شبيهة الناشطة الإيرانية ندا سلطاني: تلقيت تهديدات لأدعي أنها على قيد الحياة

زهرة هربت من مطاردة السلطات باللجوء إلى ألمانيا

زهرة سلطاني في شقتها قرب فرانكفورت (نيويورك تايمز)
TT

لن تنسى زهرة سلطاني، التي يناديها الجميع باسم «ندا»، اليوم الذي رأت فيه خبر موتها على شاشات التلفاز ومعه صورة كانت تضعها على صفحتها على موقع «فيس بوك». وقالت وهي تهز رأسها: «قالوا إني قتلت خلال مظاهرات احتجاجية ضد الانتخابات الرئاسية».

وفي الواقع، كانت تلك امرأة أخرى لها نفس الشكل تدعى ندا أغا سلطاني، وماتت بطلقات الرصاص خلال مظاهرة في طهران في يونيو (حزيران) 2009. وتم تصوير موتها ونُشر المقطع على شبكة الإنترنت ليصبح رمزا على تحدي حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد القمعية. وتقول سلطاني إنها سرعان ما وجدت نفسها تطاردها الحكومة من أجل مواجهة أي إشارة إلى أن قواتها الأمنية كانت متورطة في إطلاق النار - ولإنكار أن المرأة الموجودة في الشريط المصور قد ماتت. وتقول سلطاني إن مسؤولين في الاستخبارات الإيرانية ضغطوا عليها للظهور علنا لإظهار أنها لا تزال على قيد الحياة ولإدانة التصوير ووصفه بأنه زائف، ووجهوا إليها تهديدات عندما لم تستجب لذلك.

قبل المظاهرة، كانت سلطاني (33 عاما)، مدرسة الأدب الإنجليزي في جامعة أزادي الإسلامية التي لم تكن ناشطة سياسيا، تستعد لعرض تقدمه خلال مؤتمر باليونان. وبعد أيام فقط من المسيرة الاحتجاجية، هربت من إيران وانتهى الأمر بها كلاجئة داخل ألمانيا، حيث مُنحت اللجوء السياسي في مارس (آذار) بعد تحقق السلطات من حكايتها. وتقول سلطاني: «لم أخطط يوما إلى ترك بلدي وعائلتي، ولكني أجبرت على ذلك». ووافقت على إجراء مقابلة معها، وهي الأولى مع مؤسسة إعلامية ناطقة باللغة الإنجليزية، شريطة إخفاء بعض التفاصيل عن حياتها الجديدة بسبب خشيتها من الهيئات الأمنية الإيرانية. وقد بدأ التغير في حياة سلطاني في 20 يونيو 2009 عندما ظهر مقطع فيديو على موقع «يوتيوب» يظهر شابة أُطلق عليها الرصاص خلال المظاهرة. وبينما كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، وكان الدم يسيل من فمها، صرخ شخص أكبر باسم «ندا» (تفيد بعض التقارير بأنه كان والدها، وتقول تقارير أخرى إنه كان مدرسها في مادة الموسيقى).

وحاول الصحافيون في مختلف أنحاء العالم معرفة المرأة التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، فلم تكن صورة المرأة في المقطع واضحة بالكامل وكانت ترتدي حجابا. وقيل إنها ندا أغا سلطان أو ندا سلطان، وهي طالبة تبلغ من العمر 26 عاما في جامعة أزادي الإسلامية داخل طهران في الكلية التي تتبعها سلطاني. ودخل شخص ما على ملف سلطاني على «فيس بوك» الذي يحمل اسم ندا سلطاني وطبع صورتها، التي سرعان ما ظهرت في مختلف أنحاء العالم داخل الصحف وعلى برامج الأخبار التلفزيونية وعلى مواقع الإنترنت. «شعرت بالدهشة الشديدة، وعندما فتحت حساب البريد الإلكتروني الخاص بي في 21 يونيو ووجدت أن أكثر من 60 شخصا من مختلف أنحاء العالم قد أضافوني على فيس بوك» كأصدقاء، هكذا قالت سلطاني. وأخذ هذا الرقم يزداد مما أثار حيرة سلطاني وأمها حتى رأيا صورتها على التلفاز كضحية للقوات الأمنية الإيرانية. وتقول إنها وأصدقاءها بدءوا في الاتصال بالمنابر الإعلامية لإخبارها بأنها ليست المرأة التي تظهر على مقطع الفيديو على «يوتيوب». وعندما نشرت عائلة المرأة القتيلة صورا لها في 23 يونيو، كانت صور سلطاني لا تزال مستخدمة في التقارير الإخبارية وعلى المواقع الإلكترونية. وفي 24 يونيو، بدأت الاستخبارات الإيرانية تبحث عنها، حسبما قالت سلطاني. وقامت بالاتصال بمنظمة العفو الدولية داخل لندن بسبب شعورها بالرعب. وتقول آن هاريسون، باحثة متخصصة في الشؤون الإيرانية لدى منظمة العفو الدولية: «كانت تشعر بالخوف الشديد والرعب ولم تكن تعرف ما يجب عليها القيام به، فقد كانت غير مهتمة بالسياسة وتعيش حياة هادئة». وبعد ذلك نشرت المنظمة، التي تثق في رواية سلطاني، تقريرا عن قمع معارضة داخل إيران، وفي قسم عن قضية ندا أغا سلطان، ذكرت حقيقة أن الصور استخدمت خطأ. ونشر تقرير عن هذا اللبس أيضا على مدونة تابعة لهيئة الإذاعة البريطانية. وأضافت سلطاني أن عملاء الاستخبارات ألقوا القبض عليها في منزلها خارج طهران واقتادوها للتحقيق. وقالت: «طلبوا مني الاعتراف أمام الكاميرات بأنني ما زلت حية وأن السفارة اليونانية في طهران هي التي سربت الصورة إلى وسائل الإعلام وأن الرواية التي تناقلتها وسائل الإعلام خاطئة». (صورتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» تطابق الصورة التي قدمتها للسفارة قبل أسابيع للحصول على تأشيرة لحضور مؤتمر علمي). وأضافت: «كانوا يرغبون في استغلالي لنفي وفاة ندا. وأرادوا أن يجذبوا الانتباه إلي ليظهروا للعالم أن ما تناقلته الصحف كان كذبا. كما طلبوا مني أن ألقي اللوم على المتآمرين من الغرب على هذه الأحداث». وأشارت سلطاني إلى أن بعض الرجال، الذين كانوا يحملون الأسلحة هددوها، وقالت: «قالوا لي إن الأفضل لسلامتك أن تنفذي ما طلب منك». وأوضحت سلطاني أنهم أعادوا اعتقالها مرة أخرى بعد بضعة أيام لممارسة المزيد من الضغوط. وتشير هاريسون من منظمة العفو الدولية أن رواية سلطاني لجلسات التحقيق تأتي متسقة مع الروايات الأخرى التي تلقتها. وقالت: «اعتادت السلطات الإيرانية على إجبار الأفراد على الإدلاء باعترافات أو بيانات أحيانا ما تعرض على شاشة التلفزيون الرسمي وأحيانا ما تحفظ كوسيلة للضغط على الأفراد». في النهاية، واجهت الاستخبارات الإيرانية سلطاني في الأول من يوليو (تموز) بالمكالمات الهاتفية التي أجرتها مع دول غربية (وسائل إعلام وأصدقاء طلبت منهم المساعدة ومنظمة العفو الدولية) واتهموها بالتجسس. في صبيحة اليوم التالي فرت سلطاني من إيران. وقالت: «كان كل ما بحوزتي حقيبة ظهر، وحاسبي المحمول وحقيبة يد صغيرة». أقامت سلطاني في تركيا لبضعة أيام لتنتقل بعدها إلى اليونان ومنها إلى ألمانيا التي وصلتها في منتصف يوليو 2009.

ونفى المتحدث باسم السفارة الإيرانية في ألمانيا رواية سلطاني، لكنه رفض التعليق بصورة أكثر تفصيلا. من جانبه أكد المتحدث باسم المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين، إنريكو مانثي، أن الحكومة الألمانية مقتنعة برواية سلطاني. وقال مانثي: «لو لم نكن صدقنا ما روته لنا لما منحناها حق اللجوء السياسي. ونحن لدينا مصادرنا للتحقق مما إذا كانت روايتها صحيحة أم لا». سلطاني التي تعيش في مدينة صغيرة خارج فرانكفورت لا تزال تبحث عن عمل. وقالت إنها تفتقد عائلتها وعملها كمدرسة. وقالت: «أشعر بحنين جارف إلى الوطن فقد كنت أعيش حياة كريمة إلى أن بدأ الكابوس».

* خدمة «نيويورك تايمز»