مصدر فرنسي رسمي لـ «الشرق الأوسط»: اتصالات دولية أثنت إسرائيل عن «الانتقام» من الجيش اللبناني بعملية واسعة

باريس تكشف عن اتصال بين باراك وكوشنير بعد اشتباك العديسة

TT

كشفت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» عن أن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أبلغ وزير الخارجية برنار كوشنير في اتصال هاتفي بعد الاشتباك المسلح الذي وقع في العديسة (جنوب لبنان) الأسبوع الماضي بين الجيش اللبناني والقوات الإسرائيلية بأن إسرائيل «تنوي القيام بعملية عسكرية كبرى» لتأديب الجيش اللبناني و«الانتقام لمقتل ضابط إسرائيلي كبير». وأفادت هذه المصادر بأنه جرت اتصالات على أعلى المستويات، شارك فيها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ومصر والأردن وأطراف أخرى عربية ودولية، أسفرت عن حجم التوتر والاندفاع نحو معركة مفتوحة. والنتيجة التي أفضت إليها الاتصالات برزت من خلال تصريح لباراك أكد فيه أن إسرائيل «لم تخطط للعملية العسكرية ولا الجيش اللبناني خطط لها». وبحسب باريس، فإن بقاء حزب الله خارج المواجهة والاكتفاء بالتحذيرات والتصريحات «أبعد عن لبنان كأس حرب جديدة كانت ستقع بسبب (سوء التقدير) من هذا الجانب وذاك».

وتعتبر فرنسا أن إسرائيل تعي أن «لا مصلحة لديها في حرب على الجيش اللبناني» لأنها تعرف أنه الجهة الوحيدة التي يمكنها أن «تحل مشكلة جنوب لبنان وفرض سلطة الدولة عليه».

وتبدو باريس مطمئنة إلى أن صفحة المواجهة «طويت» في الوقت الحاضر. وعلى الرغم من «القلق» الذي تشعر به فرنسا إزاء لبنان بسبب المحكمة الدولية ووضع «اليونيفيل» والجنوب والتوترات السياسية الداخلية، فإنها «مطمئنة» لأن الأمور ستبقى «هادئة» وسيبقى الاستقرار «مهيمنا» وأن الأزمات الناشئة والتي ستنشأ «يمكن السيطرة عليها». وتختصر المصادر الفرنسية الوضع كالتالي: لا حرب أهلية في لبنان ولا حرب إقليمية ولا أزمات مع سورية في الوقت الحاضر.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن إسرائيل اتصلت بباريس عبر القنوات الدبلوماسية التقليدية، لتنبيهها بشأن السلاح الذي توفره فرنسا للجيش اللبناني ولتطلب منها التوقف عن تزويد لبنان به، بحجة أنه استعمل ضد القوات الإسرائيلية، أو أنه يمكن أن يقع في يد حزب الله. وأفادت هذه المصادر بأن الرد الفرنسي كان واضحا، وهو أن فرنسا ملتزمة بتطبيق مضمون الاتفاق الدفاعي الذي وقع بين البلدين في العام 2008 وأن باريس «لا ترى مشكلة» في استكمال تنفيذ بنوده، فضلا عن أنها تعتبر العمل به تنفيذا للقرار 1701 الذي دعا إلى تقوية السلطات الشرعية اللبنانية، وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضي الجمهورية. كذلك أبلغت باريس الجانب الإسرائيلي بأن ما تقوم به «يتلاءم تماما مع مقتضيات الشرعية الدولية والتزامات فرنسا والاستقرار الإقليمي والمصالح الفرنسية الحيوية في المنطقة». وكانت النتيجة أن الضغوط الإسرائيلية، وفق ما تقوله المصادر الفرنسية توقفت. وعلقت هذه المصادر على السلوك الإسرائيلي بالقول: «إن فرنسا ليست الولايات المتحدة الأميركية» في إشارة إلى عمل اللوبي الإسرائيلي عبر الكونغرس ومجلس النواب.

وذكرت باريس بأن الموقف السياسي الفرنسي هو «دعم لبنان عسكريا» وهو ما أكده الرئيس ساركوزي ورئيس الحكومة فيون ووزير الدفاع هيرفيه موران للمسؤولين اللبنانيين أكثر من مرة. لكن المصادر الفرنسية التي سئلت عن سبب التأخير في تزويد الطوافات اللبنانية من طراز غازيل بصواريخ «جو - أرض» ردت بأن «اللبنانيين غير متفقين فيما بينهم» وأن لبنان «يعاني من مشكلة تمويل» نافيا أن «تخرج» باريس الأسلحة التي تصدرها إلى لبنان بـ«شروط» حول طرق وأوجه استخدامها. وبشكل أوسع، ترى باريس أن ثمة «بلبلة» في الموقف اللبناني لجهة ما يريد أو لا يريد من الأسلحة والعتاد.

وفي موضوع المحكمة الدولية، ترى فرنسا أن الحرب التي يخوضها حزب الله ضدها «ستبقى حربا إعلامية وقانونية ولن تتحول إلى حرب في شوارع وأزقة بيروت». وتبدو «القناعات» الفرنسية واضحة للغاية وقطعية بشأن السيناريوهات التي يعج بها الوسط السياسي والإعلامي اللبناني من حديث حول «تخريجة» أو تسوية بشأن المحكمة. وهي ترى أن «لا تسوية، لا بشأن المحكمة، ولا على حسابها» وأنه «ليست هناك جهة لا محلية ولا إقليمية ولا دولية قادرة على التأثير عليها ودفعها إلى اتهام هذا الظرف أو ذاك وتأخير عملها أو الإسراع به».

وتعليقا على الاتهامات التي وجهها أمين عام حزب الله، حسن نصر الله لإسرائيل في اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وانتقاداته المتكررة لعمل المحكمة الدولية التي يتهمها بالتسييس وبكونها أداة أميركية - إسرائيلية، عبرت الخارجية الفرنسية أمس عن «دعمها الكامل» لعمل المحكمة الخاصة بلبنان مثلما دعمت دائما العدالة الدولية وبتمسكها بأن تتمم مهمتها «بكل استقلالية وصفاء» معبرة عن أملها بأن تتوصل إلى إلقاء كامل الضوء على اغتيال الحريري والعمليات المتصلة به.