أرواح عذبة فقدت في أفغانستان

قصة طبيب عيون أميركي وجرّاحة بريطانية واجها المخاطر حتى الموت بشجاعة

TT

تربى توم ليتل مع زوجته وبناته الثلاث داخل أفغانستان، وتمكن من تجنب الاختطاف إبان الاحتلال الروسي، واختبأ مع أسرته في الدور السفلي داخل منزله لمدة أشهر خلال حكم طالبان داخل أفغانستان في التسعينات من القرن الماضي، ونجا من هجمات صاروخية، وتحمل عمليات الاعتقال لسبب واحد، حسب ما يقول أصدقاء وأقارب، أنه يقدم رعاية طبية للأفغان المعدمين الذين يعانون من مشكلات في العين. وبعد أن قضى نحو أربعة عقود في أفغانستان، التي أصبح يُطلق عليها وطنا، سقط ليتل - وهو طبيب عيون عمره 61 عاما من شمال ولاية نيويورك - في كمين بينما كان عائدا من علاج بعض المواطنين داخل قرية نائية في محافظة نوريستان مع تسعة عمال إغاثة داخل الغابات. وكان مصيرهم القتل. وكانت معه الطبيبة البريطانية كارن وو، وهي جراحة ماتت عن 36 عاما من هرتفوردشير داخل إنجلترا تخصصت في أمراض النساء. وكتبت كارن على مدونتها إنها كانت تحب «الملابس المثيرة والأحذية ذات الكعب العالي»، وكانت لديها عاطفة تجاه مساعدة المواطنين الأفغان. ويتذكر الأصدقاء والأقارب والزملاء أنه عُرف عن الاثنين حماسهما للعمل الإنساني والتزامهما بالقضية التي يعتنقونها على الرغم من معرفتهما بالمخاطر. لقد كان ليتل يعمل منسق برنامج الرعاية البصرية التابع للمنظمة الوطنية لإعادة التأهيل البصري في أفغانستان، وكان يشرف على مستشفيات وعيادات، وكان يدرس طب العيون، وكان يدير الرعاية الطبية داخل بعض المناطق الريفية النائية. وقال جون ليتل (62 عاما)، شقيق الطبيب الرحال، من فلوريدا خلال مقابلة أجريت معه عبر الهاتف: «لقد وضع حياته على الجبهة بسبب ما كان يعتقد فيه. نعم، كان يشعر بالخوف في بعض الأحيان، ولكنه كان يرغب في مواجهة الخطر». كان ليتل والدكتورة كارن يعملان لدى مؤسسة «بعثة المساعدة الدولية»، التي تصف نفسها على موقعها بأنها «مؤسسة مسيحية خيرية دولية غير ربحية تخدم شعب أفغانستان». وقد وافق فريق فحص حكومي على المشاريع التي تقوم بها المؤسسة وعلى التمويل في يونيو (حزيران)، حسب ما ذكره الموقع. وكان ستة أميركيين وامرأة بريطانية وألماني وأربعة أفغان يعملون في مهمة المؤسسة داخل نوريستان وقت الهجوم على الرغم من أن المؤسسة لم تؤكد أن عمالها هم من تعرضوا للهجوم. وكانت الدكتورة كارن وو، التي كانت ترغب في أن تتزوج من رجل أعمال أيضا داخل أفغانستان، تنهي فيلما وثائقيا عن النظام الصحي داخل أفغانستان، وأسست المؤسسة الخيرية «بريدج أفغانستان» مع فيروز رحيمي، الصحافي لدى «بي بي سي وورلد سيرفيس». ويقول رحيمي: «كانت تريد الذهاب لإظهار الحياة في ظل أعمال العنف. لقد كانت امرأة طيبة جدا وملتزمة بما تؤمن به. وكانت تريد أن تحدث تغييرا».

قابل رحيمي الدكتورة كارن لأول مرة في عرض أزياء قبل عامين داخل لندن لصالح النساء داخل أفغانستان. وعلى الرغم من أن الدكتورة كارن كانت عداءة وراقصة بالية سابقة قبل أن تغادر إلى نوريستان، فقد أفشت إلى رحيمي أنها كانت تشعر بالقلق من الرحلة. وعرض الطبيب ليتل تفاصيل مشابهة داخل كنيسة لودونفيل في نيويورك عندما تحدث هناك الشهر الماضي. ويقول الراعي مايك مونلي: «كان قلب توم و(زوجته) ليبي ملتزما بالوصول إلى هؤلاء الذين لا يمكنهم الحصول على رعاية طبية. ولكنهما كانا حريصين جدا وكانا يعرفان مقدار حساسية ذلك».

واتهمت حركة طالبان، التي تبنت المسؤولية عن الهجوم، عمال الإغاثة بممارسة التبشير. ولكن مدير المؤسسة ديرك فرانز قال إنه على الرغم من أن المؤسسة مسيحية، فإن سياساتها تحظر القيام بالتبشير. وقال ديفيد إيفانز (57 عاما)، وهو صديق قديم لعائلة ليتل والمدير السابق للبعثات العالمية داخل كنيسة لودونفيل: «لم يقف العنف الدائر عائقا أمام ممارسة ليتل لما يرغب فيه». ويقول: «عندما دُمرت مستشفى العيون في هجوم صاروخي قال ليتل: هيا نلتقط الطوب واحدة واحدة ونعيد بناء المستشفى»، في إشارة إلى هجوم قال إيفانز إنه وقع في نهاية الثمانينات أو مطلع التسعينات. ويقول إيفانز، الذي صحب ليتل في إحدى المهام داخل أفغانستان، إن ليتل كان معروفا بسلوكه الهادئ. ويضيف: «كان توم صبورا جدا في التعامل مع المواطنين». وعلى مدى أعوام كانت زوجة ليتل تدرس داخل مدرسة دولية في كابل، وكانت تساعد زوجها كلما استطاعت القيام بذلك، حسب ما يقوله إيفانز. ويقول جون ليتل إنها كانت تتعافى من عملية جراحية في الكاحل، ولم تقم بهذه الرحلة الأخيرة داخل أفغانستان. وأشار جون إلى أن ليتل حصل عام 2007 على درجة علمية في طب العيون داخل بوسطن حتى يمكنه تدريس أحدث التقنيات داخل أفغانستان. ويقول جون إن بنات ليتل الثلاث - مولي ونيلي وكاتي - نشأن داخل كابل وذهبن إلى مدارس داخلية في الهند. وقد مضين على أثر الوالدين بصورة أو بأخرى. وتعمل كاتي طبيبة داخل تكساس، فيما عملت نيلي داخل أفغانستان لدى مؤسسة غير حكومية أشرفت على انتخابات 2005، وتعمل مولي لدى الأمم المتحدة، في الأغلب داخل العراق مؤخرا. وقد قامت كوني فريسبي هود، وهي مصورة حرة كانت في المدرسة العليا مع ليبي ليتل، بزيارة العائلة داخل أفغانستان عدة مرات. وكتبت هود على مدونتها عام 2005: «بمقدار كبير من روح الدعابة، روت عائلة ليتل قصصا عن حياتهم. وتحدثوا عن الهروب إبان الاحتلال السوفياتي من هيرات مع ثلاثة أطفال صغار كي يتجنبوا الأسر، وكيف قضوا في مطلع التسعينات أشهرا في الدور السفلي من منزلهم وكيف قادوا السيارة في ضواحي المدينة لتجنب القتال الطائفي في الجبهات حتى يمكنهم الاستمرار في تقديم الرعاية الطبية للمحتاجين».

وقد كانت هذه الروح الشجاعة شيئا مميزا لشخصية قيادية أخرى في المؤسسة: الدكتورة كارن، التي كتبت عن حياتها داخل أفغانستان في مدونتها. وفي يونيو (حزيران) عندما علمت أن اثنين من أصدقائها وزميلا ماتوا في حادث اصطدام طائرة داخل أفغانستان، كتبت عن حياتها داخل منطقة الحرب. وقالت: «لا يوجد شيء يقيني في الحياة. فلن يبقى ما تراه اليوم على حاله غدا».

* خدمة «نيويورك تايمز»