خادم الحرمين الشريفين: الغلو في الدين والتطرف والإرهاب أخطر الآفات التي تسللت لبعض المجتمعات الإسلامية

دعا في كلمة ألقاها نيابة عنه النائب الثاني العلماء لبذل الجهد المطلوب لتحقيق آمال المسلمين في إصلاح شأنهم

الأمير نايف لدى افتتاحه مؤتمر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة أمس (واس)
TT

دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز علماء المسلمين لبذل الجهد المطلوب لتحقيق آمال المسلمين في إصلاح شأنهم، ووحدة صفهم واستعادة عزتهم، واعتبر الملك عبد الله أن من أخطر الآفات التي تسللت إلى بعض المجتمعات الإسلامية الغلو في الدين والتطرف والإرهاب.

وقال خادم الحرمين الشريفين، في كلمة ألقاها نيابة عنه الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، خلال افتتاح مؤتمر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، أمس، بمناسبة مرور خمسين عاما على إنشائها، «لقد وضعت المملكة منذ قيامها وحدة المسلمين في أولويات اهتماماتها، حيث أطلق مؤسسها والدنا الملك عبد العزيز رحمه الله كلمته المشهودة: (أنا مسلم، وأحب جمع الكلمة وتوحيد الصف، وليس هناك ما هو أحب إلي من تحقيق الوحدة)». وقال الأمير نايف بن عبد العزيز لدى افتتاحه المؤتمر في مكة المكرمة أمس: «لقد شرفني سيدي خادم الحرمين الشريفين نيابة عنه بافتتاح مؤتمر رابطة العالم الإسلامي الواقع واستشراف المستقبل، فباسمه (حفظه الله) أرحب بكم جميعا وقد أذن لي وشرفني سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بإلقاء كلمته الموجهة لكم.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فأرحب بكم وأنتم تجتمعون بجوار بيت الله الحرام في أم القرى، مهبط الوحي ومنطلق رسالة الإسلام، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم في هذا اللقاء الإسلامي الكبير الذي دعت إليه رابطة العالم الإسلامي للنظر في واقعها، والتشاور حول برامجها، واستشراف مستقبلها، وذلك بعد مرور خمسين سنة على إنشائها وانطلاقها من هذا البلد الأمين في أنبل مسعى، تخدم به رسالة الإسلام، وتنشر مبادئه العظيمة، وتتابع شؤون المسلمين في كل مكان.

ولقد سرنا ما تقوم به الرابطة من أعمال أسهمت في علاج مشكلات المسلمين، وتوحيد كلمتهم، ونشر الصورة الصحيحة عن الإسلام، وتصديها للآفات التي تسللت إلى بعض المجتمعات الإسلامية، ومن أخطرها الغلو في الدين والتطرف والإرهاب، حيث قدمت في كل ذلك جهودا مشهودة ومشكورة، إلى جانب ما قدمته للإنسانية عن طريق الحوار من مبادئ ومفاهيم إسلامية، لتعزيز التفاهم والتعاون بين شعوب العالم.

أيها الإخوة:

إن المملكة العربية السعودية، التي رحبت بقيام الرابطة على أرضها، لتعتز بالنهج الإسلامي الذي تسير عليه في تطبيق الإسلام، ودعوة المسلمين إلى التضامن والتعاون والوحدة، ودعوة علمائهم لبذل الجهد المطلوب لتحقيق آمال المسلمين في إصلاح شأنهم، ووحدة صفهم واستعادة عزتهم.

لقد وضعت المملكة منذ قيامها وحدة المسلمين في أولويات اهتماماتها، حيث أطلق مؤسسها والدنا الملك عبد العزيز (رحمه الله) كلمته المشهودة: (أنا مسلم، وأحب جمع الكلمة وتوحيد الصف، وليس هناك ما هو أحب إلي من تحقيق الوحدة).

إن هذا كان منطلقه (رحمه الله) في دعوة علماء الأمة للاجتماع في مؤتمر مكة المكرمة الأول، قبل ستة وثمانين عاما، وذلك في عام 1345هـ وقد خاطب (طيب الله ثراه) العلماء بكلمات عرض فيها رؤيته في أوضاع الأمة، ولخص النهج الذي يجب أن تكون عليه فقال: (إنني أرجو من المسلمين أن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسول الله، وهذا هو ديننا، وهذا هو معتقدنا، إن التفرقة أول التدهور والانعزال، بل هي العدو الأكبر للنفوس والغاوية للبشر، والاتحاد والتضامن أساس، فيجب على المسلمين أن يحذروا التفرقة وأن يصلحوا ذات بينهم).

إن المملكة متمسكة بهذا النهج، فهي تحرص على تطبيق شرع الله، وتبذل جهودا متواصلة في خدمة دينه، وفي تحقيق تعاون المسلمين وتضامنهم، ومع هذا النهج تلتقي رابطة العالم الإسلامي بأهدافها ووسائلها وخططها وأعمالها، وحق لها بذلك أن تكون ممثلة لشعوب الأمة الإسلامية، وأن تتبوأ مكانة مرموقة بين المنظمات الدولية، جعلت هيئة الأمم المتحدة تمنحها شهادة رسول السلام».

أيها الإخوة:

إن ثقتنا بكم وبالرابطة تجعلنا نضع أمامكم، وأنتم تبحثون في قضايا الأمة، ثلاث قضايا:

الأولى: عدم فهم الإسلام على حقيقته عند البعض، مما أدى بهم إلى الجنوح والانحراف عن وسطيته. وهذا أوجد تحديات خطيرة ينبغي مواجهتها بالحكمة والمعرفة والمناصحة ونشر ثقافة الوسطية بين الناس.

الثانية: البعد عن النهج الذي اختاره الله للمسلمين، مما أضعف مقاومة الأمة للتحديات، فتجرأ عليها الأعداء وعمدوا إلى المساس بشعائرها ومقدساتها وقد كفل الله سبحانه وتعالى للمسلمين ، التمكين إذا أطاعوه: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم آمنا).

الثالثة: تفرق الأمة، وهذا تحد لا بد من مشاركة علماء الأمة في علاجه، بتآلف القلوب أولا، وبجمع الناس على الاعتصام بحبل الله ودينه (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).

إن الأمل معقود عليكم ـ أيها الإخوة ـ أن تتأملوا وأنتم تستشرفون مستقبل أعمال الرابطة وطموحاتها، مواضع الخلل في حياة المسلمين، وأن تضعوا منهاجاً إسلامياً شاملاً للإصلاح - إصلاح علاقة الناس بالله سبحانه وتعالى - وإصلاح أوضاع المسلمين، وعلاج المشكلات التي يعانون منها، والإسهام في إصلاح شأن هذا العالم وتوطيد السلام والأمن لشعوبه، فالإسلام رسالة الله إلى العالمين (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا). (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

أيها الإخوة:

أشكركم ، وأشكر رابطة العالم الإسلامي على ما تبذله من جهود إسلامية وإنسانية ، وأؤكد لكم أن المملكة ستواصل دعم الرابطة ومساندة برامجها، وأدعو الله أن يكتب لكم التوفيق والنجاح في هذا المؤتمر.

من جهته، قال الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للسعودية رئيس المجلس التأسيسي للرابطة: «إن الله تعالى جمع العالم الإسلامي في شرق الأرض وغربها تحت رابطة الإيمان وأخوة الإسلام، والمسلم أخو المسلم أيا كان موقعه وفي أي بقعة من بقاع الأرض الفسيحة».

وأوضح آل الشيخ أن تقوية الروابط الإسلامية بحاجة إلى مؤسسة وهيئة خيرة تكون حلقة وصل تجمع أعيان المسلمين وعلماءهم وذلك للتعارف والتآلف والتكاتف والتعاون ودرس القضايا والمشكلات والتحديات التي تواجهها أمة الإسلام وتوحيد جهودهم العلمية واستعراض الآراء والمسائل والنوازل التي تحتاج إلى جهد جماعي للوصول إلى رأي صائب، وقد تحقق هذا الأمل المنشود بإذن الله بإنشاء رابطة العالم الإسلامي وهي تسعى في خدمة قضايا المسلمين.

من جهته، قال الدكتور عبد الله التركي الأمين العام للرابطة إن الرابطة ومنسوبيها والمشاركين في هذه المناسبة يعتزون ويقدرون تشريف الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود افتتاح المؤتمر، مفيدا أن النائب الثاني لا يدخر جهدا في دعم الرابطة وبرامجها ومناسباتها المختلفة، وخاصة هذه المناسبة التاريخية، انطلاقا من الأسس التي قامت عليها هذه الدولة المباركة، من اتخاذ كتاب الله وسنة رسوله دستورا لها، والعمل على الدفاع عن الإسلام وقضايا الأمة بصدق وإخلاص.

ونوه التركي بالدعم الكبير والمتواصل الذي لقيته الرابطة منذ نشأتها، وما زالت تلقاه، من حكومة خادم الحرمين الشريفين، انطلاقا من الأسس التي قامت عليها هذه المملكة المباركة، في التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتطبيق الشريعة في مختلف مجالات الحياة، وحمل قادتها لهَمِّ الإسلام، وشعورهم بالمسؤولية تجاه قضايا الأمة، وانتهاجهم سياسة دولية تتسم بالحكمة والتوازن وبُعد النظر، وطدت الصلة بين المملكة وبقية العالم الإسلامي، أفرادا ودولا ومؤسسات، مما أتاح الفرصة لمشاركة الكثير من العلماء والدعاة البارزين في تأسيس الرابطة، وفي مناشطها المختلفة.