باريس تنشط على خط التهدئة.. و«قلق» في واشنطن ولندن وبرلين

دعت لعودة «يونيفيل» إلى السيطرة على الوضع في جنوب لبنان

TT

نشطت الدبلوماسية الفرنسية أمس على أعلى مستوى على خط الاتصالات المتعددة مع الأطراف المعنية بالوضع في جنوب لبنان في محاولة واضحة لاحتواء التوتر ومنع تدهوره إلى حرب مفتوحة.

ورغم الخطورة المترتبة على الأحداث، فإن المصادر الفرنسية قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها «لا تتوقع أن يكون ما حصل مقدمة لنسخة جديدة لسيناريو صيف عام 2006» في حرب إسرائيل على لبنان التي دامت أكثر من شهر.

وفيما دعت باريس الأطراف إلى «ضبط النفس» و«التحلي بحس المسؤولية وتحاشي التدهور» استبعدت أن يكون ما حصل «أمرا مدبرا» من هذا الجانب أو ذاك وأعادته لـ«سوء التقدير» من الطرفين في منطقة يدور بشأنها جدل حول رسم الخط الأزرق. وتشدد فرنسا على ضرورة أن تعود اليونيفيل إلى «السيطرة على الوضع» والبقاء على اتصال مع الجانبين فضلا عن تقديم روايتها لما حدث إلى جانب الروايتين اللبنانية والإسرائيلية.

وأفادت المصادر الفرنسية أن الرئيس الفرنسي الذي بدأ أمس عطلته الصيفية أجرى اتصالات مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي داعيا إلى التهدئة وتحاشي التصعيد وإلى احترام الخط الأزرق والقرار الدولي رقم 1701 الذي وضع حدا لحرب عام 2006 دون أن تتوصل اليونيفيل إلى دفع الأطراف إلى وقف رسمي للأعمال العدائية الذي هو المرحلة الثانية من القرار بعد وقف المعارك.

وقالت المصادر الفرنسية إن باريس «تريد أن تعرف حقيقة ما جرى» في منطقة عمليات القوة الإسبانية وهي لذلك تنتظر ما سيصدر عن قسم عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة التي يشرف عليها السفير الفرنسي ألان لوروا.

وتعتبر باريس أنه «لا علاقة» بين ما جرى أمس على الحدود اللبنانية -الإسرائيلية وبين التطورات الداخلية اللبنانية المرتبطة بموضوع المحكمة الدولية وانعكاساتها على الوضع السياسي والاصطفافات اللبنانية.

وعقدت في باريس أمس عدة اجتماعات «تقويمية» للحادث. وقام الوزير برنار كوشنير باتصالات عديدة أحدها مع وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك. والرسالة التي شدد عليها كوشنير أنه يتعين سريعا «قلب صفحة المواجهة» بين الجيش اللبناني والقوات الإسرائيلية وتفادي «الاستغلال السياسي» وامتناع الطرفين عن قرع طبول الحرب و«استخلاص العبر» مما حصل لتفادي العودة إلى ذلك مجددا.

وأعربت باريس عن أسفها لسقوط الضحايا. وتأمل فرنسا ألا تتطور الأمور باتجاه مزيد من التدهور وهي لذلك لا ترى بديلا عن ضرورة احترام الخط الأزرق وما ينص عليه القرار 1701. ورغم استبعادها تصعيدا كبيرا، إلا أنها تبقى قلقة باعتبار أنه يصعب التحكم بتطورات الأحداث في هذا المنطقة بالنظر لتعقيد الوضع والحسابات التي يجريها كل طرف.

وفي لندن، شجبت الحكومة البريطاني «أعمال العنف» التي وقعت على الحدود بين لبنان وإسرائيل، وعبرت عن قلقها من التوتر القائم. وقال ناطق باسم الخارجية البريطانية أمس: «نحن قلقون للغاية.. وما حصل يؤكد على أهمية التزام كل الأطراف في المنطقة بسلام دائم». وأضاف: «نحن نشجب العنف الذي حصل وأدى إلى وقوع قتلى من الطرفين، وندعو إسرائيل ولبنان إلى ضبط النفس».

وفي برلين أعرب وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيلي عن «قلقه» بشأن الاشتباكات الدامية التي وقعت بين القوات اللبنانية والإسرائيلية في المنطقة الحدودية محذرا من تصاعد التوتر.

وقال الوزير في بيان نقلته وكالة الصحافة الفرنسية «أشعر بالقلق من الاشتباكات العنيفة وأعرب عن عميق أسفي لوقوع ضحايا كما يبدو». وأضاف أنه «يجب تجنب أي تصعيد في الوضع بأي ثمن. وأحث الجانبين على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والتعاون مع القوة الدولية لحفظ السلام في لبنان (يونيفيل)».وأضاف أنه يجب بذل كل الجهود «حتى لا يتم الإضرار بجهود إقرار السلام والهدوء في المنطقة». وقالت وزارة الخارجية إن برلين اتصلت بالحكومتين الإسرائيلية واللبنانية فور ورود الأنباء عن اندلاع الاشتباكات «ودعت الجانبين إلى ضبط النفس».

وفي واشنطن عبرت الولايات المتحدة عن «قلق كبير» من التطورات على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية امس لكنها كانت حذرة من التصريح حول طبيعة الحادث او ادانته. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية بي جي كرولي في مؤتمره الصحافي امس: «الولايات المتحدة قلقة جدا من العنف اليوم في المنطقة بين الحدود الاسرائيلية – اللبنانية»، مضيفاً: «نحن على اتصال بالجهتين وببعثة الامم المتحدة هناك يونيفيل، ونعمل على التحقق من الحقائق وراء هذه الوقائع باقرب وقت ممكن». وتابع كرولي: «نحن نأسف بعمق الخسائر في الارواح»، مناشدا «كلا الطرفين بالتحلي باكبر قدر ممكن من الانضباط لتجنب التصعيد والحفاظ على وقف اطلاق النار الموجود حالياً». وهناك قلق اميركي من اتساع دائرة تأثير الحادث. واعتبر كرولي ان «همنا الاكبر هو ان ما حدث لن يتكرر، المنطقة فيها توتر بما فيه الكفاية، اخر ما نريد ان نراه هو ان تتوسع هذه الحادثة الى امر اكبر». وناشدت مجموعة «الاميركيين للسلام الان»، وهي منظمة يهودية تطالب بالسلام، الادارة الاميركية بعدم السكوت على التطورات في لبنان و»الوقوف على الهامش» بينما تتصاعد الازمة هناك. وحذرت المجموعة ان هذه التطورات شبيهة بالتطورات التي سبقت حرب اسرائيل على لبنان صيف 2006 وبعدها الحرب في غزة. وكان كرولي قد عبر اول من امس عن تنديد الولايات المتحدة للصواريخ التي اطلقت على العقبة وايلات، معتبرا ان هناك جهات تريد عرقلة جهود السلام و»تقوم باعمال تحاول منع مثل هذا التقدم». واضاف كرولي ان لدى واشنن «شكوك كبيرة» حول الجهات التي كانت وراء قصف العقبة وايلات وهي «جهات تريد ان يستمر النزاع وقد استخدموا مثل هذه التكتيكات في السابق ونحن لا نتفاجأ من استخدامهم لها الان». إلى ذلك طالب مجلس الأمن الدولي إسرائيل ولبنان أمس بممارسة «أقصى درجات ضبط النفس»، في أعقاب الاشتباكات الدامية بين الجانبين أمس.

وقال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين ، والذي تولى رئاسة المجلس للشهر الحالي ، إن المجلس ناقش اندلاع أعمال العنف وقرر الدعوة للهدوء.وأضاف تشوركين «يدعو أعضاء مجلس الأمن الدولي بممارسة أقصى درجات ضبط النفس ويدعو الطرفين إلى الانصياع لقرار المجلس رقم 1701 « الذي وضع نهاية للحرب بين إسرائيل وحزب الله صيف عام 2006.

وأردف أن المجلس دعا إسرائيل ولبنان الى تبني إجراءات لمنع أي تصعيد مستقبلي في القتال والتعاون مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان»يونيفيل». هذا وسوف تجري الأمم المتحدة تحقيقا في الحادث.

وبدورها أدانت إيران بشدة «التوغل الصهيوني» في مناطق في جنوب لبنان.

وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان بثته وكالة الأنباء الرسمية (ارنا) إن «جمهورية إيران الإسلامية تدين بشدة توغل النظام الصهيوني في مناطق في جنوب لبنان مما أدى إلى استشهاد عدد من أبناء الجيش اللبناني». وقالت إن «الهجوم الهستيري» الذي شنته إسرائيل أثار مخاوف قائمة من «مغامرة جديدة» تقوم بها إسرائيل ضد لبنان.

وأضاف البيان أنه «من المتوقع من المجتمع الدولي أن يدين مثل هذا التوغل بالسرعة الممكنة» مضيفا أن اشتباكات الثلاثاء وقعت في الوقت الذي تتعرض فيه إسرائيل للضغوط بسبب «جرائمها ضد شعب غزة والركاب الأبرياء (على متن سفن) أسطول الحرية».