طالبان تدرس الوثائق السرية للبحث عن أسماء الجواسيس الأفغان

«حرب» البنتاغون على «ويكيليكس» تتحول إلى «حرب شخصية» بين غيتس وأسانغ

TT

في الوقت نفسه الذي أعلن فيه العسكريون الأميركيون «الحرب» على «ويكيليكس»، بسبب نشرها وثائق عسكرية سرية من حرب أفغانستان، بدأت «حرب شخصية» بين روبرت غيتس، وزير الدفاع، وجوليان أسانغ، رئيس تحرير «ويكيليكس». وأيضا، قال متحدث باسم طالبان إنهم يدرسون الوثائق، باحثين عن أسماء الجواسيس الأفغان الذين تعاونوا مع العسكريين الأميركيين.

وقال الوزير الأميركي في مقابلة مع تلفزيون «إي بي سي» إن موقع «ويكيليكس» «مدان أخلاقيا»، وإن «الإدانة مزدوجة»، مؤكدا «من جهة، هي إدانة أمام القضاء، وهذا ليس من صلاحياتي. ومن جهة أخرى، إدانة على الصعيد الأخلاقي«.

وأضاف: «وهنا أظن أن الحكم هو الإدانة»، مؤكدا «لقد نشروا ذلك دون أن يعبأوا بأي عواقب».

وكان موقع «ويكيليكس»، الذي تأسس في 2006 والمتخصص في الاستخبارات، نشر في الأسبوع الماضي 92 ألف وثيقة سرية، ألقت ضوءا كاشفا على حرب أفغانستان، وخصوصا معلومات حول الضحايا المدنيين، والعلاقات بين باكستان ومقاتلي طالبان.

وأكد غيتس، الذي كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» أن «حماية مصادرنا أمر مقدس»، وأن التسريبات قد تنال من الثقة التي يضعها المخبرون في العملاء الأميركيين. واعتبر نشر تلك الوثائق، التي ورد فيها اسم بعض المخبرين، «غير مسؤول«, وقالت وكالة الصحافة الفرنسية: «إن البنتاغون، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) بدآ تحقيقا مشتركا في هذا الموضوع».

وسارع أسانغ، وقال في مقابلة لتلفزيون «سي إن إن»: «من يتحدث عن الأيدي الملطخة بالدماء؟ أراضي العراق وأفغانستان مغطاة بدماء حقيقية». وأضاف: «خلال سنوات كثيرة، أشرف وزير الدفاع الأميركي على قتل آلاف الأطفال والكبار في هذين البلدين». وقال مراقبون في واشنطن إنه حتى إذا لم يتأثر «ويكيليكس» بهجوم البنتاغون عليه، وبتحقيقات «إف بي آي»، وباحتمال وضعه في قائمة الإرهاب، فإنه سيتأثر من الناحية الإعلامية المهنية. وذلك لأن الموقع خلط بين السياسة والصحافة، وبين معارضة حرب أفغانستان، وتقديم وثائق محايدة.

وعلى الرغم من التلاسن بين الوزير، غيتس، ورئيس التحرير، أسانغ، عن «الأيدي الملطخة بالدماء»، يبدو أن أسانغ صار في موقف حرج بسبب نشر أسماء جواسيس أفغان تعاونوا مع العسكريين الأميركيين هناك. خاصة بعد أن أعلنت طالبان أنها تدرس الوثائق لتعرف أسماء الجواسيس، و«تنتقم» منهم.

في الوقت نفسه، يتناقش أميركيون مهنيون في «ويكيليكس»، وبينما قال بعضهم إنها «ظاهرة إنترنت تسمى الصحافة الجديدة، ولا تعترف بقوانين الصحافة التقليدية»، قال آخرون إن عليها أن تختار بين نشر الوثائق كعمل علمي محايد، وإعلان معارضتها للحرب.

وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»: «بالتأكيد، يبدو أن ما فعلت (ويكيليكس) انتصار لها. قضت ثلاث صحف رئيسية في ثلاثة بلاد رئيسية (نيويورك تايمز) الأميركية، و(غارديان) البريطانية، و(دير شبيغل) الألمانية ساعات وساعات تدقق في الوثائق، والتزمت بالشروط، ونشرت صفحات من الوثائق».

وأضافت الصحيفة: «قبل هذا النجاح الذي لم يسبق له مثيل، كانت (ويكيليكس) شبه مجهولة. وتعرضت، هي ورئيس تحريرها المشهور، جوليان أسانغ، إلى تجاهل، واستهزاء، وأحيانا عداء». ونقلت الصحيفة على لسان غاندي، قائد الحركة الوطنية في الهند: «يتجاهلونك، ثم يضحكون عليك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر».

وأضافت: «أخيرا، يبدو أن العاملين في حقل الإعلام صحوا وشاهدوا أن هناك منافسا من نوع جديد، وبأساليب جديدة». وأشارت إلى أن «ويكيليكس» نفسها تغيرت مؤخرا. كانت تركز على نشر الوثائق السرية، أي وثائق، في أي موضوع، وتعلق عليها، وسط ميول واضح ضد السياسة الأميركية. ثم قررت، بالنسبة لوثائق أفغانستان، أن تترك الخبز لخبازيه. أرسلت الوثائق إلى صحف عالمية كبيرة، وتركت لها حق نشر ما تريد. يعني هذا العودة إلى تقاليد صحافية عريقة، وهي التركيز على نشر الخبر، وليس على استعماله لخدمة أهداف معينة.

وقال مراقبون وصحافيون في واشنطن إن أول إعلان من «ويكيليكس» عن الوثائق كان في سياق معارضة حرب أفغانستان. بل وضعت عنوان «يوميات عسكرية في أفغانستان»، وفيه تلميح إلى معارضة الحرب. وربما لولا نشر ثلاث صحف عالمية كبيرة الوثائق، كانت ستعتبر حملة إعلامية ضد الحرب.

وظهرت ميول «ويكيليكس» السياسية في مناسبة سابقة، عندما نشرت فيديو سريا من طائرة هليكوبتر عسكرية أميركية وهي تقصف مدنيين في بغداد سنة 2007. ووضعت للفيديو عنوان «كولاترال ميردر» (قتل ملازم)، إشارة إلى فيلم أميركي عن قتلى الحرب من المدنيين: «كولاترال دامدج» (أضرار ملازمة). وكان واضحا أن الفيديو فيه تغييرات. وقالت «ويكيليكس» إن سبب ذلك هو اختصار الفيديو الطويل. لكن قال ناقدون إعلاميون إن الاختصار يؤثر على مصداقية «ويكيليكس». لكن، بالنسبة لوثائق أفغانستان، تعمدت «ويكيليكس» عدم الاختصار وعدم التعليق. ونشرت كل الوثائق، وتركت لصحف رئيسية مهنية حق التصرف في طريقة النشر.

وكتب هوارد كيرتز، مسؤول الأخبار الإعلامية في صحيفة «واشنطن بوست»: «مهنيا يجب أن يكون هناك فرق بين نشر الوثائق من دون التعليق عليها، ونشر أخبار من الوثائق والتعليق على هذه الأخبار. وأشار إلى ثلاثة أنواع من العمل الصحافي المهني؛ أولا: وثائق «طازجة». ثانيا: أخبار عنها. ثالثا: تعليقات على الأخبار.

وقال إن «ويكيليكس» ربما تحتاج إلى فترة أطول لتعرف أصول العمل الصحافي المهني. وإنها لا تقدر على أن تنتقد حرب أفغانستان، وفي الوقت نفسه تدعي أنها مصدر محايد لوثائق الحرب.

ولاحظ أن جوليان أسانغ، رئيس تحرير «ويكيليكس»، بدا متحمسا، ثم صار يحاول أن يتعقل. وأشار إلى مؤتمر صحافي في الأسبوع الماضي سئل فيه أسانغ: «هل في الوثائق ما يوضح أن قوات الناتو ارتكبت جرائم حرب؟»، وأجاب في تعقل: «نحن نشرنا الوثائق، وعلى القانونيين والمحاكم تحديد ذلك». لكنه، وهو المتحمس، أضاف: «توجد في الوثائق أدلة على ارتكاب جرائم حرب».