ساركوزي يستعد لخريف ساخن

يخطط لتغيير رئيس الحكومة والوزراء وتشديد قوانين الهجرة

TT

فرغ مكتب رئيس الحكومة، فرنسوا فيون، من شاغله، الذي توجه إلى منطقة فلورانس في إيطاليا، وهجر الوزراء مكاتبهم الحكومية، كذلك فعل مستشاروهم من الدرجة الأولى، ولم يبق في الوزارات إلا مناوبون لإدارة الشؤون العادية. أما الرئيس نيكولا ساركوزي، فقد رحل عن قصر الإليزيه، متوجها إلى فيلا عائلة زوجته، كارلا بروني ساركوزي، في كاب نيغر، على الشاطئ المتوسطي، القريب من مدينة لافاندو، في منطقة الفار، مقصد النجوم وكبار الثروات. وتقوم الفيلا المعزولة والواقعة على بعد 7 كلم من لافاندو على مرتفع صخري، يمتد كلسان داخل المتوسط وسط أحراج وبيئة متوسطية، مع إطلالة استثنائية على البحر.

وأمس، خرج ساركوزي برفقة ابنه البكر، بيار، وحرسه الخاص، في نزهة على دراجة هوائية، وهي الرياضة التي يهواها. ومن المفترض أن يبقى ساركوزي في منتجعه ثلاثة أسابيع، وتحديدا حتى 25 من الشهر الحالي، موعد الاجتماع المقبل لمجلس الوزراء، والاجتماع السنوي التقليدي للسفراء الفرنسيين عبر العالم، حيث اعتاد ساركوزي أن يلقي خطابا شاملا عن سياسة فرنسا الخارجية، وأهدافها للسنة المقبلة.

غير أن لعطلة الرئيس والحكومة الصيفية هذا العام مذاقا خاصا، إذ إنها تحل، من جهة، على خلفية جدل واسع يتناول الفضائح المالية والضرائبية المرتبطة بوزير المالية السابق، إريك فيرت، وعلاقته بثرية فرنسا الأولى، ليليان بيتنكور، ومن جهة أخرى، على خلفية خطابات ساركوزي النارية الخاصة بالهجرة والأمن، وعزم الحكومة على استصدار تشريعات جديدة. وأخيرا، جاءت العطلة الصيفية في حين طرحت الحكومة مشروع قانون لإصلاح النظام التقاعدي وتغيير سن التقاعد الرسمي، وهو ما يثير النقابات على اختلاف توجهاتها، ويحدث صدمة في أوساط الرأي العام، على خلفية سياسة تقشف، وارتفاع معدلات البطالة، وتجميد الرواتب.

وتنتظر الحكومة، في السابع من الشهر المقبل، أي في اليوم الذي سيبدأ فيه البرلمان بمناقشة مشروع القانون الأخير، مظاهرات ومسيرات وإضرابات ستطال كل القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة على السواء، للضغط على الحكومة، في محاولة لمنعها من استصدار القانون الذي تريده. ولذا فمن المنتظر أن يكون الخريف الاجتماعي والاقتصادي في فرنسا حارا جدا، مع كثرة الإضرابات واستقواء الحركات المطلبية من مختلف الشرائح، والاتهامات الموجهة للحكومة باتباع سياسة تمييزية لصالح الأغنياء والطبقات العليا.

وفي المقابل، لن يكون الخريف السياسي أقل سخونة. فالخطاب الذي ألقاه الرئيس ساركوزي، الأسبوع الماضي، في مدينة غرونوبل (جنوب شرق)، حيث أعلن «حربا قومية» على «المهربين والرعاع»، وكشف عن عزمه على الطلب من الحكومة تقديم مشروع قانون يقضي بنزع الجنسية الفرنسية عن الذين يستهدفون رجال الأمن أو ممثلي الدولة. وجاء ذلك بعد ثلاثة أيام من العنف والاشتباكات مع رجال الأمن، حيث استعملت الأسلحة النارية بعد مقتل رجل من أصل أجنبي (مغاربي)، عقب عملية سرقة في كازينو. وقال ساركوزي، المتحدر من أصول أجنبية من جهة والده المجري ووالدته اليهودية اليونانية، إنه يريد نزع الهوية الفرنسية عن كل شخص من أصل أجنبي يستهدف حياة رجل أمن أو ممثل للدولة. وأثار كلام ساركوزي جدلا واسعا، إذ اعتبرته المعارضة الاشتراكية مخالفا لدستور الجمهورية، الذي ينص على المساواة بين المواطنين أيا كانت أصولهم. ولا ينص القانون الساري إلا على حالات محدودة لنزع الجنسية، منها الإرهاب. وركبت الحكومة القطار الرئاسي، معلنة أنها ستضيف، كسبب لنزع الجنسية، تعدد الزوجات، مما يستهدف حالات محدودة جدا من المسلمين. كذلك أكد ساركوزي أنه يريد أن لا يكون منح الجنسية بشكل آلي للمراهقين الذين يرتكبون جنحة عند بلوغهم الثامنة عشرة من عمرهم، حيث يتاح لهم المطالبة بالجنسية الفرنسية. وفي السياق عينه، أعلن ساركوزي عن تعديل قانون العقوبات، بحيث تفرض عقوبة بالسجن لثلاثين عاما لقتلة رجال الشرطة أو الدرك، بينما المدة القصوى حاليا هي عشرون سنة. وطلب رئيس الجمهورية من الحكومة فحص التقديمات الاجتماعية التي يحصل عليها الموجودون على الأراضي الفرنسية بصفة غير قانونية من أجل إلغائها.

ويأتي كل ذلك في إطار تحول في الخطاب السياسي لساركوزي والحكومة، بحيث عاد الموضوع الأمني ليحتل الواجهة. وكان ساركوزي قبل أيام أيضا، تناول موضوع السكان من الغجر الذين يتنقلون عبر الحدود الأوروبية. ومشكلة هؤلاء أنهم يرتكبون أعمالا مخلة بالأمن. ولذا طالب ساركوزي بإغلاق مئات المعسكرات المخصصة لهم والموجودة بشكل غير شرعي، وتشديد الرقابة على الحدود، وفرض رقابة مالية عليهم.

وبسبب كل ذلك، تنتظر ساركوزي والحكومة مظاهرة يتوقع لها أن تكون ضخمة في 4 سبتمبر (أيلول) المقبل، وهي تحظى بدعم الأحزاب اليسارية، وغرضها التنديد بسياسة ساركوزي اليمينية، واستهداف الأجانب، وجعلهم مسؤولين عن الإخلال بالأمن في البلاد. وتتهم المعارضة ساركوزي بالعودة إلى خطاب يميني متطرف مرتكز على الخطاب الأمني، وتوجيه أصابع الاتهام للأجانب، وهو ما ساعده على الفوز بالرئاسة في عام 2007.

وترى المعارضة، ومعها الكثير من المراقبين السياسيين، أن غرض ساركوزي واضح؛ إبعاد أنظار الرأي العام الفرنسي عن الفضائح المالية التي تلاحق النظام عبر وزير المالية السابق ووزير العمل الحالي، إريك فيرت، من خلال علاقته بثرية فرنسا الأولى ووريثة شركة «لوريال» للمستحضرات التجميلية. ومؤخرا، أخرجت صحيفة «ليبراسيون»، بالوثائق المكتوبة، فضيحة جديدة إلى العلن، قوامها تدخل فيرت لدى مصلحة الضرائب لتخفيف عبء نقل الميراث (27 مليون يورو) للنحات المتوفى المعروف، سيزار. والحال أن الوصي على تنفيذ وصية سيزار هو أحد المقربين من فيرت، وأحد أكبر المساهمين ماليا لصالح حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية اليميني، الذي كان يشغل فيرت منصب أمين ماليته.

وأبعد من ذلك، يرى الكثيرون أن ساركوزي يريد أن يعود إلى الخطاب السياسي الخاص بمعسكر اليمين، وهو ما ضمن نجاحه في الرئاسيات الماضية، خصوصا أن الاشتراكيين يجدون أنفسهم محرجين سياسيا وهم يكتفون بالتصويب على ساركوزي، لكنهم عجزوا حتى الآن عن تقديم مقترحات جديدة في موضوعي الهجرة والأمن، ويكتفون بانتقاد محصلة عمل ساركوزي وزيرا للداخلية ثم رئيسا للجمهورية، وذلك منذ عام 2002.

ويراهن ساركوزي على ذلك لرفع نسبة شعبيته المتدنية، كما يراهن على تعديل حكومي منتظر في الخريف المقبل، وعلى رئاسته لمجموعة الثماني ومجموعة العشرين، بدءا من الخريف المقبل، للعودة بقوة إلى المسرح الدولي، مما سيعطيه دفعة إضافية، يعتقد أنها ستؤهله للفوز مرة جديدة برئاسة الجمهورية، خصوصا أن اليسار لم يفرز بعد مرشحا غير متنازع عليه، تكون له المقدرة على منافسته. ولذا فإن فرصة ساركوزي الصيفية ستوفر له الوقت لبلورة استراتيجيته السياسية، وللعثور على رئيس جديد للحكومة، وعلى وزراء لا يجرجرون وراءهم الفضائح؛ مالية كانت أم غير مالية.