واشنطن قلقة إزاء محاولة كرزاي السيطرة على هيئات محاربة الفساد

الدعم الشعبي الأميركي للحرب آخذ في التراجع وسط ارتفاع الخسائر البشرية وازدياد تكلفة الإنفاق

جندي أميركي من قوات اللواء 82 المحمولة خلال دورية بمشاركة القوات الأفغانية في كوكران بضواحي قندهار وقد ظهر رعاة أغنام خلف الصورة (أ. ف. ب)
TT

أبدى مسؤولو الإدارة الأميركية خشيتهم من أن يؤدي تحرك الرئيس الأفغاني حميد كرزاي للسيطرة على هيئات التحقيق في قضايا الفساد التي تدعمها الولايات المتحدة، إلى إثارة أعنف أزمة في العلاقات الأميركية - الأفغانية منذ انتخابات العام الماضي التي شابها الفساد، وهو ما يهدد برفض الكونغرس الموافقة على مليارات الدولارات من المساعدات. كانت المخاوف قد اندلعت إثر القرار الذي أصدره الرئيس كرزاي هذا الأسبوع بفتح التحقيق مع وحدتي مكافحة الفساد اللتين قامتا في الآونة الأخيرة باعتقال الكثير من المسؤولين الحكوميين على خلفية المزاعم بالفساد أو الرشوة. وقال كرزاي إن المحققين الذين تلقوا مساعدات من مستشاري إنفاذ قانون أميركيين وتكنولوجيا تنصت كانوا يعملون خارج الدستور الأفغاني. وقال المدعي العام الأفغاني يوم الخميس إن كرزاي يخطط لإصدار قرار يحدد التشريعات الجديدة للهيئات، مثل قوة عمل الجرائم الكبرى، ووحدة التحقيق الخاصة. وقد تحرك المسؤولون في واشنطن على الفور لضمان عدم وقف جهود مكافحة الفساد، وقد نقلت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، أبرز مسؤول أميركي يناقش قضايا الفساد مع كرزاي هذه الأسبوع، رسالة بأن «مؤسستي مكافحة الفساد تمثلان تقدما مهما، وأن أي خطوات لتقويض عملها أو إبطال سلطاتها ستكون خطوة إلى الوراء». وكان ريتشارد هولبروك، مبعوث الإدارة الخاص إلى أفغانستان وباكستان، قد أطلع الكونغرس على أن عمليات قوة العمل الناجحة كانت دليلا على أن كرزاي جاد بشأن محاربة الفساد. ووصفت النائبة نيتا لوي، التي أرجأت لجنتها الفرعية للمخصصات في الكونغرس الموافقة بشأن طلب الإدارة لما يقرب من 4 مليارات دولار مساعدات غير عسكرية لأفغانستان في ميزانية عام 2011 بسبب المخاوف من الفساد، الخطوات التي اتخذها الرئيس كرزاي بـ«المقلقة للغاية». وقالت في محادثة هاتفية «إن هذه الخطوات تشكل أكثر من مجرد القلق، فهي تعرض مهمتنا للخطر. ولذا لن تتم الموافقة على المساعدات حتى نحصل على تعهدات بأن الوعود والالتزامات التي قطعتها الحكومة الأفغانية للعمل بصدق لوقف الفساد متواصلة». وأشارت إلى أن المساعدات الأخرى مستمرة، وأن المخصصات التكميلية التي وقعها الرئيس أوباما الأسبوع الماضي ستسمح باستمرار العمليات المدنية في فصل الخريف. لكن مخاوف الإدارة الأميركية تمتد إلى ما هو أبعد من طلب التمويل الحالي. فهناك قلق متزايد من تقوض الدعم الشعبي الأميركي للحرب، الآخذ في التراجع في الوقت الحالي نتيجة ارتفاع الخسائر البشرية في العمليات وازدياد تكلفة الإنفاق على العمليات، بصورة أكبر إذا ما تأكد الناخب الأميركي من عجز الرئيس كرزاي أمام الفساد. ويأتي في التقارير الداخلية الأميركية أن ذلك هو المصدر الثاني للقلق بالنسبة للمواطنين الأفغان بعد الأمن. ويقول مسؤول بارز في الوزارة «ربما يكون من الأهمية بمكان إرسال رسالة الشعب الأفغاني بأن الحكومة تأخذ محاربة الفساد على محمل الجد».

وقد أطلع هولبروك لوي، هذا الأسبوع، على أن الإدارة تعلم أنه «إذا لم تتم مواجهة الفساد، فلن تنجح الجهود الأخرى. وأنها أطلعت كرزاي على أن تلك الآفة يمكن أن تدمر كل ما بنيناه».

يذكر أن الإدارة الأميركية أنشأت قوة العمل قبل أكثر من عام، وأرسلت عشرات من موظفي وزارة الخزانة، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وإدارة مكافحة المخدرات، لمساعدة المحققين الأفغان في قضايا الفساد. وعلى الرغم من نجاح الوحدة في القيام بالعشرات من عمليات الاعتقال التي طالت كبار المسؤولين في الدولة، فإن عددا من القضايا التي تخص مسؤولين بارزين في الدولة أوقف التحقيق فيها وسط تقارير بأن المسؤولين الأفغان يرسلون بكميات ضخمة من المال لبناء قصور في كابل ودبي. ومع تحذير المحللين السياسيين الأميركيين من أن زيادة الإنفاق الأميركي في أفغانستان ستعزز الفساد، قام الجيش الأميركي بإنشاء قوة عمل للتحقيق في التقارير التي تشير إلى وصول المال المخصص للعقود الدفاعية إلى السياسيين وأمراء الحرب وطالبان.

ترجع بدايات الأزمة الحالية إلى اعتقال محمد ضياء صالح، مستشار الأمن القومي للرئيس كرزاي، على خلفية الاتهامات بتلقي رشوة، من بينها سيارة، للمساعدة في وقف قضية فساد ضد شركة «نيو أنصاري» المالية في كابل، المتهمة بالمساعدة في نقل ملايين الدولارات خارج البلاد.

الاعتقال الذي قامت به قوات إنفاذ القانون الأفغاني من دون مساعدة أميركية مباشرة كان مبنيا على تسجيلات صوتية وأدلة أخرى جمعتها بمساعدة أميركية. وقد أثار رد الفعل الحاد للرئيس كرزاي انزعاج المسؤولين الأميركيين في واشنطن وكابل، وكان محط نقاش الكثير من الاجتماعات الطارئة، التي وصفها أحد مسؤولي الإدارة، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، بأنها أعنف أزمة منذ إعادة انتخاب كرزاي في انتخابات العام الماضي التي شابها الفساد. وخلال الاجتماع الذي عقده قادة القوات الأميركية والناتو في أفغانستان طالب الجنرال ديفيد بترايوس المسؤولين بالصبر قبل الوصول إلى النتائج «لم يصل الأمر إلى مرحلة الخطر الآن، لكنها مصدر قلق». وخمن مسؤول الدفاع بأن تكون إشارة كرزاي إلى حقوق الإنسان ذكرت اسم صالح، على الرغم من منع القانون نشر الأسماء حتى تتم الإدانة الكاملة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»