الرئيس وزعيم المعارضة يلعبان لعبة القط والفأر في إندونيسيا

يودويونو والبكري.. من حليفين إلى خصمين إلى حليفين مجددا

أبو رضا البكري (أ.ف.ب) والرئيس يودويونو (أ.ب)
TT

الأمر الذي أربك جميع الطبقات في إندونيسيا لفترة طويلة هو العلاقة السياسية، التي يرسل صعودها وهبوطها بصورة منتظمة هزات في جميع أنحاء العاصمة جاكرتا، ويرتبط مستقبلها بصورة معقدة بمستقبل هذا البلد.

ويبدو أن الرئيس سوسيلو بامبانغ يودويونو، ورئيس الحزب المعارض الرئيسي وأحد أغنى رجال الأعمال في البلاد، أبو رضا البكري، اللذين انتقلا من حليفين إلى خصمين ثم إلى حليفين مرة أخرى، يستمتعان بفترة من الهدنة غير المستقرة. وبالنسبة لمعظم المراقبين السياسيين، يحظى البكري، الذي يلعب التنس يوميا، في الفترة الراهنة بالأفضلية.

دأب الرئيس يودويونو، 60 عاما، المشهور بالحذر والتردد على الرغم من إعادة انتخابه العام الماضي بأغلبية ساحقة، على تخييب آمال الأنصار بدعمه الفاتر لجهود مكافحة الفساد. وعندما ذكرت مجلة «تيمبو»، الأكثر انتشارا في البلاد، في الآونة الأخيرة، أن مسؤولين بارزين في الشرطة الوطنية يملكون حسابات توجد فيها ملايين الدولارات من الأموال غير المشروعة، تم تفجير مكاتبها بالعبوات الحارقة في نوع من الهجوم نادرا ما شوهد منذ أن بدأت إندونيسيا العصر الديمقراطي عام 1998. وكان رد يودويونو الوحيد هو إصدار التعليمات للشرطة الوطنية بالتحقيق مع المسؤولين بنفسها.

تحدى البكري، 63 عاما، قانون الجاذبية مرة أخرى عن طريق تدبير طرد إصلاحية تحظى بالشعبية من حكومة يودويونو، ثم كافأه الرئيس بعد ذلك بمنصب جديد منحه سلطات جديدة. وانتعشت الإمبراطورية التجارية لأسرة البكري في ظل سوهارتو، الجنرال الذي حكم إندونيسيا حتى عام 1998، ويعتبره كثيرون أحد الذين احتفظوا بمناصبهم من هذه الحقبة. حاول حزبه «غولكار»، الذي أسسه سوهارتو، بصورة منتظمة عرقلة الإصلاحات في البرلمان، على الرغم من أنه جزء من حكومة يودويونو الائتلافية.

وفي أحد الخطابات الأخيرة أمام حزبه، فاجأ البكري كثيرين عندما دعا أعضاء الحزب لمحاكاة الفئران. وقال: «كن مثل الفأر الذي يقضم قدم شخص ما من دون أن يدع هذا الشخص يعرف أنه تعرض للقضم». وفي وصف توازن القوى الحالي بين الرجلين، تبنى مساعدون نقاطا متناقضة تماما، ربما بصورة تثير التساؤل. وفي حين أن معسكر البكري يقلل من نفوذه، يؤكد معسكر الرئيس على أهمية استمرار يودويونو.

وصرح دينو باتي جلال، المتحدث باسم الرئيس الذي يتوقع أن يكون قريبا السفير الإندونيسي لدى الولايات المتحدة، لصحافيين أجانب بأن المنطق الحذر للرئيس يودويونو يعد «فضيلة». ولدى سؤاله عن التصور السائد في وسائل الإعلام في إندونيسيا بأن البكري تفوق على يودويونو، قال جلال: «لم أر على الإطلاق أية إشارة إلى أن أي فرد له اليد العليا على الرئيس. أعرف أن بعض الأفراد قد يفكرون في ذلك نتيجة لبعض الأحداث، لكن بكل تأكيد الأمر ليس كذلك».

ورفض لالو مارا ساترياوانغسا، المتحدث باسم البكري ونائب الأمين العام لحزب «غولكار»، أية تقارير حول النفوذ المتنامي للبكري. وقال إن المنصب الجديد الذي تولاه البكري، وهو رئيس أمانة الائتلاف التي يتوقع أن يكون لها نفوذ كبير على عملية وضع السياسة، مقتصر على معالجة «الاتصالات». وفي مقابلة بمكتبه داخل مقر شركة أسرة البكري، قال ساترياوانغسا إن الرجلين بينهما «علاقات جيدة» وإن البكري «شخص مخلص».

ترجع العلاقة بين الرجلين إلى عام 2004 على الأقل، عندما بدأ يودويونو، وهو جنرال سابق، ما بدا في بادئ الأمر على أنه محاولة غير عملية للفوز بالرئاسة. كان لدى يودويونو حزب ناشئ، هو حزب الديمقراطيين، ودعم مادي لا يذكر. لكن وفقا لتقارير وسائل الإعلام على مدار سنوات، التي لم ينفها أي من الرجلين بصورة مباشرة، أصبح البكري أحد أكبر المؤيدين ليودويونو، على الرغم من أنه عضو في حزب «غولكار».

وبعد أن أصبح رئيسا للبلاد، عين يودويونو البكري في بادئ الأمر في منصب وزير الاقتصاد، وهو الاختيار الذي أدهش الجميع، حيث إن مصالح البكري التجارية تشمل الاتصالات والتمويل والعقارات والتعدين والنفط والغاز الطبيعي. (وقال البكري إنه لم يلعب أي دور في شركات أسرته منذ أن دخل عالم السياسة عام 2003، لكنه خاض علنا معارك من أجل تطبيق سياسات مواتية لشركاته منذ ذلك الحين).

وبعد إعادة انتخاب يودويونو لفترة ثانية وأخيرة العام الماضي، فاز البكري، الذي يُعتقد أن لديه طموحات نحو الوصول إلى الرئاسة عام 2014، برئاسة حزب «غولكار». وانضم الحزب إلى الائتلاف الحاكم، بيد أن العلاقات أصبحت متوترة، لا سيما بالمقارنة مع الفترة الرئاسية الأولى.

وقاد حزب البكري بنجاح حملة لعزل واحدة من الإصلاحيين الذين يحظون بالشعبية في حكومة يودويونو، هي وزيرة المالية سري مولياني إندراواتي، التي كانت وزارتها تحقق مع شركات أسرة البكري للاشتباه في أنها تتهرب من دفع ضرائب بملايين الدولارات. وأيد مشرعون، بقيادة حزب «غولكار»، تحقيقا حول مصرف صغير وافقت إندراواتي على خطة لإنقاذه، وقاد ذلك بفاعلية إلى عزلها من منصبها. وقبل المغادرة إلى واشنطن، حيث جرى تعيينها مديرة في البنك الدولي، عزت إندراواتي رحيلها إلى ما سمته الزواج السياسي «المثلي» بين يودويونو والبكري.

وعلى المدونة الخاصة به، كتب البكري يقول إنه لا توجد علاقة بين رحيل إندراواتي وإسقاط حزب «غولكار» للتحقيق في خطة إنقاذ المصرف في وقت لاحق ومنصبها الجديد. واتهم ناقدون يودويونو بالتخلي عن الكثير لصالح البكري.

ووصف جويناوان محمد، مؤسس مجلة «تيمبو»، المجلة الإخبارية التي تعرضت للهجوم في الآونة الأخيرة، الأحداث الأخيرة بأنها «هزيمة» الرئيس لصالح البكري. وقال محمد إن «أي سياسي أكثر وحشية كان سيكر ويفر، مثل البكري. لكن الرئيس ليس محاربا، وليس مقامرا، ولا يعد شخصية قاسية».

أما بالنسبة للبكري، فقد ظل يقاوم التصور بأنه شخصية قاسية. وعلى المدونة الخاصة به، كتب يقول إن تعليقاته بشأن الفئران أُسيء فهمها. وقال إنه لم يدع أعضاء حزب «غولكار» إلى تبني جشع الفئران، لكن إلى محاكاة العادة الجيدة لها في الهجوم بهدوء وبلا كلل، من دون أن يلاحظها أعداؤها. وقال: «ما كنت أعنيه هو الطبيعية التكتيكية للفئران، وليس الطبيعة الجشعة».

* خدمة «نيويورك تايمز»