شجرة تفجر اشتباكا بين الجيش اللبناني والإسرائيلي

مقتل جنديين لبنانيين وصحافي وعقيد إسرائيلي * ناطق بلسان الجيش لـ«الشرق الأوسط»: جنودنا سقطوا داخل أراضينا

جنود لبنانيون يتخذون مواقع قتالية في مواجهة الإسرائيليين المتمركزين قبالة بلدة العديسة فيما يؤشر أفراد من قوات اليونيفيل للقوات الإسرائيلية طالبين وقف إطلاق النار (رويترز)
TT

شهدت الحدود اللبنانية أمس توترا غير مسبوق منذ انتهاء «حرب الصيف» عام 2006 جراء اشتباكات عنيفة بين الجيشين الإسرائيلي واللبناني الذي تصدى بالنار لوحدة إسرائيلية خرقت «الخط التقني» الحدودي الذي رسمته الأمم المتحدة للانسحاب الإسرائيلي قرب بلدة العديسة مما أدى إلى مقتل ضابط إسرائيلي برتبة عقيد وجرح آخر برتبة رائد وسقوط 3 جنود لبنانيين ومراسل صحافي وإصابة آخرين في ردة فعل إسرائيلية استهدفت مواقع الجيش والسكان والصحافيين. وأعلن لاحقا أن مراسل صحيفة «الأخبار» عساف أبو رحال (55 سنة) قتل جراء القصف الإسرائيلي على بلدة العديسة خلال قيامه بتغطية التطورات مع عدد من الإعلاميين. كما أفيد أن مراسل قناة «المنار» علي شعيب أصيب بجروح طفيفة في رجله في بلدة العديسة خلال قصف البلدة وتم نقله إلى المستشفى.

وفيما بقي حزب الله بعيدا عن هذه المواجهات، سعت القوة الدولية المؤقتة العاملة في جنوب لبنان إلى احتواء التوتر واستطاعت الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لنصف ساعة لسحب المصابين.

غير أن وقف النار استمر صامدا لأكثر من ذلك، وأفيد أنه تم الاتفاق على عقد اجتماع ثلاثي في مقر القوة الدولية عند نقطة الحدود، اليوم، لمعالجة التطورات. وقال مدير التوجيه في الجيش اللبناني العميد صالح سليمان لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش اللبناني تصدى بالإمكانات المتاحة لقوة إسرائيلية خرقت الحدود اللبنانية، ولم يكن بحالة اعتداء. وأضاف: «نحن ندافع عن أرضنا، وجنودنا سقطوا داخل أراضينا، ولن نسمح لأحد بأن يعتدي علينا مهما غلت التضحيات»، مشددا على أننا «نتمسك بقوة حقنا بوجه حق القوة».

وفي إسرائيل اعتبر هذا الاشتباك أخطر حادثة تقع بين إسرائيل ولبنان منذ حرب صيف عام 2006، وقال الإسرائيليون إنهم ينظرون إليها «بخطورة بالغة» لكون الطرف اللبناني فيها هو الجيش الشرعي وليس مجرد «مسلحين فوضويين».

وفيما حملت تل أبيب الحكومة اللبنانية المسؤولية «الكاملة» عن الحادثة سعت في الوقت نفسه إلى إطفاء لهيبها بالقول «إنه حدث موضوعي لا حاجة لأن يتطور إلى توتر حربي». وأكدت تل أبيب أن الجيشين الإسرائيلي واللبناني أجريا اتصالات مكثفة بواسطة قوات «اليونيفيل» واتفقا على احتواء الأزمة، وأن الأمور هدأت فعلا منذ ساعات بعد الظهر من يوم أمس. وفي وقت لاحق اعترفت إسرائيل بأن ضابطا كبيرا من جيشها قتل في هذه الحادثة.

وكانت شرارة المواجهة انطلقت مع تجاوز قوة إسرائيلية «الخط التقني» وإقدامها على قطع شجرة «سرو» في الجانب اللبناني لتسهيل عمل كاميرات المراقبة التي توجهها نحو الأراضي اللبنانية، فأبلغ الجيش اللبناني القوة الدولية بضرورة معالجة الخرق سريعا وإلا فأنه سيتصدى للقوة الإسرائيلية، وهذا ما حصل في وقت لاحق، حيث أطلق الجيش طلقات تحذيرية في الهواء أعقبتها مواجهة بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية أصيب خلالها جنديان إسرائيليان. ولاحقا تدخلت الطائرات الإسرائيلية ودبابات الميركافا، فأطلقت مروحية أباتشي إسرائيلية صاروخا على ملالة M - 113 للجيش اللبناني، فيما أطلقت الدبابات قذائف بشكل متقطع على بلدة العديسة وأطرافها. وقصفت القوات الإسرائيلية مركز الجيش اللبناني في العديسة، وهو أكبر مواقع الجيش في الجنوب، فاشتعلت فيه النيران، مما أدى إلى تفجر الذخائر في داخله. وأشار رئيس بلدية العديسة محمد رمال أن «الجيش الإسرائيلي تحرش بالجيش اللبناني وهناك آلية للجيش اللبناني قد احترقت»، وقال إن هناك جوا من الرعب أصاب المواطنين وعلى ما يبدو أن الأهالي يغادرون المنطقة ومحطات الوقود ممتلئة والمشهد يذكرنا يوليو (بتموز) 2006.

وأعلنت قيادة الجيش - مديرية التوجيه في بيان أصدرته أن «دورية تابعة للعدو الإسرائيلي أقدمت على تجاوز الخط التقني عند الحدود اللبنانية الفلسطينية في خراج بلدة العديسة، وضمن أراض متحفظ عليها لبنانيا، وعلى الرغم من تدخل قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان لمنعها، تابعت دورية العدو تجاوزها، فتصدت لها قوى الجيش اللبناني بالأسلحة الفردية وقذائف (آر بي جي)، وحصل اشتباك استعملت فيه قوات العدو الأسلحة الرشاشة وقذائف الدبابات، مستهدفة مراكز الجيش ومنازل المدنيين في المكان، مما أدى إلى سقوط عدد من العسكريين بين شهيد وجريح». وأشار بيان قيادة الجيش إلى أن «الوضع ما زال حذرا، وتتولى قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان الاتصالات لإعادة الوضع إلى طبيعته، فيما تستمر مروحيات العدو بالتحليق في أجواء المنطقة».

أما الرواية الإسرائيلية للاشتباك فقد اختلفت عن الرواية اللبنانية وقال الإسرائيليون إن «الجيش اللبناني هو الذي بدأ الاعتداء»، بل قال قائد اللواء الشمالي في الجيش الإسرائيلي، جادي آيزنقوط، في مؤتمر صحافي عقده أمس، إن قوة من الجيش اللبناني «نصبت كمينا لدورية إسرائيلية عملت في المنطقة بالتنسيق الكامل مع قوات (اليونيفيل)».

وروى الناطق بلسان الجيش ما جرى، فقال إن دورية عسكرية من نحو 10 جنود وضباط، يجرون جرافة، وصلت الساعة العاشرة والنصف من صباح أمس إلى إحدى المناطق المعروفة بكثافة المخابئ العسكرية بهدف تنظيفها من الأعشاب التي تستخدمها عادة عناصر من حزب الله لتتربص بدوريات الجيش الإسرائيلي العابرة من المكان وتنفيذ عمليات تفجير ضدها أو محاولة خطف جنود منها، فأقدم الجيش اللبناني على إطلاق النار باتجاه القوة الإسرائيلية، فاضطرت هذه إلى الرد بالقصف. وتواصل تبادل إطلاق النار لفترة، مما أدى إلى وقوع إصابات بين الطرفين، وأنه في الجانب الإسرائيلي أصيب ضابطان بجراح قاسية.

وبعد هذا المؤتمر الصحافي، اعترفت إسرائيل بمقتل العقيد دوف هراري، وهو قائد هذه القوة من جيش الاحتياط وعمره 41 عاما، وإصابة زميل له برتبة رائد عمره 30 عاما.

واعترف الناطق بلسان الجيش أن قادة الجيش اللبناني المحليين حاولوا بداية ثني القوة الإسرائيلية عن العمل بالإقناع، فطلبوا منها الانسحاب قائلين إن هذا الجيب هو أرض لبنانية. لكن الجنود الإسرائيليين ردوا بالقول إنهم تلقوا أوامر بتنظيف المنطقة وإنهم لا يقصدون الاعتداء. عندها أطلق اللبنانيون النار، فرد الإسرائيليون بالقصف الكثيف بالمدافع والطائرات المروحية. كما اعترف الإسرائيليون أن ردهم شمل قوات لبنانية أخرى في المنطقة وأنهم دمروا عددا من الآليات اللبنانية بالكامل. لكنهم برروا ذلك بأنه كان ردا على إطلاق صاروخ كاتيوشا على دبابة إسرائيلية.

ويذكر أن أهالي البلدات الحدودية شمال إسرائيل أصيبوا بالهلع عند سماعهم دوي المدافع. فقد حسبوا أن الحرب التي جرى الحديث عنها كثيرا في الشهور الأخيرة قد وقعت. فتوجهوا إلى الملاجئ، لكنهم وجدوها مغلقة. وراح الجيش يطمئنهم ويدعوهم إلى الاستمرار في حياتهم العادية.

يذكر أن هذه المواجهة هي الثالثة بين الجيشين منذ انتهاء حرب يوليو عام 2006، إذ جرت اشتباكات محدودة في وقت سابق في بلدة مارون الراس وفي محيط بركة النقار في مزارع شبعا، بالإضافة إلى التصدي الدائم للجيش للطائرات الإسرائيلية، غير أن هذه المواجهة هي الأعنف.

أما في الجانب السياسي، فقد تحرك لبنان بقوة ساعيا إلى «معاقبة إسرائيل»، كما نقل النائب عقاب صقر عن رئيس كتلته رئيس الحكومة سعد الحريري، وقال صقر لـ«الشرق الأوسط»: «إن الحريري لن يكتفي بطلب الإدانة، بل سيسعى لمحاسبة إسرائيل على خرقها وتجاوزها حتى تكون هذه المرة رادعة»، مشيرا إلى أن الحريري يضع الأمم المتحدة أمام مسؤولياتها في هذا الإطار.

وعلى الرغم من انسحابها من منطقة المواجهات، فقد أجرت قوات «اليونيفيل» اتصالات حثيثة لحصر التوتر في الجنوب وإعادة الأمور إلى سياقها الطبيعي. ودعت القوات الدولية في هذا الإطار الجانبين اللبناني والإسرائيلي إلى ضبط النفس. وأعلن المكتب الإعلامي للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان أنه «في إطار المساعي لإعادة الوضع إلى ما كان عليه في منطقة العديسة، توجه نائب القائد العام لـ(اليونيفيل) الجنرال سانتي بونفانتي شخصيا على متن مروحية إلى مكان الحادث»، مؤكدا أن قوات «اليونيفيل» طلبت من الطرفين «وقف النار». لبنانيا، عقد المجلس الأعلى للدفاع جلسة طارئة في القصر الجمهوري في بعبدا بدعوة من رئيس الجمهورية لدرس الموقف المستجد بعد الاعتداء الإسرائيلي في الجنوب. ودان رئيس الجمهورية ميشال سليمان الخرق الإسرائيلي للقرار 1701 واجتياز الخط الأزرق والاعتداء على الممتلكات وقصف حاجز الجيش اللبناني في منطقة العديسة. واطلع رئيس الجمهورية سليمان من العماد جان قهوجي على تفاصيل هذا الخرق وكان هناك حديث عن وجوب التصدي لهذا الخرق مهما كانت التضحيات، بحسب الموقف الصادر عن المكتب الإعلامي في قصر بعبدا. واتصل رئيس الجمهورية بوزير الخارجية علي الشامي وطلب منه القيام بالاتصالات اللازمة مع الجهات الدبلوماسية الدولية والمعنية لمتابعة هذه الأزمة.

وتلقى سليمان اتصالا هاتفيا من الرئيس السوري بشار الأسد الذي أكد لسليمان أن سورية تقف إلى جانب لبنان ضد الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية فيما دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري الحكومة اللبنانية إلى تقديم شكوى ضد إسرائيل في مجلس الأمن الدولي. وقال بري: «يؤكد العدو الإسرائيلي في اعتدائه اليوم على لبنان أنه التهديد الوحيد بل الأوحد لاستقرار لبنان وسيادته وهو رسالة واضحة ضد الجهد العربي الذي تقوده سورية والسعودية لضمان الاستقرار في لبنان وهو استهداف لإعادة الإعمار وخصوصا جولة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة في الجنوب».

أما رئيس الحكومة سعد الحريري فقد أجرى جولة اتصالات دولية واسعة النطاق للجم الوضع، فاتصل بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وتداول معه «الاعتداء الإسرائيلي على الجيش اللبناني»، وطلب منه «مساعدة فرنسا للجم ممارسات إسرائيل العدوانية ضد لبنان وجيشه وإلزامها تطبيق القرار 1701 تطبيقا كاملا». واتصل الحريري بالرئيس المصري حسني مبارك وبوزير الخارجية أحمد أبو الغيط، وتشاور معهما في وسائل مواجهة الاعتداء الإسرائيلي على الجيش اللبناني. وبحث مع مبارك وأبو الغيط في سبل «حماية السيادة اللبنانية وتنفيذ القرار 1701». كما أجرى الحريري اتصالا هاتفيا مع الأمم المتحدة ومع قيادة قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل». وقد أدت الاتصالات إلى اتجاه الأمور نحو الهدوء ميدانيا مع استمرار المعالجات لمنع أي اعتداء إسرائيلي آخر على الجيش اللبناني أو على سيادة لبنان، وضرورة التزام إسرائيل بتطبيق القرار 1701.

وفي نيويورك صرح دبلوماسي غربي أن مجلس الأمن الدولي سيجري مشاورات خاصة في مقر الأمم المتحدة لبحث الاشتباكات الحدودية العنيفة بين القوات اللبنانية والإسرائيلية وقال الدبلوماسي الذي طلب عدم الكشف عن هويته إن السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين الذي يرأس هذا الشهر المجلس المؤلف من 15 عضوا سيعلن عن الاجتماع قريبا.