باكستان المشتعلة والغارقة تطالب رئيسها بقطع زيارته الأوروبية

زرداري: التحالف الدولي يخسر الحرب ضد طالبان * كاميرون «غير آسف» على تصريحاته ضد إسلام آباد

مشردو الفيضانات يلجأون إلى سكة القطار في منطقة نوشيرا الباكستانية أمس (أ.ف.ب)
TT

تلقي كوارث طبيعية وأعمال عنف سياسية بظلالها على الزيارة الرسمية التي يقوم بها الرئيس الباكستاني آصف على زرداري إلى دول أوروبية، بينها فرنسا وبريطانيا. وتزداد أصوات داخل باكستان تدعو الرئيس لإلغاء الزيارة، خصوصا مع تكشف حجم الدمار الذي تسببت فيه الفيضانات في المنطقة الشمالية الغربية داخل البلاد.

وتزامن هذا مع فشل الحكومة الفوري في الحد من أعمال عنف عرقية سياسية جديدة شهدتها كراتشي، كبرى المدن الباكستانية. فقد قتل أكثر من 46 شخصا في أعمال عنف نتجت بمقدار كبير بسبب توتر بين أحزاب سياسية عرقية متنافسة كلها في تحالف مع حزب الشعب الباكستاني الحاكم.

وتطالب قيادات المعارضة السياسية من الرئيس زرداري بإلغاء زيارته والإسراع بالعودة إلى الوطن للتعامل مع أسوأ فيضانات خلال أكثر من قرن. وتشير التقارير إلى أن الفيضانات تسببت في مقتل أكثر من 1500 شخص وتشرد أكثر من 3 ملايين منكوب. ومما يزيد الأمور سوءا بالنسبة إلى الرئيس زرداري التوتر في العلاقات بين باكستان وبريطانيا، بسبب تصريح أدلى به رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أخيرا في الهند، وانتقد فيه باكستان لإقامتها علاقات مع حركة طالبان الأفغانية.

ومثل حادث تحطم طائرة ركاب خلف 152 قتيلا في الآونة الأخيرة قرب إسلام آباد، سببا إضافيا مكن الخصوم السياسيين للحكومة الباكستانية من المطالبة بإلغاء زيارة زرداري إلى أوروبا. وقال رئيس الوزراء السابق نواز شريف لوسائل الإعلام في لاهور: «هذا أسوأ توقيت لزيارة أي دولة أجنبية. أعتقد بشدة أنه لا يتعين على الرئيس زرداري أن يزور المملكة المتحدة وفرنسا في هذا التوقيت». كذلك، قال طلعت حسين، وهو مقدم لأحد أكثر البرامج الحوارية التلفزيونية شعبية: «لقد غمرت الفيضانات ثلاثة أرباع الدولة والرئيس الباكستاني في زيارة سعيدة إلى أوروبا».

وقد جعلت القنوات الإخبارية المستقلة والخاصة في باكستان الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للرئيس زرداري. وتطرقت غالبية القنوات الإخبارية إلى تزامن زيارة زرداري الأوروبية، مع الأزمات الأخيرة في البلاد. وقام تلفزيون «جي إي أو» الليلة قبل الماضية بعرض برنامج خاصة عن تعرض باكستان إلى العديد من الأزمات المتزامنة وتساءل البرنامج عن السبب الذي دفع الرئيس الباكستاني إلى القيام بزيارة إلى عواصم أوروبية في هذا المنعطف الهام. وخلال البرنامج الذي استمر لساعة، استمرت قناة «جي إي أو» التلفزيونية في عرض صور للرئيس الباكستاني وهو يبتسم مصافحا نظيره الفرنسي في مقابل صور الضحايا يبكون ويصرخون بسبب الفيضانات الشديدة.

ومن جانبه، حرص زرداري خلال وجوده في فرنسا على الرد على تصريحات كاميرون الأخيرة بشأن الدعم الباكستاني للإرهاب، من خلال قوله إن التحالف الدولي يسير نحو خسارة الحرب ضد طالبان في أفغانستان. وقال زرداري لصحيفة «لوموند» الفرنسية إن «الحرب على الإرهاب يجب أن توحدنا لا أن تضعنا في مواجهة بعضنا البعض». وأضاف في التصريحات التي جاءت عقب لقائه قادة فرنسيين قبيل زيارته إلى بريطانيا التي سيقابل خلالها كاميرون يوم الجمعة المقبل: «سأشرح وجها لوجه أن بلدي هي التي تدفع أغلى الأثمان من الأرواح البشرية من أجل هذه الحرب». إلا أن كاميرون أكد أمس أنه غير آسف لتصريحاته وقال إنه «أعطى جوابا واضحا وصريحا جدا» على سؤال وجهته له إذاعة «بي بي سي» أثناء زيارته الهند، وقال «أنا غير آسف على الإطلاق».

وأكد زرادري على أن بلاده ملتزمة بقتال المسلحين في المنطقة بما فيها أفغانستان حيث تشن قوات طالبان تمردا عنيفا منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لذلك البلد للإطاحة بنظام طالبان من السلطة. وقال زرداري للصحيفة إن «المجتمع الدولي الذي تنتمي إليه باكستان يخسر الحرب ضد طالبان. والسبب الرئيسي في ذلك هو أننا خسرنا المعركة لكسب القلوب والعقول». وأضاف أنه يعتقد أنه ليس أمام طالبان «فرصة لاستعادة السلطة، إلا أن قبضتهم تشتد».

وتوترت العلاقات بين لندن وإسلام آباد الأسبوع الماضي عندما قال كاميرون «لا يمكننا أن نحتمل بأي شكل من الأشكال أن يسمح لهذا البلد بأن يتمكن من تصدير الإرهاب».

وتعد القوات البريطانية المنتشرة في أفغانستان ثاني أكبر قوة في قوات حلف الأطلسي التي تواجه هجمات يومية من قوات طالبان التي يقول محللون استخباراتيون إنها تستمد الدعم والتمويل من عناصر باكستانية. ومن المقرر أن يلتقي زرداري رئيس الوزراء البريطاني في منتجع ريفي خارج لندن رغم دعوات باكستانية له بإلغاء الزيارة احتجاجا على تصريحات كاميرون. إلا أن مكتب زرداري رفض تلك الفكرة وقال إن هذه الزيارة تمنح باكستان الفرصة لتوضيح موقفها، طبقا لبيان أصدره المكتب الاثنين. وجاء في البيان أنه عقب تصريحات كاميرون «أصبح من المهم أن يقوم الرئيس بزيارته إلى المملكة المتحدة كما هو مقرر لها لإثارة هذه المسألة وغيرها من المسائل مع رئيس الوزراء البريطاني». وكان كاميرون أدلى بتلك التصريحات خلال زيارة إلى الهند، جارة باكستان وخصمها اللدود. وأكد متحدث باسم كاميرون أول من أمس على أن رئيس الوزراء كان يشير إلى عناصر داخل الدولة الباكستانية وليس إلى سياسات الحكومة الباكستانية.

ولا يعتبر زرداري شخصية تملك كافة مقومات السلطة في يدها، حيث لا يزال الجيش يحتفظ بنفوذ سياسي هائل كما أن رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني يتمتع بسلطة أكبر على تسيير الشؤون اليومية للحكومة. وفي مؤشر على إمكانية تدهور الأزمة بين إسلام آباد ولندن، استدعى وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي السفير البريطاني في إسلام آباد آدم تومسون ليعرب له عن «مشاعر الحكومة والشعب الباكستاني» بشأن تصريحات كاميرون.

وبعكس ما يحيط بزيارة كاميرون إلى بريطانيا من توترات، خلت زيارته إلى فرنسا من أي اضطراب. وعقب محادثاته مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في قصر الاليزيه أول من أمس، قال الرئيس الباكستاني إن «فرنسا تشعر أن باكستان شريك مسؤول في العالم» مضيفا أن ساركوزي قال إنه سيزور باكستان في وقت لاحق من العام. وقبل توجهه إلى بريطانيا أمس، التقى زرداري بوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير على غداء عمل لمناقشة المساعدات الأوروبية الإنسانية لضحايا الفيضانات في باكستان. وجاء في بيان باكستاني أن زرداري دعا خلال محادثاته مع ساركوزي إلى «تقديم مساعدات دولية كبيرة» لبلاده لمساعدتها على التعامل مع آثار الفيضانات المدمرة.

وفي سياق ذي صلة، قال زرداري في مقابلته مع صحيفة «لوموند»، إن هجوم كراتشي الذي أدى إلى مقتل 11 فرنسيا في عام 2002 «لا يمت بصلة إلى عقد» شراء الغواصات الفرنسية اغوستا، مضيفا أنه «عمل إرهابي بحت».

وتدور شكوك حول حصول عمليات اختلاس أموال على هامش صفقة بيع ثلاث غواصات إلى باكستان من جانب إدارة المنشآت البحرية الفرنسية في عام 1994. ويشتبه قضاة فرنسيون في حصول عمليات دفع لعمولات بطريقة غير شرعية استخدمت في تمويل الحملة الرئاسية لرئيس وزراء فرنسا السابق ادوار بالادور في 1995. وأشاروا إلى إمكانية أن يكون الدافع وراء هذا الهجوم عدم دفع رشاوى إلى وسطاء باكستانيين. وردا على هذه الفرضيات، قال زرداري إن «هذا الهجوم لا يمت بصلة إلى عقد شراء الغواصات الذي كان الضحايا يعملون على إبرامه» لأنه «عمل إرهابي بحت». وأضاف الرئيس الباكستاني وهو أرمل رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو التي اغتيلت عام 2007: «عندما وقعت هذه الأحداث كنت في السجن. لست أدري كيف يمكن أن تكون لي صلة بهذه القضية». ويعرف زرداري في باكستان بلقب «السيد 10%»، في إشارة إلى الاتهامات الموجهة إليه بقبض عمولات سرية خلال مشاركته في حكومات بوتو في التسعينات. وقد أمضى 11 عاما في السجن.