استقبال بارد للمغتربين الإيرانيين في وطنهم الأم.. ومؤتمر لجمعهم انتهى بانقسامات

متشددون غادروا القاعة لدى عزف الموسيقى.. وبعضهم وصف الضيوف بـ«الخونة»

TT

طوال العام الماضي، والمحافظون هنا ينتقدون بشدة الدور الذي يقوم به المنفيون الإيرانيون، الذين ساعدوا في تنظيم سلسلة من الاحتجاجات ضد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2009 في جميع أرجاء العالم.

ولكن في الأسبوع الماضي، تحملت الحكومة الإيرانية تكلفة رحلة لثلاثة أيام، مدفوعة النفقات، لعدة مئات من الإيرانيين المغتربين «رفيعي المستوى» لزيارة وطنهم الأم.

وتأتي هذه الرحلة كجزء من حملة عالية المستوى، تهدف لتحسين صورة إيران المتدنية، وكسب بعض المغتربين، وأخيرا، وليس آخرا، اجتذاب بعض رؤوس الأموال الأجنبية التي يحتاج إليها بشدة الاقتصاد الإيراني في مواجهة الكثير من المشكلات.

وقد تم تنظيم حفلة موسيقية للترحيب بالضيوف، ألقى الرئيس، أحمدي نجاد، على مسامعهم خطابا متوددا، مليئا بالكلام الغريب وغير المناسب. كما تم تنظيم رحلة سياحية إلى الأماكن السياحية التي يرغبون في زيارتها، ولكن لم يمر الأمر كما تم التخطيط له.

وبحسب تصريحات في أبريل (نيسان) الماضي لمنظم الحدث، محمد شريف ملك زاده، فإن التجمع المعروف رسميا باسم «المؤتمر الكبير للإيرانيين المقيمين في الخارج» مبني على فكرة أن «وسائل الإعلام والمنظمات الكاذبة في الخارج قد خلقت انطباعا غير صحيح، بصورة جعلت بعض أبناء الوطن ليس لديهم صورة واضحة عن وطنهم إيران، بهدف رسم صورة سوداء للوضع في إيران».

ولكن لم يكد يصل الضيوف إلى طهران، إلا وانهالت عليهم تهم الخيانة من المتشددين. فقد انزعج بعض رجال الدين بسبب الحفل الموسيقي الذي نظم للضيوف، وكانت تعزف النساء فيه على الآلات الموسيقية التقليدية، جنبا إلى جنب مع الرجال. ووفقا لموقع الخبر، وهو موقع إيراني على شبكة الإنترنت، فإن العاصفة التي أثارتها الزيارة في وسائل الإعلام، دفعت مجلس مدينة طهران إلى إزالة كل اللافتات واللوحات الإعلانية المتعلقة بها.

وباختصار، فقد أكد المؤتمر على التناقض والازدواجية التي أصبحت جزءا من الثقافة السياسية الإيرانية منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979، والنزعة المتشددة المصحوبة بعدم ثقة في أولئك الذين يتجرأون على أن يكونوا خارج سربها. ونتيجة لذلك، انتهى هذا الحدث الذي كان يهدف إلى تحسين صورة إيران إلى إظهار الكثير من الانقسامات المريرة داخل البلاد.

إلا أن الحدث لم يكن بالنسبة لبعض الضيوف أكثر من رحلة لزيارة الأقارب، مدفوعة التكاليف من الحكومة التي يكرهونها. وقد ابتسم أحد الحضور ابتسامة عريضة عندما سئل عن هذا المؤتمر، واستطرد الرجل، وهو أستاذ في الهندسة، غادر إيران قبل 30 عاما، ويقيم حاليا في الولايات المتحدة، قائلا: «لقد أتوا ببضع مئات منا إلى هنا، وجميعنا يحمل شهادات دكتوراه وماجستير، فقط ليسمعونا دعايتهم الخاصة. ولكن الكثير منا أتى فقط ليرى عائلته».

وكان المتشددون قد انتقدوا الدورة الأولى من المؤتمر، التي عقدت العام الماضي، لكن الانتقادات هذا العام كان لاذعة، وأشد على وجه الخصوص.

وفي هذا السياق، شنت صحيفة «كيهان» اليمينية المتشددة، التي تعتبر، على نطاق واسع، لسان حال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، هجوما على إيرانيي الخارج في افتتاحيتها، قائلة: «إنهم يعتبرون الجمهورية الإسلامية بلدا غير متطور ومتعطشا للدماء. إنهم يرون أن هناك مشكلة في طبيعة النظام الإسلامي، ويرغبون في إلغاء دور المرشد الأعلى من الدستور».

وقد أثارت صور الحفل الموسيقي، الذي تظهر فيها نساء يرتدين غطاء شعر غير مربوط بالطريقة التي يجب أن يكون عليه في الحفلات الحكومية، غضب الكثيرين، بعدما تم نشرها على مواقع المتشددين على الإنترنت. ووفقا لموقع «تبناك» الإيراني، فقد انسحب من الحفل اثنان من رجال الدين عندما بدأت النساء في عزف الموسيقى أمام الضيوف، ليعبروا عن احتجاجهم.

لكن أغرب ما في الأمر كان خطاب الرئيس أحمدي نجاد، الذي كان في بعض الأحيان كوميديا، وألقى بعض النكات التي بها إشارات بذيئة، فعند نقطة ما، قال أحمدي نجاد إن إلقاء اللوم على إيران في أي مشكلة تحدث في العالم أمر سخيف، لكنه استخدم تعبيرا فارسيا له إيحاءات جنسية.

وقد انتقد الإصلاحيون المؤتمر، باعتباره خطوة فارغة وغير ذات جدوى من حكومة كانت سياساتها السبب في نفور الكثير من الإيرانيين، المقيمين في الخارج بشكل غير مبرر.

وقال دريوش غانباري، وهو عضو برلمان إصلاحي، لوكالة الأنباء الإيرانية المستقلة «آي إل إن إيه»: «في الوقت الذي تطرد فيه سياسات الحكومة غير الصحيحة المستثمرين المحليين خارج البلاد، فإنها تنظم مؤتمرا لإيرانيي الخارج، بهدف جذب المستثمرين. هذا تناقض واضح».

وأضاف غانباري أن عددا كبيرا من المهنيين قد تركوا إيران في العام الماضي بعد الانتخابات الرئاسية، والإجراءات الأمنية الوحشية التي اتخذتها الحكومة بعدها.

ويشير بعض منتقدي الحكومة إلى أن ما يصل إلى 200 ألف من الإيرانيين المتعلمين يتركون البلاد كل عام، ولكن التقديرات في هذا الشأن تختلف، ففي عام 2007، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن إيران لديها أسوأ سجل خاص بـ«نزيف العقول» من بين 90 دولة، شملهم مسح قام به.

كما أبرزت زيارة إيرانيي الخارج الانقسامات بين المحافظين في إيران. فقد ساعد في تنظيم الحدث إسفنديار رحيم مشائي، رئيس موظفي الرئاسة، الذي ظهر في أشرطة الفيديو الترويجية الخاصة به، إلا أن مشاركته هذه أثارت استنكار بعض المحافظين، الذين اتهموه بتبني أفكار ليبرالية ومعتقدات دينية غير تقليدية. وتساءلت صحيفة «كيهان» في افتتاحيتها قائلة: «من هذا الذي يستغل اسم ومنصب الرئيس؟», وكانت الزيارة تهدف أيضا لجذب الاستثمارات إلى الاقتصاد الإيراني المتعثر. وفي هذا الإطار، دعا المؤتمر الضيوف للاستثمار في صندوق العملة الخاص بالإيرانيين المغتربين، الذي مقره مدينة كيش، وهي منطقة للتجارة الحرة تقع على الخليج العربي. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الاستثمارات ستمثل خرقا للعقوبات المفروضة على إيران مؤخرا، إلا أن جهودا سابقة بذلتها الحكومة الإيرانية لجذب استثمارات من المغتربين الإيرانيين لم تحقق نجاحا يذكر. وأكد بعض المحللين أن محاولة هذا العام كانت الأقل نجاحا من أي جهد سبقها في هذا الإطار.

وقال تريتا بارسي، وهو باحث مقره الولايات المتحدة، ومهتم بالشأن الإيراني: «في الوقت الراهن العلاقات بين الحكومة والجالية الإيرانية المقيمة بالولايات المتحدة في أدنى مستوى لها، نتيجة لسلوك حكومة أحمدي نجاد، وخصوصا منذ الانتخابات. عقد مؤتمر هنا أو هناك لن يغير أي شيء في الصورة الكبيرة».

* خدمة نيويورك تايمز