الجدل يتصاعد حول سماح «بلاك بيري» للدول بالوصول إلى البيانات المشفرة

شائعات عن صفقات تقوم بها «ريم» مع دول كثيرة منها الولايات المتحدة

TT

على الرغم من أنه لم يتضح تحديدا ما ترمي إليه هذه الدول، فإنها كانت جميعا تشترك في طلب واحد، ألا وهو الوصول إلى خدمات «بلاك بيري» المشفرة التي يعتقد أن الشركة تقدمها بالفعل للولايات المتحدة والدول الصناعية الأخرى.

يقول ساشين بيلوت، وزير الدولة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الهندي في مقابلة معه عبر الهاتف، مبررا طلب بلاده: «لا أعتقد أن المخاوف التي أثارتها الهند غير منطقية، فغالبية الدول في العالم الغربي أثارت هذه القضايا على حد علمي، وتم التعامل مع هذه المخاوف».

من جانبهم نفى مسؤولو شركة «ريم» بشدة أنهم أوقفوا تعاملاتهم مع دول معينة لمنحها سلطات دخول خاص إلى خدمات «بلاك بيري». وقالت الشركة أيضا إنها لن تتفاوض حول أمن نظامها.

وأكدت الشركة، في الوقت ذاته، على التزامها بالضوابط التنظيمية حول العالم.

لكن الشركة المعروفة بسريتها، رفضت تقديم تفاصيل حول مباحثاتها مع الحكومات لشرح كيفية التزامها بالقوانين حول العالم، التي تلزم شركات الاتصالات بمنح الوكالات الحكومية الحق في الدخول إلى أنظمتها لأغراض مشروعة، وهو ما أبقى الشكوك في بعض العواصم الأجنبية وبين خبراء أمن الكومبيوتر في الولايات المتحدة بأن «ريم» قدمت تنازلات لبعض الدول.

وقال ليزلي هاريس، المدير التنفيذي لمركز الديمقراطية والتكنولوجيا، مقره واشنطن، وعضو مجلس مبادرة الشبكة العالمية، اتحاد الشركات والمنظمات غير الربحية التي تسعى إلى حماية الخصوصية وحرية التعبير على الإنترنت: «هناك شائعات كثيرة حول عقد الشركة صفقات مختلفة حول العالم، ومن بينها الولايات المتحدة، لكننا لا نعلم ماهية تلك الصفقات».

ولم يعلق أي من مسؤولي هيئات تطبيق القانون في الولايات المتحدة على ما إذا كانت الولايات المتحدة قد تمكنت من الحصول على وسيلة لفك شفرة رسائل «بلاك بيري»، مشيرين إلى أنهم كانوا مترددين في الكشف عن أي الخدمات التي تشكل صعوبات بالنسبة إليهم. لكن لم يظهر مسؤولو وكالات تطبيق القانون استياء من تشفير رسائل «بلاك بيري».

وقال مسؤولون إن وكالات تطبيق القانون في الولايات المتحدة تتمتع بمميزات عن نظرائها في الدول الأخرى لأن غالبية خدمات الرسائل البريدية - «جي ميل» و«هوت ميل» و«ياهو ميل» - مقرها الولايات المتحدة، ومن ثم فهي تخضع إلى أوامر المحكمة. وهو ما يعني أن الحكومة قادرة في أغلب الأوقات على مشاهدة الرسائل غير مشفرة، حتى وإن أرسلت من جهاز «بلاك بيري». إضافة إلى ذلك قال المسؤولون إنه في حالات الطوارئ عندما تكون الأرواح على المحك أحيانا ما يسعون إلى الحصول على خدمات تطوعية من الشركات، ومن بينها الموجودة في الولايات المتحدة.

ويرى ديفيد سوتشمان، رئيس مكتب الجرائم السيبرانية وسرقة الهوية في مكتب المدعي العام بمنهاتن، أن المحققين عادة ما يحصلون على بيانات عناوين بروتوكولات متعلقة برسائل بريد إلكتروني أرسلت عبر نظام «بلاك بيري»، لكنهم كانوا غير قادرين على الوصول إلى محتوى الرسائل من الشركة.

ويقول خبراء الأمن إن نظام «بلاك بيري»، على الرغم من أمنه فإنه عرضة للتنصت، حتى إن البعض يقول إن تصميمه يسمح للشركات وربما الحكومات بمراقبة الرسائل على الرغم من أن ذلك قد يجري بالضرورة دون موافقة شركة «ريم».

ويرى غالبية الخبراء أن خدمات «ريم» للعملاء ليست بالقضية المهمة لأن الرسائل غالبا ما تكون غير مشفرة ويسهل على الحكومات اعتراضها.

تبيع «ريم» خدمتها البالغة الأمن إلى الشركات، وتقوم شركات الخدمة بتشفير الرسائل الإلكترونية والرسائل النصية ومسارات الاتصالات عبر شبكة «ريم» الخاصة. ومن منطلق البيع قامت «ريم» بتزويد الشركات بأدوات تسمح لها بمراقبة أرشيف كل شيء حدث على كل أجهزة «بلاك بيري» تمتلكها عبر خادم «بلاك بيري إنتربرايز»، الذي يعمل كبوابة إلى نظام البريد الإلكتروني للشركة.

ويؤكد الخبراء الأمنيون على أن الحكومات الراغبة في التنصت على بعض الأفراد يمكنها بسهولة المطالبة بذلك من تلك الشركات.

وقال لي تين، المحامي البارز في منظمة «إلكترونيك فرانتير فونديشن»، في سان فرانسيسكو، التي تدعم الحريات المدنية على الإنترنت: «ربما تكون (ريم) صائبة من الناحية التقنية بعدم تقديم تنازلات، لكن أنظمتها ليست بالضرورة أكثر أمنا لأن هناك أماكن أخرى يمكن للسلطات أن تلجأ إليها».

وعندما سمحت الصين بدخول «بلاك بيري» للمرة الأولى خلال الشهور القليلة الماضية كانت الخدمة مقصورة على أجهزة معينة مرتبطة بخوادم شركة داخل البلاد. ويشير الكثير من الخبراء الأمنيين إلى أن وكالات الأمن الصينية لديها حق الدخول المباشر إلى كل البيانات المخزنة على هذه الخوادم، التي في الغالب ما تكون تابعة لشركات مملوكة للدولة.

ولم تستجب شركتا «تشينا موبايل» و«تشينا تيليكوم» اللتان تبيعان أجهزة «بلاك بيري»، إلى طلب إجراء مقابلة معهما، لكن محللي التكنولوجيا في الصين قالوا إن «ريم» ستضطر إلى الانصياع لقوانين الحكومة الصارمة على الاتصالات وربما منح الحكومة الحق في الوصول إلى البيانات المشفرة.

ولا تزال إمكانية وصول المنظمين الصينيين إلى هذه البيانات المشفرة غير واضحة، لكن مندوب المبيعات في شركة «تشينا موبايل» قال إن المسؤولين الحكوميين قادرون على اعتراض الاتصالات عبر مقلم شركة «بلاك بيري» التي يشغلها الناقل. وقال: «إذا رغب شخص، مثل إدارة حكومية، في مراقبة الرسائل النصية، فهو قادر على ذلك».

هذا التوتر بين «ريم» والحكومات المختلفة مشابه للنقاش الذي دار في الولايات المتحدة عام 1990 عندما سعت الحكومة إلى حظر استخدام أنظمة التشفير القوية. لكن الحكومة تراجعت عن ذلك نتيجة مواجهتها معارضة قوية من شركات التكنولوجيا والمدافعين عن الخصوصية.

غير أن النقاش لا يزال متواصلا، حيث يثير استخدام التكنولوجيا الجديدة مثل «سكاي بي» أو البريد الإلكتروني «جي ميل» المشفر الواسع الانتشار على مستوى العالم، تحديات جديدة. جدير بالذكر، أنه في عام 1994 أقر الكونغرس قانونا يلزم شركات التكنولوجيا بتصميم أنظمتها بصورة تمكن السلطات من التنصت عليها بصورة قانونية، لكن القانون لا يشمل بعض تكنولوجيات الاتصال عبر الإنترنت.

ويقول مارك راش، الذي ترأس إدارة جرائم الكومبيوتر في وزارة العدل على مدار تسع سنوات: «كانت معركة على مدار السنوات العشرين الماضية حول مقدار أمن الاتصالات والمقدار الذي ترغبه الحكومة لتتمكن من مراقبة النشاطات غير المشروعة. وهو توازن نحاول الوصول إليه مع كل تكنولوجيا جديدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»