناني مشترك معظمها في مجال الخدمات وأكثر من ثلثها مشاريع صناعية مرموقة».

ويلفت إلى «عامل الثقة الكبيرة التي استطاعت كل من السعودية ولبنان تكريسها على الساحة الاقتصادية الدولية في ظل النتائج والتداعيات التي أفرزتها الأزمة العالمية التي هزت أركان اقتصاد معظم دول العالم، إذ تشكل حافزا قويا لإضافة مداميك جديدة إلى بنية التعاون القائمة بين رجال الأعمال والمؤسسات، بحيث يتمدد إلى أسواق خارجية في المنطقة وخارجها».

ويضيف «لقد أثبت كل من السعودية ولبنان مناعة كبيرة تجاه العواصف المتداعية، كما أن الإنجازات التي تحققت فيهما خلال الفترة الماضية في المجالات الاستثمارية والاقتصادية، وكذلك على مستوى الحضور الدولي، شكلت جميعها عناصر ثقة إضافية في الاستقرار والنمو والتنمية، واستحقت تقدير وإعجاب الأوساط الاقتصادية الدولية. ونحن بدورنا نعتز بالمكانة الدولية العالية التي وصلت إليها المملكة واستطاعت أن تتبوأ اليوم مركزا مرموقا في قيادة النظام الاقتصادي الدولي ضمن (مجموعة العشرين)، وتساهم بدور رئيسي في تصحيح الخلل وفي تحفيز الاقتصاد العالمي».

وهذا التوجه أشار إليه وزير التجارة والصناعة السعودي عبد الله أحمد زينل في مداخلته أمام الملتقى الاقتصادي المشترك الذي استضافته بيروت قبل أشهر، حيث قال: «اتخذت المملكة الكثير من التدابير لتعزيز الاستقرار الاقتصادي فيها، وهذا ما جعلها تواجه الأزمة المالية من موقع قوة عززت قدرة اقتصادها على الصمود في مواجهة الصدمات. وصاحب ذلك تطور إيجابي واضح في كل المؤشرات الاقتصادية والمالية، ما ساهم في تحسن أداء الاقتصاد الوطني، وعزز استمرار التحسن في المناخ الاستثماري وبيئة الأعمال، كما ساهم في زيادة حجم الاستثمارات الخاصة وتنافسية الاقتصاد السعودي والدفع بقوة نحو اقتصاد المعرفة، مستفيدين مما تحققه التقنية والتواصل وتبادل المعرفة عن بعد».

ويعتبر رئيس جمعية مصارف لبنان الدكتور جوزيف طربيه «أن تاريخ العلاقات بين السعودية ولبنان وعمقها وتطورها المتواصل نحو آفاق أوسع وأشمل إنما يشكل نموذجا يحتذى لما نطمح إليه جميعا في الإطار العربي العام. ففي مراحل السلم والاستقرار، التي غالبا ما تكون القيادة السياسية في المملكة راعية لها أو صاحبة دور مفصلي في إرسائها وتعزيزها، ترتقي السعودية – حكومة وقطاعا خاصا – إلى مرتبة الشركاء الأول للبنان اقتصاديا واستثماريا وسياحيا. وفي المراحل الصعبة تضيف إلى موقعها صفات المساند والمتضامن والداعم. وهذا ما ظهر جليا في محطات مفصلية ليس آخرها الدعم المالي الفوري في أوج حرب يوليو (تموز) 2006 ومرحلة إعادة البناء والإعمار، وقبلها وبعدها في مؤتمرات باريس1 و2 و3. فضلا عن دعم احتياطي البنك المركزي عبر ودائع مباشرة».

يضيف في حديث خاص مع «الشرق الأوسط» : «ما ينطبق على البعد الحكومي في العلاقات بين البلدين، يتمدد بصورة مماثلة وربما أكثر دينامية على العلاقات بين رجال الأعمال والمؤسسات والشركات. فمن المعروف أن لبنان، كان ولا يزال، أحد أهم المقاصد لقطاعات الأعمال السعودية، وبالمقابل فإن قطاعات الأعمال اللبنانية تولت، ولا تزال، دورا رياديا في إنشاء البنى التحتية وفي نهضة اقتصاد المملكة عبر شراكات تاريخية تلقى كل الثقة والأصداء الإيجابية. ونادرا ما تجد رجال أعمال أو شركات في البلدين لا يرتبطون بعلاقة ما. ولا أبالغ إذ قلت إن أغلب رجال الأعمال السعوديين يعرفون عن لبنان وشؤونه قدر معرفة اللبنانيين بوطنهم».

ويقول الرئيس التنفيذي لمجموعة «الاقتصاد والأعمال» رؤوف أبو زكي لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن زيارة الملك عبد الله تشكل علامة فارقة واستثنائية، وتستجيب لآمال اللبنانيين الذين عاينوا واختبروا، بأجيالهم المتتالية، التاريخ الطويل من العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الوثيقة والمميزة بين المملكة ولبنان. فالمملكة كانت ولم تزل الشقيق الأكبر للبنان تقف معه في وجه جميع المصاعب والشدائد وتحميه بكل ما تستطيع من العواصف الإقليمية المتتابعة. والمملكة كانت ولم تزل الحاضن الرئيسي للاقتصاد اللبناني وعاملا أساسيا في مساعدته على تخطي الأزمات، كل ذلك في ظل تقارب قديم العهد مع جميع فئات المجتمع اللبناني».

ويوضح «أن العلاقات الاقتصادية بين المملكة ولبنان أضحت متكاملة إلى حد بعيد وذات منافع واضحة للطرفين، وهي تشمل المساعدات والدعم الاقتصادي والتدفقات الاستثمارية المتبادلة والسياحة المستدامة والعلاقات والاتفاقيات التجارية والدور النشط للجالية اللبنانية العاملة في المملكة.

فمن حيث المساعدات والدعم الاقتصادي كانت المملكة خير عون للاقتصاد اللبناني في مواجهة تداعيات الحروب الطويلة التي عصفت به. وآخرها خلال وفي أعقاب الحرب الإسرائيلية عليه في صيف 2006. فقد كانت المملكة من خلال الحكومة مباشرة أو من خلال الصندوق السعودي للتنمية المساهم الأكبر في المنح والقروض الميسرة التي احتاجها لبنان لإعادة الإعمار بعد نهاية الحرب في أوائل التسعينات. واستمر هذا الدعم الذي تقرر للبنان من خلال المؤتمرات الدولية (باريس1 و2 و3) حيث كانت المملكة في مقدمة الدول المانحة. وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي في صيف لبنان 2006 قدمت المملكة هبة بقيمة 500 مليون دولار للمساهمة في إعادة الإعمار كما حولت وديعة بقيمة مليار دولار في مصرف لبنان بهدف تعزيز احتياطه الخارجي وتمكينه من مواجهة أي تطورات نقدية سلبية».

وفي مجال الاستثمارات المتبادلة فإن الاستثمارات السعودية المباشرة في لبنان تقدر بنحو ملياري دولار خلال السنوات 1985 – 2006، علما أن هذه الاستثمارات تزايدت بشكل مطرد منذ منتصف عقد سبعينات القرن الماضي وهي راوحت ما بين 22 إلى 30 في المائة سنويا منذ عام 2005 من إجمالي الاستثمارات الخارجية في لبنان التي بلغت 3.6 مليار دولار في 2009 بحسب المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وتتوزع الاستثمارات السعودية في لبنان على الكثير من القطاعات والأنشطة الاقتصادية وخاصة العقار والمصارف والمشاريع السياحية والعقارية والصناعة والمشاريع المشتركة. وفي المقابل فإن هناك حاليا نحو 500 شركة لبنانية عاملة في المملكة، خاصة في مجالات المقاولة والخدمات والمؤسسات الصناعية والسياحية.

وعلى صعيد التجارة فقد كانت السعودية ولم تزل إحدى أهم الأسواق للصادرات اللبنانية على الرغم من أن حصتها من هذه الصادرات انخفضت من نحو 28 في المائة في أوائل التسعينات الماضية إلى 10 في المائة في 2009 مع تنوع الصادرات اللبنانية وأسواقها. وهناك 10 اتفاقيات تجارية ثنائية عقدت بين لبنان والمملكة منذ عام 1975 وحتى 2007 استتبعت مؤخرا بتوقيع الطرفين على اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية.

ومع التطور المستمر للإنتاج الصناعي في المملكة والمنتجات الصناعية والزراعية المتخصصة في لبنان فإن التبادل التجاري سيبقى عنصرا هاما في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.