الهند تستخدم «فيس بوك» لملاحقة السائقين المخالفين

3 آلاف صورة وعشرات المقاطع المرئية خلال أسبوع لسائقين ينتهكون قوانين المرور

صورة من «فيس بوك» أرسلت إلى شرطة نيودلهي وفيها قائد دراجة نارية يرتكب مخالفة بتجاهله ارتداء خوذة القيادة («نيويورك تايمز»)
TT

تشتهر هذه المدينة بتشابك حركة مرور السيارات والسائقين الجامحين، أضف إلى ذلك الأفراد الذين ينتهكون القواعد بصورة عنيفة، حيث ينطلقون بسرعات فائقة عبر الإشارات الحمراء ويتجاهلون ممرات المشاة وينحرفون تجاه الممرات المخصصة للدراجات والحافلات في طريقهم للعثور على ممرات مفتوحة. يستخدم ضباط المرور المثقلين بالأعباء في هذه المدينة الآن سلاحا غير متوقع في مكافحة القيادة الخطرة، ألا وهو موقع «فيس بوك». أنشأت شرطة المرور صفحة على موقع «فيس بوك» قبل شهرين، وأصبح السكان المحليون مخبرين رقميين، حيث ينشرون صورا فوتوغرافية لغيرهم من قائدي السيارات وهم ينتهكون قوانين المرور. وبداية من يوم الأحد الماضي، أصبح أكثر من 17 ألف فرد من المعجبين بهذه الصفحة ونشروا ما يقرب من 3000 صورة وعشرات المقاطع المرئية.

وأصبح هذا السجل من الجرائم على شبكة الإنترنت أمرا مثيرا للإعجاب. يحتوي على صور توضح قائدي الدراجات البخارية وهم لا يضعون خوذات الرأس وسيارات تقف في ممرات المشاة وقائدي سيارات يستخدمون الهواتف المحمولة أثناء القيادة، وقائدي السيارات أثناء القيام بانعطافات غير قانونية وسيارات تقف في أماكن غير مخصصة للانتظار. وباستخدام هذه الصور، أصدرت شرطة المرور في دلهي 665 مخالفة، مستخدمة لوحات الأرقام التي ظهرت في الصور لتتبع مالكي السيارات، حسبما ذكر مفوض المرور ستايندرا غارغ.

وقال إنه على الرغم من بعض المخاوف بشأن الخصوصية ومدى صحة الصور، فإن رد الشرطة كان إيجابيا إلى حد كبير.

وقال غارغ إن صفحة «فيس بوك» لم تطلب من الأفراد مطلقا التقاط الصور للسائقين المخالفين. وقال: «لقد أردنا منتدى يستطيع فيه الأفراد الإعراب عن وجهات نظرهم واقتراح التغييرات».

وقال إنه مع وجود 5000 ضابط مرور فقط في هذه المدينة التي يبلغ عدد السكان بها 12 مليونا، فإن هذا الموقع يقوم بدور مهم. وأضاف: «لا تستطيع شرطة المرور الوجود في كل مكان، لكن القواعد يجري انتهاكها دوما. إذا أبلغ الأفراد عن المخالفة، فإننا نرحب بذلك. المخالفة هي المخالفة». وأقر غارغ بأنه من الممكن التلاعب في الصور لتجريم شخص ما لم ينتهك في الواقع القانون. لكن قائدو السيارات بمقدورهم الطعن ضد المخالفات إذا ما رأوا أنها صدرت بصورة خاطئة. وتنصح الشرطة السكان المحليين بألا يدعوا العداوات الشخصية تؤثر على عملية التقاط الصور، وألا يفعلوا أي شيء يعرض أمنهم للخطر، مثل معاداة الخارجين عن القانون في وقت التقاط الصور.

وأشاد بعض السكان المحليين بهذا المجهود. وقال فيجيان جين، مدير بشركة «أورانج بيزنيس سيفريسز» (27 عاما)، «إن ذلك استخدام جيد لموارد الشرطة». ونشر جين تحذيرا على هذه الصفحة على موقع «فيس بوك» يوم الجمعة الماضي بشأن إعاقة حركة المرور. وقال جين: «حتى الآونة الأخيرة، كان أي قائد سيارة يوشك على مخالفة قوانين المرور، بما في ذلك أنا شخصيا، ينظر حوله» ليرى ما إذا كان هناك ضابط بالقرب من المكان يراقبه. لكن الآن، سيكون قائدو السيارات أكثر يقظة لأنه «لم يعد ضباط المرور فقط هم من ينبغي القلق منهم».

ويقول ناقدون إن مثل هذه الوسائل من الممكن أن تمثل سابقة خطيرة، حيث إن الاعتماد على الأفراد لكشف جيرانهم على الإنترنت يسبب مشكلة اجتماعية، حسبما ذكر غوارف ميشرا، الرئيس التنفيذي لشركة «2020 سوشيال»، وهي شركة متخصصة في الاستشارات الاجتماعية مقرها في نيودلهي. وقال ميشرا: «عندما يبدأ استخدام الإنترنت كوسيلة تستطيع بها الحكومة مراقبة مواطنيها، فإنني أشعر بالقلق، لأنك لا تعلم إلى أين سينتهي ذلك». وأضاف أن شعبية هذه الصفحة تبين أن القدرة على إذلال المخطئين بصورة معلنة «تستغل جزءا أساسيا للغاية في تركيبتنا كبشر»، وهذا أمر سيئ.

وفي حين تصل هذه الصفحة إلى آلاف الأفراد، فإن الغالبية العظمى من السكان المحليين في نيودلهي لا يستطيعون الوصول إليها، حيث إنه من بين كل أربعة أفراد في المناطق الحضرية في الهند تجد أن فردا واحدا فقط لديه اتصال بالإنترنت، ويعتقد أن مستخدمي الإنترنت هم الأفراد الأكثر ثراء. وقال موقع «فيس بوك» في شهر يوليو (تموز) الماضي إن عدد المستخدمين في الهند تجاوز حد الـ12 مليون مستخدم.

وقبلت السلطات فكرة المخبرين على موقع «فيس بوك» جزئيا، وذلك نظرا لانتشار مخاطر القيادة في الهند أكثر من أي وقت مضى. ويوجد في الهند ضحايا حوادث المرور أكثر من أي بلد آخر في العالم، وازداد عدد السائقين الجدد غير المدربين بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة حيث إن الطبقة الوسطى في الهند تشهد نموا. وتعاني أنظمة الطرق والشرطة من سوء التجهيزات لمعالجة هذه الأزمة.

ولا تعد هذه المشكلة أكثر وضوحا في أي مكان آخر غير هذه المدينة التي تعاني اختناقات مرورية ويجب أن تتكيف مع أربعة ملايين فرد إضافيين فوق عدد سكانها. ومن بداية العام الحالي حتى 15 يوليو، أوقفت الشرطة 247973 سائقا خالفوا إشارات المرور في هذه المدينة. وفي بداية عام 2010، كان هناك 6.5 مليون سيارة مسجلة في المدينة، ويقدر خبراء الطرق هنا أنه يتم تسجيل نحو 1000 سيارة كل يوم.

ويوجد لدى شرطة المرور في دلهي الآن فريق مخصص من أربعة ضباط يراقب الصفحة على موقع «فيس بوك» على مدار الساعة. وبالإضافة إلى فحص المخالفات المحتملة، يقوم هؤلاء الضباط بنشر معلومات حول الطرق المغلقة والاختناقات المرورية، ويستجيبون لنصائح حول التكدسات المرورية ويجيبون على الأسئلة. ويتم إعطاء نحو 50 من بطاقات المخالفات التي يتم إصدارها وفقا للصور المنشورة على الموقع لضباط مرور ينتهكون قواعد المرور، حسبما ذكر غارغ.

وتلعب خدمات الشبكات الاجتماعية دورا متناميا في قضايا المحاكم وتطبيق القانون، لكن استخدام شرطة المرور في دلهي لموقع «فيس بوك» بدا أنه أمر فريد.تمتلك عشرات إدارات الشرطة في الولايات المتحدة صفحات على موقع «فيس بوك»، التي يجري استخدامها في الغالب لإعلام المواطنين بتعديلات القوانين وتحذيرهم من المخاطر واجتذاب المشاركين في جمع التبرعات. وتستخدم بعض الإدارات «فيس بوك» للتواصل مع السكان المحليين وإظهار الجانب الإنساني في هذه القوة. وعلى سبيل المثال، لدى إدارة الشرطة في هيوستن أكثر من 16600 تابع. وفي مناسبات نادرة، تطلب إدارات الشرطة الأميركية من مستخدمي «فيس بوك» الاشتراك في تطبيق القانون. فعلى سبيل المثال، نشرت شرطة بيكر، بولاية لويزيانا صورة على موقع «فيس بوك» لشاحنة تم استخدامها في عملية سرقة، وطالبت بمعلومات حولها. ولم يكن واضحا ما إذا كان هذا التعليق قاد إلى أي معلومات جديدة أم لا، لكن أحد المستخدمين نشر تعليقا مفاده أن الشاحنة تشبه واحدة يمتلكها شقيق لأحد أصدقائه. وفي نيودلهي، يقر غارغ بأنه توجد تعقيدات تواجه إصدار المخالفات القائمة على التعليقات المنشورة على موقع «فيس بوك». وقد يستخدم بعض الأفراد هذا الموقع لتسوية حسابات مع أفراد آخرين، على سبيل المثال. لكنه قال إن الاستجابة إيجابية حتى الآن، وإنه لا يريد إثناء أي أحد عن نشر الصور. وقال غارغ إنه أيضا لديه بعض النصائح العملية للراغبين في أن يكونوا مثل ضباط شرطة في دلهي، حيث قال: «أنصحكم بألا تلتقطوا صورا لأي أحد يخالف قوانين المرور وأنتم تقودون سياراتكم، لأن استخدام كاميرا الهاتف الجوال أثناء قيادة السيارة يعد في حد ذاته مخالفة».

* خدمة «نيويورك تايمز»