وفد أمني باكستاني يلغي زيارة إلى بريطانيا استياء من تصريحات كاميرون

ناطق باسم الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط»: زيارة الرئيس الباكستاني قائمة حتى الآن

TT

أثارت تصريحات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون التي اتهم فيها باكستان بدعم الإرهاب، غضبا واسعا في إسلام آباد، ودفعت بوكالة المخابرات الباكستانية أمس إلى إلغاء زيارة لوفد رفيع من الوكالة كانت مقررة إلى لندن، للبحث في التعاون حول مكافحة الإرهاب.

ونقلت صحيفة الـ«تايمز» البريطانية أمس عن ناطق باسم المخابرات الباكستانية، أن الزيارة التي كان ينوي رئيس المخابرات الجنرال أحمد شوجا باشا، القيام بها إلى لندن «قد ألغيت بسبب تصريحات رئيس الوزراء البريطاني ضد باكستان». وأضاف «هكذا تصريحات غير مسؤولة يمكن أن تؤثر على تعاوننا مع بريطانيا».

وكان كاميرون قد اتهم باكستان قبل يومين، خلال مؤتمر صحافي في الهند مع نظيره مانموهان سينغ، بأنها تدعم الإرهاب. وقال «لا يمكن أن نتسامح بأي شكل من الأشكال أن هذا البلد (باكستان) مسموح له بأن ينظر في اتجاهين، ويمكن أن يروج تصدير الإرهاب، إن كان إلى الهند أو إلى أفغانستان، أو إلى أي مكان آخر في العالم».

وجاءت تصريحاته قبل أيام من بدء الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري زيارة إلى لندن تستمر 3 أيام، من المفترض أن يمكث خلالها في المقر الصيفي لرئاسة الوزراء في تشيكيرز. ورفض مكتب رئاسة الوزراء والخارجية البريطانية التعليق على إلغاء وفد المخابرات الباكستانية زيارته إلى لندن، وقال ناطقان من رئاسة الوزراء والخارجية لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن التعليق على قضايا تتعلق بالمخابرات». إلا أن الناطق باسم الخارجية قال ردا على سؤال حول زيارة زرداري بالقول «لا تزال قائمة بحسب معلوماتنا».

وأبدت باكستان غضبها من تصريحات كاميرون، ووجهت إليه انتقادات شديدة في إسلام آباد. وقال مفوض باكستان لبريطانيا واجد شامل حسن، في مقال كتبه في صحيفة الـ«غارديان» أول من أمس «كنا نأمل أن يكون رئيس الوزراء البريطاني قد أخذ في الحسبان الدور الكبير الذي لعبته باكستان في الحرب على الإرهاب والتضحيات التي قدمتها منذ 11 سبتمبر (أيلول). لكن يبدو أنه يعتمد أكثر على معلومات قادمة من تسريبات مخابراتية، رغم فقدانها للمصداقية والدليل القاطع». وأضاف «كان يمكن لزيارة ثنائية هدفها جذب رؤوس الأموال أن تتم من دون الضرر بجهود السلام في المنطقة». وجاءت تصريحات كاميرون بعد تسريب وثائق سرية أميركية على الإنترنت اتهمت إسلام آباد بالسماح لأجهزة استخباراتها بتسليح وتمويل التمرد الأفغاني.

وقالت فرزانة الشيخ، باحثة من أصول باكستانية في معهد تشاتم هاوس البريطاني، لـ«الشرق الأوسط»، إن الغضب داخل إسلام آباد لم يكن من الملاحظات بقدر ما كان من المكان الذي قرر منه كاميرون الإدلاء بتصريحاته. وأضافت «لا أعتقد أن المشكلة في ما قاله، لأننا سمعنا ذلك من مسؤولين غربيين من قبل، أميركيين وبريطانيين، لكن الغضب أنه اختار الإدلاء بتصريحاته هذه من الهند». وتعتبر باكستان والهند دولتين نوويتين جارتين لكنهما في صراع دائم.

وقد تدهورت العلاقات بينهما بشكل كبير بعد اتهام الهند لباكستان بتصدير الإرهابيين الذين نفذوا اعتداءات مومباي الدامية التي نفذت في عام 2008 وحصدت أكثر من 155 قتيلا.

وتعاني بريطانيا نفسها من مشكلة تنامي الإرهاب الداخلي بين جماعات من أصول باكستانية. وكانت حكومة حزب العمال السابقة قد ربطت التهديد الإرهابي في بريطاني بشكل مباشر بباكستان، وقال رئيس الوزراء السابق غوردن براون إن 75 في المائة من الخطط الإرهابية التي يعد لها في بريطانيا، لها صلة بباكستان. وتعتمد بريطانيا على تعاونها مع المخابرات الباكستانية لمحاربة الإرهاب القادم منها، وكذلك الإرهاب المتنامي داخل البلاد. كما أن هناك تعاونا وثيقا بينهما لإرساء الاستقرار في أفغانستان.

وقالت الشيخ تعليقا على تأثير تصريحات كاميرون على هذا التعاون «أعتقد أن القلق الرئيسي سيكون التعاون الدائم في المخابرات بين البلدين، فقد عملا عن قرب في الماضي.. وهذا التعاون قد يكون تضرر بسبب ملاحظات كاميرون».

ولم يتراجع كاميرون عن تصريحاته هذه رغم أنه أتيحت أمامه الفرصة ليفعل ذلك، بل شدد على تمسكه بما قال، وكرر في أكثر من لقاء صحافي قوله إن دعم باكستان للإرهاب «غير مقبول». وعلقت الباحثة في معهد «تشاتم هاوس» على ذلك بالقول «لا أعتقد أن كاميرون يريد أن يصلح ما قال، فقد قال ملاحظاته عن سابق نية، وقد أعطي عدة فرصة لتصحيح موقفه، ولم يفعل». وأضافت «أبعد ما ذهب إليه هو التلميح أنه لا يتحدث عن كامل الطبقة السياسية في باكستان، لكنه بقي مصرا على أن هناك قطاعات في الجيش والاستخبارات الباكستانية تساعد طالبان بشكل فعال، وأن هذا يجب أن يتوقف».

وفي ظل هذا التوتر المتصاعد بين البلدين، من المتوقع أن يصل الرئيس الباكستاني إلى لندن الأسبوع المقبل في زيارة تستمر 3 أيام، بعد زيارته لباريس. ولم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الزيارة لا تزال قائمة، إلا أن الخارجية البريطانية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أمس أنها لا تزال قائمة حتى الآن.

ودعمت بريطانيا زرداري للبقاء في منصبه بعد أن تزايدت المطالبة بتنحيته من قبل المعارضة العام الماضي. وواجه زرداري، وهو زوج زعيمة حزب الشعب التي اغتيلت بي نظير بوتو، معارضة شرسة من قبل الجيش وأحزاب المعارضة الباكستانية، ومطالبات متكررة له بالاستقالة. إلا أن الأوضاع هدأت بعد تدخل أميركي - بريطاني لدعم عملية التصالح الداخلي التي أدت بزرداري إلى التنازل للمعارضة عن بعض صلاحياته مقابل حفاظه على منصبه.

وقالت الشيخ تعليقا على زيارة زرداري المتوقعة للندن وتأثير تصريحات كاميرون على الزيارة «سيكون عليه أن يلتف على الموضوع بحرص شديد، فهو في وضع دقيق. زرداري ينظر إليه على أنه يحافظ على منصبه بسبب دعم بريطانيا. لذلك هو في وضع حرج لأنه يدين بمنصبه لدعم بريطانيا». وأضافت «لكن عليه أيضا في الوقت نفسه أن يرضي الجيش الباكستاني الغاضب من تصريحات كاميرون. وقرار إلغاء زيارة قوى المخابرات الباكستانية دليل على أن الجيش مستعد لأخذ قرارات متفردة بمعزل عن القيادة السياسية».