جيل جديد من الشباب يعيد تشكيل العمل الحكومي في واشنطن

ثلث المعينين حديثا تقل أعمارهم عن الثلاثين وأسلحتهم التكنولوجيا والإبداع والمجازفة

TT

هذه بعض الدروس التي تعلمها سبنسر كلارك خلال عمله ثلاث سنوات في الحكومة الأميركية، عندما يتوجه إلى اجتماع يجلس حول الطاولة حتى لا يعتقد أحد أنه متهرب، وهو يعلم متى يصمت، فأبناء الجيل الجديد، لديهم الكثير مما يقدمونه. هذا الشاب متقد الحماس (27 عاما)، يركب دراجته كل صباح حاملا معه جهاز كومبيوتره المحمول إلى عمله في إدارة الحد من الأعمال الكتابية في وكالة حماية البيئة ليسهم في إعادة كتابة واحدة من أقدم الأعراف في واشنطن.

الكثير من العاملين الشباب قدموا هنا في موجة التوظيف، حيث تأمل إدارة الرئيس باراك أوباما توفير ما بين 50 و60 ألف وظيفة بداية العام المقبل وهو أضخم إنجاز منذ إدارة كيندي. تحاول الإدارة الحالية توفير وظائف في مجال الأمن والصحة العامة والدفاع، وتعزيز المزيد من الوظائف التي يقوم بها متعاقدون من خارج الحكومة.

السبل الموصلة إلى الوظائف الأولية والمتوسطة تفتح سريعا، حيث يقترب من نصف مليون موظف من أبناء الجيل الجديد، والعاملون القدامى يقتربون من سن المعاش خلال السنوات الأربع المقبلة. أبدى الجيل الجديد من الموظفين الفيدراليين بعد معاينتهم الاستجابات الحكومية لأزمات مثل إعصار كاترينا، والتسرب النفطي في خليج المكسيك، القيام بدور نافع. فواحد من كل ثلاثة موظفين على الأغلب من بين 142 ألف موظف تم تعيينه العام الماضي كان يبلغ من العمر (29 عاما) وربما أقل، في حين كان واحد من كل أربعة بين الثلاثين والتاسعة والثلاثين، وهي ديموغرافية بدأت تعيد تشكيل الهيكل الحكومي، وتخلق توترا وفرصا على طول الطريق. ويتوقع أن يصل عدد الموظفين الفيدراليين الأصغر من 35 عاما خلال عشر سنوات إلى 400 ألف موظف من بين مليونين.

وعلى الرغم من سوء التوقعات بالنسبة لخريجي الجامعات من الأميركيين داخل القطاع الخاص، فإن القادة الحكوميين يرون فرصة في جذب كفاءات جديدة للعمل في منظمات مثل «تيتش فور أميركا» و«مؤسسة السلام».

وعلى الرغم من جرأتهم، فإن الموظفين الفيدراليين الجدد يعلمون أنهم يسيرون في ركاب جيل المجتمع العظيم الذي رعى برامج مثل الرعاية الطبية والمساعدات الطبية، وأرسل أول رجل إلى القمر وأنشأ الوكالة التي يذهب إليها كلارك كل يوم على دراجته. وهم يعلمون أيضا أن جيل الطفرة، يحمل إحساسا بالمهمة، وسيحملون الخبرة والذكرى المؤسسية أينما ذهبوا.

وعلى الجانب الآخر، يبدي الجيل الجديد رغبة كبيرة في المجازفة، فهم لا يرغبون في أن يكونوا كما مهملا إلى الأبد. فهم يتوقعون أن تتم استشارتهم وإشراكهم، مثلما كان الحال طوال الفترة السابقة في سلسلة الإدارة هنا. الجيل الجديد هنا مواطنون رقميون، أيضا، يرغبون في إدارة عقود الاستحواذ على «تويتر»، ويعتقدون أن الحوسبة السحابية هي مستقبل خدمات العملاء. وقال كلارك، الذي كانت وظيفته الأولى في العمل الحكومي، أمين مكتبة في مدرسة ثانوية: «صحيح أنني أكابد الكثير من العمل الحكومي، لكني قدمت إلى هنا من أجل المهمة». وظيفة كلارك هي المساعدة في خفض عبء العمل الورقي على العامة، قد عمل من قبل في نقابة العمال، واشتغل لعامين كمعلم في فرنسا بعد الجامعة إلى أن استدعته وكالة حماية البيئة قبل ثلاث سنوات. ويبدي كلارك حبا كبيرا لمهمة الوكالة الرامية إلى الحفاظ على صحة الأفراد والبيئة. هناك الكثير من الشباب الذين أوصلوا الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض، حيث كرر دعوة الرئيس الأميركي جون كيندي إلى الخدمة قبل 49 عاما، وتعهد بأن يكون العمل الحكومي مربحا مرة أخرى. وقال تيموثي سوميلا، (31 عاما)، ضابط خفر السواحل، خريج كلية كيندي بجامعة هافارد، والذي عمل ست سنوات في البحر، قبل أن ينتقل للعمل كمراجع برامج في مكتب الميزانية: «شهدنا عدم قصور في الحكومة ونرغب الآن في إصلاح ذلك. فقد تحدث آباؤنا عن المطالبة بوجهات نظر إدارية ديناميكية لكنهم أحبطوا، والحكومة لا تملك الآن وجهة نظر إدارية ديناميكية».

ومع زوجة شابة تشرف على فريق تنظيف البقعة النفطية في خليج المكسيك، ومع عدم وجود أطفال، يوفر سوميلا بضع ساعات بعد العمل الحكومي لحضور محاضرات القادة الحكوميين الشباب، وهي مجموعة مهنية تأسست عام 2003 وقد أنشأت ستة أفرع، بداية من ريتشموند إلى دنفر، يشارك فيها 1800 عضو. يتحاور الجيل الجديد من الموظفين الفيدراليين على صفحة «فيس بوك» خاصة بهم، دشنها موظف تقنية معلومات يبلغ من العمر (28 عاما) ويعمل في وزارة الأمن الداخلي. أرسل ستيف رسلر بفكرته الخاصة بإنشاء جمعية على الإنترنت إلى خمسة من أصدقائه بعد العمل في يونيو (حزيران) 2008. انتشر موقع «غوف لوب» (GovLoop) بسرعة إلى حد أن شركة تبنت الموقع العام الماضي، ووصل عدد أعضاء غرفة الدردشة إلى 32 ألف شخص. ويقول رسلر، الذي يدير الآن الموقع بدوام كامل: «الحكومة مختلفة الآن. فلماذا لا يقوم الأفراد بتقديم التقارير عن الحالات الطارئة على (تويتر)؟ أو التقاط صورة حفرة في الطريق على هواتفهم الجوالة؟».

العمل على الإنترنت عمل شخصي، لكنه أيضا وسيلة يعتقد الجيل الجديد أن على الوكالات الأخذ بها، وأنها نابعة من داخلهم ومشاركة الأفكار. وقال جون بيري، رئيس شؤون أفراد في مؤسسة حكومية: «إنهم يسعون إلى التطور ويريدون معرفة ردود الفعل. عادة ما يجدون بعض الأدوار التقليدية ضيقة الأفق، ويقولون: لماذا يجب علينا لبس القبقاب للعمل؟ وقد قلت لهم أنا لا يهمني ما ترتدي أثناء العمل، طالما أنك لن تحضر اجتماعا في البيت الأبيض».

قام بيري بتعيين مستشار خاص يبلغ من العمر 27 عاما، حصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال لتطوير استراتيجية لتوظيف طلبة الجامعة في الحكومة. وقد انضم مات كولير إلى جماعة تمثل وكالات من وزارة الخارجية إلى خدمات الدخل الداخلي، وسرعان ما وصف بيري المجموعة بالفريق الرائع. ويشكل التعاقد مع الموظفين الشباب جزءا من مهمة الفريق الجديد.

يدرك بيري (51 عاما)، أن الجيل الجديد قادرون على دعم بعضهم البعض، وقال: «نحن نحب أن ننجز غالبية العمل بأنفسنا، وهم يريدون التعلم. كيف يمكنني القيام بذلك؟ الموظفون القدامى لا يرغبون في أن تتم إعاقتهم كل يوم للوقوف على رأيهم».

ومع استبدال الوظائف المكتبية بالتكنولوجيا، يبدو الموظفون الفيدراليون الجدد أكثر تعليما وسنا عما كان أسلافهم، فمتوسط أعمار الموظفين الجدد الآن (34 عاما) مقارنة بـ(31 عاما) في عام 1990، حسب قول خبراء شؤون الموظفين. فهم يحملون شهادات جامعية وخبرة في منظمات غير ربحية، وأدوا الخدمة العسكرية، والبعض يقول إنهم أحدثوا اختلافا عندما عرضوا على زملائهم القدامى طرقا أسرع في إنجاز العمل.

وقال كلارك: «قبل أن يقدم زملائي استراتيجية خفض العمل المكتبي للموافقة كانوا يقدمون لي مجموعة كاملة من الملفات عندما أكون في حاجة إلى شيء واحد منها». والآن يعمل كلارك في مراجعة النظام الداخلي لوكالة حماية البيئة لتسريع العملية. ونتجه لتطويره بكفاءة. النظام حصل على جائزة سبلاش من إدارة المياه. البعض قد يسمي وظيفته مثالا مصغرا على العمل الحكومي، لكن كلارك يسميه «حركة التماوج الداخلية للحكومة لخدمة المصلحة العامة».

وصل الجيل الجديد إلى نقطة تحول رئيسية الشهر الماضي، خلال القمة التي عقدت على مدار يومين في ولاية آرلنغتون، والذي حضره 250 موظفا. أفاد ذلك المؤتمر، «غوغل»، حيث قام الموظفون الفيدراليون الشباب بإبداء رأيهم في برنامج «غتنغ يور غيك أون» (احتراف أدوات التكنولوجيا) ومشروع «بروجكت ماناجمنت 101» (الطريقة المثلي لإنجاز الأعمال) ومشروع «ماندجين أب» (التأثير دون ممارسة السلطة). وقد تبادلوا عناوين البريد الإلكتروني وأسماء صفحاتهم على «تويتر». كان أغلبهم يحمل أفكارا، وكان كولير النجم الذي طلب من الحضور التحلي بالصبر والمثابرة والتعلم من الرؤساء في العمل وقال: «لأنهم على الأرجح واجهوا هذه المشكلات من قبل». وقدم كلارك مشروعه في نظام «الباور بوينت» على العمل على الإنترنت، وحث الجميع على استخدام الغذاء لتحويل وكالتك وعملك. كانت الفجوة بين الأجيال مصدر قلق كبير. وتساءل كيشا فورد، محلل برامج في إدارة أمن المواصلات خلال إحدى الجلسات: «كيف أتعامل مع التعليقات من المديرين مثل «لقد ولدت في عام 1962 والأفراد يشيرون إلى بالوسيط؟».

ردت سوني هستر مديرة رأس المال البشري في وزارة الخدمات الإنسانية، وأحد مواليد جيل الطفرة الجديد، أن الحوار الهادئ وسيلة حيوية. وقالت هستر، التي أحست بالضجر بين زملائها الجدد: «التغير الأكبر هو التساؤل بشأن الأمر الواقع». تحولت هستر إلى مشجع ومدرب يحتوي حماستهم مع تذكيرهم باستخدام اللغة الإنجليزية الملائمة في مراسلاتهم الإلكترونية وأن العالم عاش من قبل على استخدام ورق الكربون والفاكس. وقالت: «كان جرس الهاتف يدق وتضع الورقة في الأسطوانة وتنتظر المودم أن ينقل صفحة واحدة في ست دقائق، إنه علم الصواريخ».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»