1,2 مليون إندونيسي في قوائم الحكومة للحج

جدل حول تلاعبات بأموال الحج

TT

ترسل إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث تعداد السكان، سنويا أكبر عدد من الحجاج إلى البقاع المقدسة، حيث كانت نسبة الإندونيسيين من إجمالي المسلمين الذين أدوا فريضة الحج العام الماضي واحدا إلى عشرة. ويوجد نحو 1.2 مليون مسلم الآن على قائمة الحكومة في انتظار الذهاب إلى الحج، وهو رقم يساوي إجمالي الحصة السنوية المخصصة لهذا البلد على مدار السنوات الست المقبلة. لكن إذا كانت هذه القائمة، التي يزداد أعداد المسجلين عليها بصورة سريعة، دليلا على التدين المتزايد في إندونيسيا، فقد أصبحت أيضا مصدرا لواحدة من المشكلات المزمنة التي تعانيها البلاد، وهي الفساد.

ويسيء مسؤولون بالحكومة وسياسيون استخدام الأموال التي يودعها المسجلون على قائمة الانتظار لأداء الحج، والتي وصلت قيمتها الآن إلى نحو 2.4 مليار دولار، حسبما ذكر محققون حكوميون وجماعات مناهضة للفساد. وبالتعاون مع وكلاء السفر والحلفاء التجاريين، يقوم مسؤولون باستغلال المتطلبات التي لا تعد ولا تحصى لرحلات الحج التي تديرها الدولة، لتحقيق أرباح خاصة، حسبما ذكر المراقبون، الذين قالوا إن الفساد يسهم في الشكاوى المتكررة بشأن أماكن الإقامة الضيقة المخصصة للحجاج في المملكة العربية السعودية وخدمات الأغذية التي تتوقف عن تقديم الطعام في منتصف الرحلة.

واتفق البرلمان الإندونيسي والمسؤولون بوزارة الشؤون الدينية في الآونة الأخيرة على تكلفة الحج للعام الحالي بعد مفاوضات واتهامات مطولة أوردتها وسائل الإعلام على نطاق واسع بأن بعض المشرعين وموظفي الدولة اتفقوا على اقتسام رشى من الوزارة بقيمة 2.8 مليون دولار. وذكرت جماعات مناهضة للفساد وتقارير إعلامية أن كبار موظفي الدولة والمشرعين يستخدمون المفاوضات السنوية لعقد صفقات شخصية، ووصفتهم بأنهم «مافيا الحج». وقال محمد باغوري، العضو بالبرلمان ورئيس لجنة برلمانية تشرف على الشؤون الدينية: «لا نستطيع إثبات وجود مافيا الحج. لكن في ضوء جميع المؤشرات، تستطيع في الحقيقة الشعور بذلك».

ونفت قيادات برلمانية ومسؤولون بالوزارة الاتهامات بالرشى. وقال عبد الغفور جواهر، وهو مسؤول رفيع المستوى بشعبة الحج بالوزارة، إن الجماعات المناهضة للفساد أساءت تفسير الإجراءات التي اتخذتها الوزارة وتعاملها مع الأموال المودعة. وقال إن هذه الجماعات أخطأت أيضا في تقدير تكاليف الرحلات الجوية إلى السعودية وقارنت مقارنة جائرة بين إدارة الحج في إندونيسيا وماليزيا، التي يُقال إن الحجاج بها يدفعون أموالا أقل ويحصلون على خدمات أفضل. وقال جواهر: «هذا هو ما يشكل في النهاية الرأي العام بأن هناك فسادا كبيرا في البلاد»، مضيفا أنه لا يوجد «مافيا الحج» وأن الوزارة «نظيفة تماما».

وأشار مسؤولون بالوزارة ومشرعون إلى أن تكلفة الحج هذا العام انخفضت بواقع 80 دولارا إلى 3342 دولارا مقارنة بالعام الماضي. بيد أن الجماعات المناهضة للفساد تقول إن هذه التكلفة ستكون أقل بمئات الدولارات من دون فساد وسوء الإدارة.

وعلى الرغم من الإدانات في عام 2006 لمسؤولين بالوزرة، بمن فيهم الوزير السابق، بإساءة استخدام أموال الحج وتقديم الرشى لمراجعي الحسابات بالدولة من أجل إجازة حسابات الوزارة، فإن الجماعات المناهضة للفساد تقول إن شيئا لم يتغير. ووفقا لمنظمة مراقبة الفساد في إندونيسيا، في عملية عقد الصفقات بين الوزارة والبرلمان، يفوز المشرعون ببدلات ضخمة على رحلات الحج لأنفسهم وأقربائهم، ويتم تسليم شركات السفر وغيرها من الشركات التي لها علاقات سياسية عقود لتقديم خدمات الطعام والنقل. وفي المقابل، لا يسأل المشرعون عن طريقة تعامل الوزارة مع الودائع، 2.4 مليون دولار، لا سيما الفائدة المستحقة.

وقال آدي إيراوان، الباحث بمنظمة مراقبة الفساد في إندونيسيا، وهي المنظمة الخاصة البارزة في مكافحة الفساد: «في أي مجال يتم استخدام هذه الأموال، لا نعرف على الإطلاق. إنها أموال الشعب، أموال عامة، أموال الحجاج».

وقالت رابطة الحجاج الإندونيسيين، وهي منظمة خاصة ضغطت لفترة طويلة من أجل إصلاح إدارة شؤون الحج، إن الوزارة والمشرعين يتفاوضون بعيدا عن المنتديات العامة لإخفاء الصفقات التي تتم بينهم. وقال آدي مرفودين، رئيس المنظمة: «لا توجد على الإطلاق مساءلة عامة. لا أحد غيرهم يعرف من يأخذ وكم يأخذ».

وفي تقرير أخير، ذكرت لجنة القضاء على الفساد، وهي الوكالة الرئيسية بالحكومة المسؤولة عن مكافحة الفساد، 48 ممارسة في إدارة الحج قد تقود إلى الفساد. وقال محمد جاسين، نائب رئيس اللجنة، إن اللجنة ستنتظر لترى ما إذا كانت الوزارة قد نفذت الإصلاحات المقترحة قبل التفكير في إطلاق تحقيق كامل حول احتمالية ارتكاب أفعال غير قانونية.

ووفقا للحصص التي تحددها السعودية، يتوجه 211 ألف إندونيسي للحج العام الحالي. وسيذهب نحو 17 ألفا منهم في رحلات خاصة تتكلف أضعاف تكلفة الرحلات التي تديرها الحكومة، والتي تبلغ 3342 دولارا، وهو المبلغ الذي يستلزم ادخار أموال ضخمة طوال العمر وبيع ممتلكات أو ثروة حيوانية.

ودخل عارف سوباردي، 53 عاما، إلى السعودية بتأشيرة عمل قبل فترة قصيرة من موسم الحج قبل عامين، وذلك لأنه غير قادر على توفير تكلفة رحلة الحج التي تديرها الحكومة. وقال إنه نجح في إتمام رحلة الحج مقابل ألفي دولار. وحسب تقديرات الحكومة السعودية، دخل نحو 30% من الحجاج العام الماضي، وعددهم 2.5 مليون حاج، إلى مكة من دون تصريحات سارية. وأضاف: «لقد كان هناك الكثيرون من إندونيسيا، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى التكلفة».

ويتعين على من يريد القيام بالحج إيداع 2500 دولار للتسجيل في الحج، وهو ما يعني إقراض الوزارة هذا المبلغ إلى أن يأتي دوره لأداء الحج بعد ذلك بست سنوات. ووفقا لوزارة الشؤون الدينية، يسجل ما بين 15 ألفا إلى 20 ألف فرد كل شهر. وزاد الاهتمام بأداء الحج خلال العقد الماضي حيث إن الإندونيسيين أصبحوا أكثر ثراء وأكثر اهتماما بالدين الإسلامي. بيد أن إيان إمرون، 38 عاما الذي كان يملك شركة سفر تقوم برحلات حج خاصة من عام 1988 حتى عام 2006، قال إن الاهتمام المتزايد قاد أيضا إلى مزيد من التأكيد على الجانب التجاري في موضوع الحج. وقد توسعت شركات السفر التي لها علاقات سياسية وتملك رأسمال ضخما. وقد ترك إمرون هذا النشاط عندما واجه صعوبات مالية عام 2006. وقال: «ربما كان الأمر في البداية متعلقا بالدين، لكنه أصبح بعد ذلك متعلقا بالتجارة أكثر».

* شارك موكتيتا سوهارتونو في هذا التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»