موعد إنهاء العمليات القتالية الأميركية تغلفه الضبابية.. وقادة ميدانيون يستبعدون تغير الكثير

نهاية أغسطس مجرد وفاء بوعد انتخابي لأوباما.. والقوات المتبقية ستتصرف حسب المعطيات على الأرض

TT

عندما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما بداية النهاية للحرب الأميركية داخل العراق الأسبوع الماضي حملت إحدى عبارات كلمته، التي لم ينتبه إليها الكثير، تحذيرا. وهذه العبارة هي: «الحقيقة المرة هي أننا لم نر نهاية التضحيات الأميركية في العراق». وفي الحقيقة تمثل النهاية الرسمية «للقتال» في العراق والمحددة بيوم 31 أغسطس (آب) وفاء بوعد سياسي، وهو أنه بحلول الأول من سبتمبر (أيلول) ستنهي القوات الأميركية عملياتها القتالية وستنحصر مهمتها في تدريب القوات العراقية ومساعدتها في العمليات التي تقوم بها.

وبحلول 1 سبتمبر سينخفض عدد القوات الأميركية إلى 50000 جندي يمثلون جزءا من ست كتائب تدريب، وهو عدد أقل بكثير من الـ140000 جندي كانوا منتشرين في العراق عند تولي أوباما منصبه. وستتمركز القوات المتبقية في عدد صغير من القواعد العسكرية الكبيرة انسحبت إليها القوات بالفعل. إلا أن هذه القوات قد يتم الدفع بها للمشاركة في عمليات قتالية وذلك بحسب المعطيات حولها. ولكن هذا الاحتمال تراجع ليكون في حالة الطوارئ - التي تأمل إدارة أوباما أن تكون مستبعدة - بعد أن كانت المهمة الرئيسية لهذه القوات.

ويبدو هذا بالنسبة إلى القوات الأميركية مؤشرا على بداية فترة من الضبابية، خاصة في ظل تعثر العملية السياسية في العراق منذ شهور. ولكن ماذا سيحدث إذا، على سبيل المثال، تحولت الأزمة السياسية العراقية إلى نزاع مسلح؟ وماذا لو استعاد تنظيم القاعدة في العراق السيطرة على عدد من الأحياء أو القرى؟ وماذا ستفعل القوات الأميركية إذا قامت قوات الأمن العراقية بانقلاب؟

ولكن على الرغم من أن هذه الأشياء غير محتملة، فإن القائد المنتهية ولايته للقوات الأميركية في العراق الجنرال راي أوديرنو قد أوجد بعض المرونة للاستجابة داخل الهيكل العسكري الذي سيسلمه لخليفته الجنرال لويد جي أوستين يوم 1 سبتمبر. وفيما يتعلق بإحدى النقاط الساخنة المحتملة، على طول الخط الفاصل بين العرب والأكراد في شمال العراق، على سبيل المثال، يترك الجنرال أوديرنو مقر لواء قتالي - وهو مقر لضباط القيادة وليس للقوات القتالية نفسها، وسوف يبقى هذا المقر بمدينة كركوك، التي يتنازع عليها العرب والأكراد. وإذا ما كانت هناك ضرورة ملحة للعمل القتالي، يمكن لمقر القيادة بسهولة استدعاء لواء تدريب وإرساله في مهمة قتالية. وفي هذا السياق يقول السفير السابق للولايات المتحدة في العراق رايان كروكر: «أعتقد أن الجيش يرى أن البنود التي حددت دور النصح والمساعدة واسعة بالقدر الذي يمكن من القيام بما تريد القيادة الأميركية والقيادة العراقية، بما في ذلك الأعمال القتالية».

وفي حرب اعتبرت فيها اللغة أرضا للمعركة تماما مثل العراق نفسه - ولنتذكر عبارة «أنجزت المهمة» - هناك واقعان وراء هذه الحسابات، الأول هو أن الصراع الذي ما زالت القوات الأميركية متورطة فيه لم يتوصل العراقيون أنفسهم إلى حل له حتى الآن. والآخر هو أن العنف ما زال في مستوى عال، ولكن أقل بكثير مما كان عليه، وتبدو القوات العراقية الآن أكثر قدرة على التعامل معه بمفردها.

وبمعنى آخر، فإن أوباما كان فقط يؤكد من جديد بكل بساطة على بدء مرحلة الانتقال التي أعلنها العام الماضي. وقد تغير اسم المهمة في العراق الآن إلى العمل الذي تقوم به القوات الأميركية في العراق بالفعل منذ فترة، فقد وصلت كتائب التدريب إلى العراق منذ عدة أشهر وستغادر القوات القتالية القليلة المتبقية العراق بحلول 1 سبتمبر.

وفي غضون ذلك، فقد بدأت قوات الأمن العراقية - على الرغم مما تعانيه من ضعف وعدم احتراف وفساد - في تولي المسؤولية عن الأمن اليومي إلى حد بعيد وتركت الست كتائب الأميركية تقوم بعمليات التدريب والمساعدة عندما يطلب منها. ولم تعد القوات العراقية تطلب مساعدة القوات الأميركية على نحو متزايد.

وعلى سبيل المثال، عندما هاجم انتحاري مجموعة من الجنود غير النظاميين السنة المعروفين باسم «أبناء العراق» في الرضوانية الشهر الماضي مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 43 شخصا، أرسلت القوات الأميركية خبيرا في الطب الشرعي فقط.

وقد صرح الكولونيل روجر كلوتير، قائد اللواء الأول من فرقة المشاة الثالثة في القوات الأميركية ببغداد، في مقابلة قبل أيام من إعلان الرئيس حول إنهاء المهمات القتالية، قائلا: «لن يكون 31 أغسطس مختلفا في الواقع عن 1 سبتمبر»، إذ ستبقى قوات التدريب الباقية داخل العراق تحمل السلاح وتطلق النار عندما تشعر بالتهديد. وستستمر القوة الجوية الأميركية تجري عمليات استطلاع وتلقي القنابل وتطلق الصواريخ إذا وجدت القوات العراقية نفسها في موقف ضعيف. وستبقى وحدات خاصة تنفذ هجمات بحثا عن متمردين، مثلما يقومون داخل باكستان، ولكن مع أقل قدر ممكن من العلنية. ومثلما أشار الرئيس ستظل الدماء الأميركية تسقط على أرض أجنبية. وبالنسبة إلى الظروف الطارئة، يبدو أن معظم القادة العسكريين في الميدان يفضلون عدم الحديث عن الطريقة التي سيرد بها الأميركيون في حالات معينة. ودائما ما يرفضون الأسئلة ذات الصلة باعتبارها أسئلة افتراضية، على الرغم من أن الافتراضي داخل العراق يكون واقعا بدرجة كبيرة. وقال ستفياني سونو، وهو زميل بارز في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن الذي عمل في السفارة الأميركية في بغداد عام 2009: «لا أعتقد أن لديهم خططا للطوارئ لكل شيء يمكن أن يحدث».

وفي نهاية المطاف، فإن موعد 31 أغسطس الخاص بإنهاء «العمليات القتالية» ليس سوى موعد ألزم به أوباما نفسه سياسيا وهو في حد ذاته وفاء منه لتعهدات أطلقها خلال حملته الانتخابية لسحب القوات من هذه الحرب التي لا تحظى بشعبية. لكن هذا الموعد لم يكن قط ملزما قانونيا، مثل الموعدين اللذين تفاوض عليهما الرئيس السابق بوش مع القادة العراقيين قبل تولي أوباما منصبه. وقد التزمت الولايات المتحدة بالميعاد الأول عندما سلمت السيادة لقوات الأمن العراقية يوم 1 يناير (كانون الثاني) 2009، والموعد الآخر هو موعد الانسحاب النهائي لجميع القوات الأميركية من العراق بحلول 31 ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وبحلول 1 سبتمبر، وعندما يتغير رسميا اسم مهمة القوات الأميركية في العراق من «عملية حرية العراق» إلى «عملية الفجر الجديد»، سيكون عدد القوات الأميركية على الأرض أقل من أي وقت مضى منذ عام 2003. ولكن ستظل المخاطر، لا سيما بسبب الغموض بشأن متى وكيف يكون الرد العسكري في وقت لم يعد فيه «القتال» خيارا متاحا. وستتمركز القوات الأميركية المتبقية بالقرب من المدن الرئيسية، البصرة وبغداد والموصل، وستكون متاحة للتدخل حتى نهاية عام 2011.

وقد وصف اللفتنانت كولونيل غريغوري سيررا، قائد كتيبة بفرقة المشاة الثالثة في الجيش الأميركي، تطور جهود الحرب الأميركية في العراق، بوضع بعض الزبد على ساندويتشات ابنته بدرجة أقل مما تريد. ولإدراكه أن هذا قد يوحي بأن القوة المتبقية أقل من المطلوب للقيام بالمهمة، أشار إلى أن الزبد في هذه الحالة «مركز».

* خدمة «نيويورك تايمز»