منظمة إغاثة مسيحية تتعهد بمواصلة العمل في أفغانستان بعد مقتل 10 من طاقمها

تعمل بشكل علني في بلد مسلم شديد المحافظة منذ 44 عاما في تجربة شبه مستحيلة

TT

خلال فترة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، أُجبرت «بعثة المساعدة الدولية»، وهي منظمة إغاثة مسيحية، على قصر نشاطاتها على العاصمة كابل فقط.

وفي ظل حكم المجاهدين، الذي تلا خروج السوفيات، كان يتعين على الفرق الطبية التابعة للبعثة التفاوض مع الفصائل المتحاربة؛ كل فصيل على حدة، للحصول على ممر آمن في كابل، التي كانت تتعرض للقذف بالصواريخ بشكل مستمر، وذلك ليتمكنوا من الانتقال من منازلهم إلى عيادة العيون. وعندما جاءت طالبان إلى السلطة، أصدرت قرارا يمنع أعضاء البعثة النساء من العمل في المكتب نفسه الذي يعمل فيه الرجال.

وفي الأسبوع الماضي، تعرضت المنظمة لأكبر مأساة في تاريخها، فقد وقعت مذبحة في الجبال الوعرة في شمال أفغانستان، راح ضحيتها 10 من أفراد فريقها المتخصص في علاج أمراض العيون. لكن تاريخها في أفغانستان منذ 44 عاما، كمؤسسة خيرية مسيحية تعمل بشكل علني في بلد مسلم شديد المحافظة، يمثل واحدة من التجارب شبه المستحلية.

ويصف المدير التنفيذي للمنظمة، ديرك فرانز، المذبحة التي استهدفت أعضاء المنظمة قائلا: «إنه أمر بالغ الألم للجميع، لكن لا أعتقد أن ذلك سيجعلنا نوقف أنشطتنا، نحن هنا طوال هذه السنين، وإن شاء الله سوف نستمر في عملنا».

وقد تم انتشال الجثث الـ10 لعمال الإغاثة القتلى، وهم ستة أميركيين، وألماني، وبريطانية، واثنان من الأفغان، يوم الأحد، ونقلوا بالطائرة الهليكوبتر من إقليم بدخشان الأفغاني إلى مجمع عسكري في كابل، ونقل معهم الناجي الوحيد من الهجوم، وهو سائق الفريق الأفغاني، ويدعى سيف الله، الذي تم تحويله على الفور إلى وزارة الداخلية لاستجوابه.

وكان بين القتلى قائد الفريق، توم ليتل، وهو اختصاصي عيون من نيويورك، كان يعمل في أفغانستان منذ عقود، وكارين وو، وهي جراحة بريطانية تركت عملها العام الماضي للتطوع بالخدمة في منطقة الحرب.

وقد أكدت حركة طالبان مسؤوليتها عن الهجوم، واتهمت المتطوعين في الفرق الطبية بأنهم جواسيس أجانب، وأنهم يحاولون تحويل المسلمين إلى المسيحية، وهي اتهامات نفتها المنظمة. ولم تستبعد الشرطة في إقليم بدخشان مسؤولية لصوص غير منتمين لحركة طالبان عن المذبحة، وذلك لأن متعلقات الضحايا قد تم نهبها بعد قتلهم. وفي بيان صدر عن وزارة الخارجية الأميركية، أعلنت وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، إدانتها للحادث، قائلة: «إننا نشعر بالحزن والأسى على فقدان هذه الشخصيات البطولية والكريمة. إننا ندين بأشد لهجة ممكنة هذا العمل الفظ، كما ندين محاولة حركة طالبان تبرير ما لا يمكن تبريره، من خلال اتهاماتها الباطلة لهؤلاء الأشخاص وأنشطتهم في أفغانستان».

وأشار فرانز إلى أن أعضاء الفريق الطبي (12 عضوا) كانوا قد استقلوا ثلاث سيارات لاند روفر، وانطلقوا من كابل إلى وادي بارون مترامي الأطراف في إقليم نوريستان، ثم غادروا المركبات ليتسلقوا الممر الجبلي المرتفع وهم يمتطون البغال، في رحلة استغرقت عدة أيام. ووفقا لفرانز، فإن الفريق قد واجه صعوبات خلال رحلة العودة بسبب الثلوج والأمطار، حيث اضطر أعضاء الفريق إلى حمل أحد زملائهم على ظهر أحد الخيول، ولكن عندما وصلوا إلى الحدود مع إقليم بدخشان، انقطع اتصالهم مع مكتب كابل، وكان ذلك يوم الخميس.

وقال فرانز إنه من غير المتصور أن الفريق الطبي كان يوزع نسخا من الكتاب المقدس مكتوبة بلغة الداري، كما زعمت طالبان، ولا كانت الرحلة متهورة، حيث إن الفريق قد قام بتحديد أكثر الطرق أمنا إلى هذه المنطقة، التي قامت البعثة بزيارتها ست مرات منذ عام 1996، كما حصل الفريق على تصريح خطي من مديرية الصحة في نوريستان.

وأقر فرانز بأن الفريق كان يعلم أن الرحلة خطيرة، لكنه أكد أن وجود الدكتور ليتل وعضو آخر، اللذين كانت لديهما عقود من الخبرة بالعمل في هذا البلد، كان السبب وراء الموافقة عليها: «فقط بسبب وجودهما سمحنا للفريق بالذهاب إلى مكان مثل هذا».

وقال فرانز: «نحن لم نأت هنا لغرض التبشير وتوزيع الكتاب المقدس أو أي شيء مثل ذلك. هذه ليست طريقتنا، بل نعمل في ظل هذه الظروف القاسية لمساعدة أناس، لولا عملنا هذا لما وجدوا أي شيء آخر».

وتعمل المنظمة التي تضم 50 متطوعا أجنبيا و500 من الموظفين الأفغان في سبعة أقاليم أفغانية، بميزانية عمل بلغت 3.6 مليون دولار في عام 2009، وذلك بحسب التقرير السنوي للمنظمة. وتدير المنظمة برنامجا لتعليم الصحة النفسية في هيرات، وبرنامجا لتعليم الكبار في قندهار، ومدرسة للغة الإنجليزية في مزار الشريف، وعددا من مشاريع الطاقة الكهرومائية الصغيرة في المناطق الريفية التي ليس بها كهرباء.