القذافي يوفد مدير مكتبه للمرة الأولى إلى متظاهرين لامتصاص غضبهم

تجمعوا قرب مقر إقامته احتجاجا على تأخر رواتبهم

TT

ربما هي المرة الأولى التي يوفد فيها الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي مدير مكتبه إلى مواطنين ليبيين لامتصاص غضبهم واحتواء التذمر المعلن الذي أبدوه اعتراضا على الطريقة العشوائية التي أعلنتها الحكومة الليبية لصرف رواتبهم المتأخرة.

وفي تصرف غير معتاد من قبل أجهزة الأمن الليبية التي تفرض في العادة إجراءات أمنية مشددة حول مقر الإقامة الرسمي للعقيد القذافي في ثكنة باب العزيزية في العاصمة الليبية طرابلس، سمحت السلطات الليبية لمتظاهرين ساخطين على أداء الحكومة الليبية التي يترأسها الدكتور البغدادي المحمودي بالاقتراب من مقر إقامة القذافي مرددين شعارات وهتافات تطالبه بالتدخل لمساعدتهم.

وفي البلد الذي يحكمه القذافي منذ الانقلاب العسكري الناجح الذي قاده في الأول من شهر سبتمبر (أيلول) عام 1969 للإطاحة بنظام حكم الملك الراحل إدريس السنوسي، لم يعتد المواطنون الليبيون على الجرأة للاقتراب بشكل سلمي من مقر إقامة الرجل الذي يحكمهم منذ نحو 40 عاما.

وتمنع السلطات الليبية تنظيم أي مظاهرات وهي لا تتسامح مطلقا إزاءها، علما أنها لم تتوان في السابق عن اعتقال بعض النشطاء السياسيين عندما فكروا بالتجمع في العاصمة طرابلس للشكوى من انعدام الحريات العامة وانتهاكات حقوق الإنسان.

وفى تدخل نادر لكنه الثاني من نوعه هذا العام، بعدما أمر قبل بضعة أسابيع بتشكيل لجنة حكومية لتقصي الحقائق في ادعاءات حقوقية بشأن تعرض اللاجئين الإريتريين في بلاده لمضايقات وانتهاكات تعسفية، أوفد العقيد القذافي مسؤول مكتبه سعد الفلاح، إلى المتظاهرين حاملا البشرى بأن القذافي الذي استمع لهتافاتهم سيتدخل شخصيا على الفور لحل أزمتهم.

وقال الفلاح الذي يشغل رسميا منصب المسؤول عن قلم (مكتب) القذافي، إن القائد وهو اللقب الرسمي للعقيد القذافي سيتدخل شخصيا لحل مشكلة مجموعة المتظاهرين الذين توجهوا إلى مقر القيادة الليبية في طرابلس بمنطقة «باب العزيزية»، وشكلوا وفدا ضم بعض الرجال والنساء طالبين مقابلته ومساعدتهم في حل مشكلتهم.

ويعتبر ظهور أحد العاملين في مكتب القذافي أمرا غير معتاد على الإطلاق ونادر الحدوث، في دولة تتجاهل وسائل الإعلام الرسمية فيها نشر أسماء الوزراء وكبار المسؤولين وتكتفي فقط بالإشارة إلى مناصبهم الحكومية والرسمية.

وقالت وكالة «ليبيا برس» أمس إن القذافي أوفد الفلاح، للحديث مع المتجمهرين وإيصال رسالته إليهم، الذي خرج بدوره وطمأنهم مؤكدا أن المشكلة سيتم حلها بأسرع ما يمكن.

ونقلت عن الفلاح قوله أمام الحشد إن القذافي أوعز إلى الحكومة الليبية بالاجتماع مساء أمس لبحث أمر تأخير صرف الرواتب، ما دفع الحشد إلى العودة.

ورصدت وكالة «ليبيا برس» وهي أحدث الأذرع الإعلامية للتيار الإصلاحي الذي يقوده المهندس سيف الإسلام النجل الثاني للعقيد القذافي، استياء المواطنين الليبيين من عملية توزيع الرواتب المتأخرة بهذه الطريقة، ونقلت تساؤلاتهم حول عدم إيداع الرواتب مباشرة في حسابات الموظفين.

وكان مئات المواطنين الليبيين الذين ينتمون لفئة المحالين للقوى العاملة بالعاصمة طرابلس قد تجمهروا أمس أمام مبنى مصلحة العمل والتدريب المهني، معبرين عن احتجاجهم على توقف صرف رواتبهم منذ 4 أشهر، وخاصة مع قرب حلول شهر رمضان المبارك.

وتم إبلاغ المتجمعين عن طريق إعلان نشر بإحدى الصحف المحلية، بضرورة التجمع أمام مقر المصلحة بجانب مقر الهيئة العامة للصحافة في طرابلس، حتى يتم صرف رواتبهم، لكنهم تفاجأوا في المقابل بقوائم معلقة تحوي أماكن للتجمع (جهات عامة مثل بعض المدارس) موزعة حسب المصرف الذي يملك فيه كل شخص حسابا جاريا.

وتصاعد الاحتجاج بين المواطنين ليصل إلى حد التظاهر والهتاف من دون تدخل من الشرطة الليبية في البداية، ثم بعد أن هدأ الوضع عادت النساء المتجمعات للتظاهر بعد استمرار وقوفهن لساعات بلا حل، لتتدخل الشرطة هذه المرة وتوقف المظاهرة النسائية وتسيطر على الوضع.

وقالت الوكالة إنه حتى ظهر أمس كان الازدحام لا يزال قائما والشوارع الرئيسية والفرعية المحيطة بالمكان مغلقة تماما، وحركة السير معطلة، بينما تنتشر حالة سخط عارمة بين المتجمهرين.

وتتناقض مشكلات المواطنين مع تلق منتظم لرواتبهم مع حقيقة أن ليبيا إحدى الدول الغنية من واقع ما تحققه من عائدات مالية وتجارية ضخمة سنويا نتيجة تصدير النفط إلى مختلف أسواق العالم.

وأعلن القذافي مؤخرا في القمة الأفريقية التي عقدت في العاصمة الأوغندية كمبالا أن بلاده لديها وفرة مالية تبلغ نحو 90 مليار دولار أميركي وأنها تبحث عن سوق لاستثمار هذه الأموال، معتبرا أن السوق الليبية لا يمكن أن تستوعب هذه الأموال الضخمة وأنها في المقابل لا تستوعب سوى جزء منها فقط. وقالت تقارير إن ليبيا أودعت نحو 65 بليون دولار تضمها صناديق للثروة السيادية في محفظة من الاستثمارات في شركات أوروبية كبرى ومشاريع في أفريقيا حيث تريد طرابلس تعزيز نفوذها الدبلوماسي.