البروفسور محمد خليل لـ «الشرق الأوسط»: المفوضية لن تسمح بأي تدخل أو تأثير على مجريات استفتاء جنوب السودان

رئيس مفوضية الاستفتاء السوداني: الرقابة الدولية والإقليمية ضرورية لصالح نزاهة وحيدة النتائج

TT

أكد رئيس مفوضية الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان البروفسور محمد إبراهيم خليل، أن «المفوضية لن تسمح لأي محاولة للتدخل في مجريات الاستفتاء أو التأثير على أي المستويات». وكشف خليل في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» عن أن الدستور نص على صدور قانون الاستفتاء في مايو (أيار) 2007، أي قبل 42 شهرا من إجرائه في مطلع 2011، ولكن القانون صدر في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2009، والمفوضية شكلت في 29 يونيو (حزيران) 2010 وأمامها 5 أشهر فقط لإنجازه. وأضاف خليل أنه يمكن تأجيل الاستفتاء بموافقة الشريكين - الحكومة الاتحادية وحكومة الجنوب - ولكن الدستور واتفاقية السلام ينصان على إجراء الاستفتاء خلال 6 أشهر قبل نهاية الفترة الانتقالية في يناير 2011. ونبه خليل على أن اتفاقية السلام والدستور ينصان على خيار الوحدة الجاذبة، وأن مسؤولية المفوضية الإشراف على الاستفتاء بجدية ونزاهة وشفافية ومصداقية.

وأوضح خليل أن البرلمان المنتخب في الجنوب لا يستطيع إعلان الاستقلال أو الانفصال من داخل البرلمان لأن الدستور ينص على الاستفتاء وتقرير المصير.

واستبعد رئيس المفوضية للاستفتاء حدوث طعن في نتائج الاستفتاء ما دامت إجراءاتها شفافة وسليمة وعلى المستويات كافة، وأكد على أن قانون الاستفتاء يكفل ويوفر مناخ التعبير الإيجابي ويحظر إشعال الفتن الدينية والترويج للنعرات العنصرية، ونفى أن يكون إجراء الاستفتاء ونتائجه قفزة في الظلام فالأمور كلها جلية وواضحة بدءا من اتفاقية السلام والدستور والترتيبات اللاحقة لإجرائه، بما فيها إعلان النتائج، برقابة إقليمية ودولية.

وقال خليل إن نتيجة الاستفتاء في حالة غلبة خيار الانفصال على الوحدة لا تقع مسؤوليتها على المفوضية وإنما على أداء الشريكين والقوى السياسية، لأن اتفاقية السلام نصت على خيار الوحدة، وأن مهمة المفوضية هي توفير الأجواء الإيجابية لتمكين الناخب الجنوبي من الإدلاء بصوته بإرادة حرة.

وفيما يلي نص الحوار:

* هل يسمح الزمن المتبقي - أقل من 5 أشهر - لإجراء استفتاء عام بحجم تقرير مصير الجنوب؟

- لمعرفة حجم المشكلة، لا بد من التذكير بأن الذين تفاوضوا وتوصلوا إلى اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي حددوا في الدستور الانتقالي في المادة «220» أنه يتعين على الهيئة التشريعية القومية أن تصدر قانونا للاستفتاء وتقرير المصير في أوائل السنة الثالثة من الفترة الانتقالية في يوليو 2007 مما يبرز ضخامة مهمة الاستفتاء وأنها تحتاج إلى كل هذا الوقت، أي نحو 42 شهرا لاستفتاء دقيق ومنضبط وشفاف ويتصف بالمصداقية التامة، ولا يحتمل أيما نوع من الخلل في الإجراءات. فعنصر الزمن الكافي مهم، وضيق الوقت وضعفه يخلق مشكلات.

* كيف تسير الأمور الآن؟

- الواقع الآن أن القانون - أي قانون الاستفتاء - لم يصدر إلا في 31 ديسمبر 2009 ومفوضية الاستفتاء شكلت في 29 يونيو 2010، وحتى الآن المفوضية ليس لديها مقر ولم يعين الأمين العام للجهاز التنفيذي للمفوضية ولم تعد الميزانية أو الهيكل الإداري الخاص بالمفوضية.

* كيف يمكن مواجهة الموقف في إطار الزمن الضيق المحدود؟

- لا بد أولا من نشر الكشف النهائي للناخبين في مدى 3 أشهر (أكتوبر/ تشرين الأول، نوفمبر/ تشرين الثاني، ديسمبر) والقانون ينص على فترة للناخبين في السجل الأولي والاطلاع عليه قبل الانتقال للسجل النهائي، وقد تكون هنالك طعون في القوائم والفصل فيها يتم بواسطة المحكمة وأمامنا الآن 5 أشهر و9 أيام لإنجاز مهمة كبيرة وتعيين الأمين العام والجهاز الإداري ووضع الميزانية وتقديمها إلى رئاسة الجمهورية.

* ألا يخول القانون للمفوضية اتخاذ قرار بالتأجيل في إطار ما هو مطلوب في زمن مناسب؟

- يجوز للمفوضية بموافقة الحكومتين، الحكومة الاتحادية وحكومة الجنوب، تأجيل الاستفتاء ولكن هناك مشكلات أخرى، وهي أن الدستور واتفاقية السلام الشامل ينصان على أن يجري الاستفتاء في 6 أشهر قبل نهاية الفترة.

* كم عدد أعضاء المفوضية التي تتولى الإشراف وتنفيذ الاستفتاء وتقرير المصير للجنوب؟

- تتكون المفوضية من 9 أعضاء بمن فيهم الرئيس ومقرها الخرطوم، واتفق الشريكان (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، أو الحكومة الاتحادية وحكومة الجنوب)، أن يكون 5 من أعضاء المفوضية بمن فيهم نائب رئيس المفوضية من الجنوب و4 من الشمال بمن فيهم رئيس المفوضية. وتوجد 5 أجهزة منها الجهاز الخاص بتحديد مراكز أو مواقع الاقتراع طبقا للكثافة السكانية أو مجموعات الناخبين المؤهلين للاقتراع في الاستفتاء، في الشمال (السودان) والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ومصر وإثيوبيا وكينيا وأوغندا.

* هل يحدد قانون الاستفتاء ضوابط لوجود مركز للاقتراع؟

- نعم، القانون ينص على وجود مراكز في أي موقع يوجد فيه 20 ألف ناخب أو أكثر مؤهلين للتصويت، ونعمل لكي نتجنب بعض الصعوبات التي واجهت الناخبين في الانتخابات العامة، فمثلا لم تتوافر مراكز اقتراع وأماكن ذات كثافة للناخبين المؤهلين في الولايات المتحدة مما اضطر الكثيرون إلى التوجه إلى واشنطن حيث مركز الاقتراع، ولذلك يأتي الحرص على تهيئة مراكز للاقتراع للوصول إليها دون مشكلة.

* ألا يمكن تمديد فترة الاستفتاء بما يتيح الوقت المعقول لتنفيذ متطلباته؟

- الشريكان، الحكومة الاتحادية والحكومة في الجنوب، أي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، بمقدورهما بالاتفاق معا ومع القوى السياسة الاضطلاع بذلك.

* هل تبدي المنظمات الدولية والإقليمية اهتماما باستفتاء الجنوب؟ وهل هنالك تدخل من جانبها؟

- الواقع أن المنظمات الدولية وبوجه خاص الأمم المتحدة أبدت نيات حسنة واستعدادا لتقديم مساعدات مادية وفنية وخبرات، وقد قلنا لهم إن لدينا خبرات، فالسودان من أوائل الدول التي عرفت الانتخابات قبل أكثر من نصف قرن، ولدينا كفاءات إدارية وقانونية، وإن أهل مكة أدرى بشعابها، ولدينا قوانين متكاملة، ولكن بمقدورها المساعدة في الجوانب الفنية والتقنية لعمليات الاقتراع ولا يوجد تدخل من أيما جهة، ولن نسمح بأي محاولة للتدخل في مجريات الاستفتاء أو التأثير على أي مستوى.

* هل تعتقد أن الأجواء السياسية، محليا وإقليميا ودوليا، تمثل مناخا ملائما للاستفتاء؟

- لا بد أن نضع في الحسبان أن الاستفتاء يمثل قضية كبيرة وفاصلة، وتهيئة الأجواء الإيجابية على المستويات كافة تعتبر ضرورية وحيوية، ولا بد من تلافي المشكلات والمعوقات، التي قد تقود إلى سوء فهم وقد يفضي ذلك إلى تشويش، ولا بد من إشارة إلى ما قام به أحد حكام ولايات الجنوب، حيث جمع جماهير الولاية ودعاهم للتصويت للانفصال قبل بدء الاستفتاء، وليست هذه الطريقة الصحيحة ولا الصائبة، لأن اتخاذ القرار يتم عبر إدلاء الناخب بصوته في صندوق الاقتراع دون ضغوط أو تخوف أو ترغيب.

* هل قانون الاستفتاء يكفل الحريات العامة لجميع الأطراف للتعبئة والدعوة للخيارين.. الوحدة أو الانفصال؟

- أولا في إطار الاستفتاء لأهل الجنوب، لا بد من تهيئة الأجواء لإبداء الرأي وحرية التعبير، وذلك لا يعني إشعال الفتنة الدينية أو الترويج للنعرات العنصرية من نوع ما بدر من بعض الجهات، والقانون يكفل حرية التعبير للوحدة أو الانفصال مع ملاحظة أن الدستور واتفاقية السلام الشامل ينصان على الوحدة، وأن على الشريكين، وكذلك القوى السياسية كافة، تركيز الجهود نحو خيار الوحدة، وكعمل سياسي فإن مفوضية الانتخابات لا تتدخل فيه ولكن تتمنى أن يحدث، ومهمة المفوضية توفير المناخ الإيجابي الشفاف والمحايد والمنضبط لتسهيل وتمكين الناخبين المؤهلين كافة للإدلاء بأصواتهم بحرية تامة، «وليس لدينا صلة بالنتائج التي يتحكم فيها الناخب وصندوق الاقتراع»، ونأمل من الحكومة الاتحادية ومن حكومة الجنوب أن ينأوا عن أي فعل من نوع ما حدث في شرق الاستوائية، حرصا على القانون والنظام وتأمين المناخ الإيجابي للاستفتاء. كما نأمل في توفير الثقة المتبادلة وبث روح التعاون من الأطراف كافة لجعل الاستفتاء مظهرا حضاريا متقدما ومنضبطا، وسأسعى من جانبي لخلق أجواء الثقة والتعاون الإيجابي داخل المفوضية، فمن دون التعاون والتفاهم يصعب التغلب على الصعاب التي تكتنف المهمة الشاقة والفاصلة والتاريخية.

* هل ستكون هنالك رقابة دولية وإقليمية على عملية الاستفتاء؟

- نعم، ونحن نشجع على وجود الرقابة الدولية والإقليمية ومتابعة لصيقة لجميع إجراءات الاستفتاء ليكون الاستفتاء مقبولا ومقنعا للسودانيين وللعالم، لاحترام نتائجه وإرادة الاختيار الحر.

* من يحق له الإدلاء بصوته في الاستفتاء؟

- كل من ولد من أب وأم في الجنوب منذ عام 1956.

* ما هو وضع الجنوبيين في الشمال؟

- هم مؤهلون ويحق لهم المشاركة في التصويت، ولكن عليهم في حالة التصويت أن يسجلوا في الجنوب.

* هل يمكن للبرلمان المنتخب إعلان الاستقلال من داخل البرلمان حسبما أعلنت بعض القوى السياسية في الجنوب على غرار ما حدث في مطلع 1956؟

- حسب الوضع القانوني الخاص بالجنوب، وفي إطار اتفاقية السلام الشامل والدستور لا يستطيع ذلك إلا في حالة موافقة الأطراف كافة على تعديل الدستور، ولا بد من مراعاة نصوص اتفاقية السلام ونصوص الدستور التي جعلت القرار عبر الاستفتاء الحر المباشر، تشرف عليه مفوضية الاستفتاء بوجود رقابة دولية وإقليمية.

* هل يمكن الطعن في الاستفتاء باعتباره سابقة في تدشين التجزئة والانفصال؟

- لا يمكن الطعن في الاستفتاء ونتائجه ما دامت سليمة في مستوياتها كافة وما دامت ملتزمة بنصوص الاتفاقية والدستور، وتمت بشفافية ونزاهة إلى جانب الإجماع السياسي على الاستفتاء الذي يصعب نقضه.

* هل أبدت أي قوى سياسية داخل الجنوب اعتراضا أو تحفظا على الاستفتاء بسبب الأوضاع الداخلية؟

- لا علم لي بذلك.

* ما هو رد الفعل في حالة وقوع الانفصال؟

- إذا أسفرت النتيجة عن وحدة طوعية فإن ذلك سيكون مهما جدا بالنسبة إلى السودان ومستقبله، وكذلك على المستوى الإقليمي، أما إذا كانت النتيجة هي الانفصال فإن ذلك بدوره سيكون حدثا مهما في تاريخ البلاد وستترتب على ذلك نتائج وتداعيات، ونتيجة الاستفتاء لا تقع تبعاتها أو مسؤوليتها على مفوضية الاستفتاء لأنها هي المنوط بها إجراؤه في حيدة ونزاهة وشفافية، ونتيجة الاستفتاء تتوقف على أداء شريكي اتفاقية السلام الشامل ومعها الدستور، وواجب الحكومة والمعارضة أن تعملا على جعل الوحدة جاذبة، والناخب له القول الفصل للإدلاء برأيه بحرية تامة، والمفوضية مسؤولة عن توفير المناخ الإيجابي المطلوب.

* هل يعتبر إجراء الاستفتاء ونتائجه قفزة في الظلام؟

- لا بالطبع، لأن الاستفتاء نص عليه الدستور واتفاقية السلام الشامل ويستند إلى قانون وتشرف عليه مفوضية ويتاح لكل الناخبين المؤهلين حق التصويت لخيارهم وبرقابة محلية وإقليمية ودولية، والنتائج تعلن للجميع لا قفزة في الظلام، فالأمور كلها جلية وواضحة.

* على من تقع مسؤولية تأمين وسلامة الاستفتاء؟

- الأجهزة الأمنية مسؤولة عن تأمين وسلامة الاستفتاء، وقد أثبتت كفاءتها وجدارتها ويقظتها في توفير أجواء السلامة للانتخابات العامة في أبريل (نيسان) الماضي.