طرابلس الغرب تفرج عن إسرائيلي متهم بالتجسس مقابل السماح لمساعدات ليبية بالوصول إلى غزة

في صفقة وسيطها محظور دخوله لإسرائيل

TT

في صفقة مركبة وقضية معقدة، تم إطلاق سراح مواطن إسرائيلي يهودي يحمل جنسية تونسية، بعد اعتقاله في ليبيا لخمسة اشهر بتهمة التجسس لصالح المخابرات الإسرائيلية. وقد سافر وزير خارجية إسرائيل، أفيغدور ليبرمان، خصيصا إلى فيينا الليلة قبل الماضية لكي يستقبل الأسير بنفسه. ثم عاد به إلى إسرائيل، في ساعة مبكرة من فجر اليوم. وقد تم إطلاق سراحه مقابل قرار إسرائيل السماح للسفينة الليبية بنقل مواد غذائية وطبية و20 بيتا مؤقتا إلى قطاع غزة.

والإسرائيلي الأسير هو رفائيل رفرام حداد، من مواليد تونس. كان قد هاجر إلى إسرائيل مع عائلته، ولكن عندما فتحت تونس الباب أمام عودة اليهود إليها، عاد إلى تونس واسترجع جواز سفره وأصبح رجل أعمال ناجحا فيها وحافظ على جنسيته الإسرائيلية وراح يتنقل بين البلدين. وفي شهر مارس (آذار) الماضي، اختفت آثاره بشكل مفاجئ فقلق عليه أهله وتوجهوا إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية قائلين إن ما يعرفونه عنه أنه سافر إلى إحدى دول شمال أفريقيا. وبعد يومين من الاتصالات توصلت الوزارة إلى قناعة بأن المواطن الإسرائيلي/التونسي، رفائيل حداد، اختطف أو يواجه خطر اختطاف من أحد تنظيمات الجهاد العالمي أو «القاعدة».

وهنا دخلت على القضية المؤسسة الإسرائيلية «مركز نور السلام»، وهي التي تأسست في أعقاب إعلان الرئيس الليبي معمر القذافي فتح بلاده أمام مواطنيها اليهود واعدا بإعادة كل ما خسروه برحيلهم إلى إسرائيل. وتضم هذه المؤسسة اليهود الإسرائيليين من أصل ليبي الذين يعملون على تعويض اليهود الليبيين عن ممتلكاتهم التي تركوها في ليبيا بعد هجرتهم إلى إسرائيل في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. وقد اعترفت المؤسسة بأن حداد دخل إلى ليبيا في مهمة أوكلتها إليه وهي تصوير وتوثيق كل المؤسسات اليهودية في ليبيا، من مقابر وكنس وبيوت وحوانيت ومشاغل وغيرها، قبل أن تندثر بفعل الطبيعة أو بفعل يد الإنسان.

وتبين أن حداد كان قد أرسل في مهمة مشابهة إلى ليبيا في سنة 2004، ولكنه في حينه لم يكملها، إذ ضبطه ضابط شرطة ليبي وهو ينفذ عملية التصوير والتوثيق فاعتقله. ومنذ ذلك الوقت وهو أسير في ليبيا.

وقد توجهت إسرائيل إلى كل من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، مؤكدة أن حداد ليس جاسوسا وطالبت بتدخلها لإطلاق سراحه، ولكن ليبيا لم تتجاوب معها، مصرة على أنه جاسوس. وتدخل بشكل شخصي، رئيس الوزراء الإيطالي، سلفيو بيرلسكوني، بطلب من نظيره الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ولكن عبثا. وقبل شهرين توجه وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إلى رجل الأعمال اليهودي النمساوي، مارتين شلاف، المعروف بعلاقاته مع نجل الرئيس الليبي، سيف الإسلام القذافي.

وشلاف هو شخصية مشبوهة في إسرائيل يحظر دخوله إليها. فهو من أصحاب كازينو أريحا المشتبه بتورطه في تقديم دعم مالي غير قانوني («رشوة»، حسب القانون الإسرائيلي) إلى رئيس الوزراء الأسبق، أرئيل شارون. وقد استدعي للتحقيق لدى الشرطة الإسرائيلية، سنة 2003، فلم يحضر. فاعتبر شخصية غير مرغوبة فيها بإسرائيل. وقد توفي والده في إسرائيل، في مطلع السنة، وطلب المشاركة في جنازته، لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت السماح له بذلك، إلا إذا وافق على التحقيق معه. فرفض وحرم من توديع والده. ومع ذلك، لجأ ليبرمان إليه طالبا مساعدته وممارسة نفوذه لدى القيادة الليبية فنجح. والثمن الوحيد الذي طلبته ليبيا بالمقابل هو السماح للسفينة الليبية بنقل حمولتها إلى غزة. فوافقت إسرائيل شرط أن لا تصل السفينة إلى ميناء غزة. وتم التنسيق مع مصر لتوصيل البضائع عبر العريش - رفح.

وخلال ليلة أول من أمس، استدعي شلاف إلى طرابلس وهناك تم تسليمه الأسير الإسرائيلي فاعتلى طائرته الخاصة وغادرا إلى فيينا، حيث كان ليبرمان ينتظرهما في المطار.

المعروف أن اليهود الليبيين في إسرائيل والخارج يعملون على إعداد قوائم طلبات تعويض من ليبيا، ليس فقط على ممتلكاتهم بل أيضا على معاناتهم جراء مغادرة «الوطن». وهم لم ينتهوا من إعداد القائمة، لكن حسب تقديرات أولية، فإنهم يطالبون بمبلغ 500 مليون دولار. وينوون التوجه إلى ليبيا وكذلك إلى إيطاليا التي كانت الدولة المستعمرة لها، بدفع تعويضات لعائلات 142 يهوديا قتلوا برصاص الشرطة في ليبيا إبان الحكم الإيطالي للبلاد (سنة 1945)، وذلك إثر اعتداءات غاضبة من المتظاهرين العرب ضد وعد بلفور، وزير الخارجية البريطاني، بإقامة وطن قومي لليهود.