معارضة متزايدة من المجتمع المحلي لبناء مساجد جديدة في أميركا

في أعقاب حملة لمنع بناء مسجد بالقرب من مركز التجارة العالمي

TT

في الوقت الذي تستعر فيه المعركة حول بناء مسجد بالقرب من موقع حطام برجي مركز التجارة العالمي في جنوب مانهاتن، اندلعت مواجهات ساخنة في المجتمعات المحلية في جميع أنحاء البلاد، حيث قدمت طلبات لبناء مساجد في مواقع أقل شهرة بكثير. ففي مورفريسبورو بولاية تينيسي، رفض مرشحون جمهوريون بناء مركز إسلامي كبير؛ حيث قام المتظاهرون بمسيرة وعقدوا اجتماعا لمجلس المقاطعة. وفي أواخر يونيو (حزيران) اصطحب أعضاء من حركة الشاي في تيميكولا بولاية كاليفورنيا الكلاب وحملوا لافتات الاعتصام إلى صلاة الجمعة في مسجد يسعى لبناء دار عبادة على قطعة أرض قريبة. وفي شيبويغان بولاية ويسكنسون، قاد عدد من القساوسة المسيحيين مسيرة ضد جماعة إسلامية تسعى للحصول على تصريح بإقامة مسجد في متجر سابق للطعام الصحي اشتراه طبيب مسلم. في السابق عندما كانت الأحياء ترغب في رفض إقامة مساجد للمسلمين كانت تتحجج بالمخاوف من تعطل حركة المرور وركن السيارات والضوضاء - وهي ذات الأسباب التي قد يعترضون عليها لدى بناء كنيسة أو معبد يهودي - لكن المعارضة في الوقت الحالي باتت علنية وارتدت ثوبا جديدا. هذه المناوشات المحلية تدلل على اتساع نطاق النقاشات حول ما إذا كان السبيل الأمثل لتحقيق القيم الديمقراطية الأميركية يتمثل في منح المسلمين نفس الحرية الدينية التي يتمتع بها باقي الأميركيين أم في التضييق على دين ينظر إليه على أنه موضع تهديد. وقال إحسان باغبي، أستاذ الدراسات الإسلامية المساعدة في جامعة كنتكي: «الاختلاف عن السابق يتمثل في حدة وحجم ومستوى العداء. ربما يكون في الاعتراض على بناء المسجد سبب، لكن الأمر يختلف عندما تقول إن هذه المساجد ستفرخ الانتحاريين وأن الإسلام دين غزو، وأن المسلمين يقوضون الحضارة». تغذية المعارضة باتت صناعة مزدهرة متنامية للمؤلفين وأصحاب المدونات - بعضهم كانوا مسلمين سابقين - الذين دعوا إلى التحدث في المؤتمرات، وباعوا كتبا وتحدثوا في الكنائس، وكانت رسالتهم أن الإسلام عنيف بطبيعته ولا يتلاءم مع الولايات المتحدة. لكن هذه المزاعم لم تمض دون رد. ففي كل مدينة يقوم مجلس أديان يقوده قساوسة بروتستانتيون كاثوليك وحاخامات ورجال دين من الأديان الأخرى بالدفاع عن المساجد لكنهم عادة ما يكونون أبطأ في تنظيم أنفسهم أكثر من المعارضين لبناء المساجد، لكن أعدادهم تتضاعف باستمرار. المسجد المقترح في الموقع القريب من موقع حطام مركز التجارة العالمي جنوب مانهاتن اجتاز العقبة الأخيرة الأسبوع الماضي أمام لجنة الحفاظ على معالم المدينة، وحيى عمدة المدينة مايكل بلومبيرغ قرار اللجنة بخطبة مؤثرة على الحرية الدينية. وعلى الرغم من دعم المجموعات الدينية المشروع فإن المعارضين ضموا إلى صفوفهم منظمة «أنتي ديفاميشن ليغ» اليهودية المؤثرة، وشخصيات جمهورية بارزة مثل سارة بالين ونويت غينغريتش رئيس مجلس النواب السابق. هناك نقاش أصغر حجما يدور في تيميكولا، حوالي 60 ميلا شمال سان دييغو، التي تفيض بشعور معاد للدين والسياسة والهجرة. ويقول محمود حمروش، الإمام والمحاضر في جامعة ولاية كاليفورنيا، في سان برناردينو، إن الجالية المسلمة توجد في المدينة منذ 12 عاما وهناك نحو 150 أسرة مسلمة، ضاق بهم مكان الصلاة في أحد المستودعات. وهو ما دفع الجالية المسلمة في المدينة إلى استغلال مساحة 25.000 قدم مربع كانت قد اشترتها عام 2000 لتقيم عليها مسجدا ومساحات لفصول دراسية وملعبا. وأوضح حمروش أن الجالية المسلمة ساهمت في بنك الغذاء المحلي وأرسلت شاحنات محملة بالغذاء إلى نيوأورليانز في أعقاب إعصار كاترينا وشاركت في الأمسيات الموسيقية وحفلات عيد الشكر من مجالس الأديان المختلفة المحلية. وقال: «نقوم بكل هذه الأنشطة ولا أحد يلاحظ، ولأننا نقوم ببناء المسجد الآن تكالب الجميع علينا وصرنا موضع اتهام».

أثارت خطة بناء المسجد انزعاج مجموعة صغيرة من الناشطين، فتقول ديانا سيرافين، الجدة التي فقدت عملها في مجال الدعم التقني، إنها تواصلت مع الأعضاء الآخرين في حركة حفل الشاي والتنظيمات المعارضة للهجرة. وتشير إلى أنهم يقرأون كتبا أعدها منتقدون للإسلام تشمل مسلمين سابقين مثل وليد شعيبات ووفاء سلطان ومنوشهر باخ، كما حضرت أيضا اجتماعا للجنة المحلية لمنظمة «آكت فور أميركا» ومقرها فلوريدا التي تقول إن هدفها هو حماية الحضارة الغربية من الإسلام. وتقول سيرافين: «عندما علمت أن المسلمين سيشكلون أغلبية خلال 20 عاما عبر معدل المواليد الحالي، وأن هدفهم هو حمل الكونغرس والمحكمة العليا على تطبيق الشريعة، شعرت بالقلق كوالدة وجدة فأطفالي وأحفادي سيخضعون لذلك».

وأضافت: «أنا أؤمن بأن لكل فرد الحق في اختيار الدين، لكن المشكلة في الإسلام لا تكمن في الدين، بل في أنه حكومة سياسية وهذا أمر مناقض للدستور 100 في المائة».

كانت سيرافين واحدة من بين 20 إلى 30 شخصا قاموا بمظاهرة ضد المسجد اصطحبوا معهم الكلاب لاستفزاز المسلمين الذين يعتبرون الكلاب نجسة، وانضم إليهم في تلك المسيرة 75 شخصا من المعارضين لإقامة المسجد، ولم يجد مجلس المدينة حلا سوى تأجيل جلسة الاستماع حول إمكانية منح تصريح إقامة المسجد. غير أن لاري سلوسر، الذي يتبع طائفة المورمون وسكرتير مجلس الأديان في موريتا وتيميكولا، دعم المسلمين بالقول: «أنا أعرفهم، فهم أناس جيدون لا يحملون ضغينة لأحد، وهم أميركيون صالحون وقادة في مجال عملهم. لكن المحتجين يخشونهم لأنهم لا يعرفونهم». وأوضح سلوسر أن الحرية الدينية في الولايات المتحدة تقع الآن على المحك، مشيرا إلى أن هؤلاء الأفراد أميركيون ويستحقون الحصول على دار عبادة لهم كأصحاب أي دين آخر. وقد خلصت الدراسة التي أجراها مجموعة من الأكاديميين عن مسلمي أميركا والإرهاب إلى أن المساجد الحالية تعمل كحائط صد في مواجهة انتشار الإسلام الراديكالي والإرهاب. أجرى الدراسة أساتذة في كلية ستانفورد للسياسة العامة بجامعة ديوك وأساتذة من جامعة كاليفورنيا. وكشفت الدراسة أن كثيرا من أئمة المساجد بذلوا جهودا كبيرة في محاربة الإرهاب عبر تقديم برامج للشباب ورعاية المنتديات المناهضة للعنف ومراجعة المعلمين والنصوص الدينية.

* خدمة «نيويورك تايمز»