تدهور الأوضاع الاقتصادية يقلص القوة الشرائية للغزيين عشية رمضان

الأسواق تزخر بالبضائع استعدادا للشهر الكريم

TT

وقف محمد نصار، 49 عاما، منبهرا وحائرا في الوقت نفسه، عندما كان يسير في الشارع الذي يخترق سوق «الزاوية» الشعبية في قلب مدينة غزة. وسبب الانبهار كثرة البضائع التي تزخر بها السوق، وأما سبب الحيرة، فلأنه لم يكن واثقا من أن ما لديه من مال قليل، يكفي لشراء الحاجات التي أوصته بها زوجته استعدادا لحلول شهر رمضان.

ويعمل نصار في تصليح الثلاجات البيتية وأجهزة التبريد، ويعيل أربعة من الأبناء ويحصل على دخل شهري، يقدر بـ1500 شيكل، أي ما يعادل 400 دولار، يدفع 150 منها إيجار الشقة التي يسكن فيها. وقال لـ«الشرق الأوسط» بعدما التقته محتارا في السوق: «بكل صراحة معي في جيبي 600 شيكل، يتوجب أن تكفيني حتى آخر هذا الشهر، وأفكر في شراء بعض مستلزمات رمضان من أجبان ومعلبات وغيرها بثلث هذا المبلغ، خاصة أن السوق في هذه المرة مغرية جدا، وفيها الكثير من البضائع الجديدة». لكن نصار يستدرك بالقول: «هذا الشهر سيكون من أصعب الشهور، لأن مصاريفه كثيرة ويتلوه العيد، لكني أتمنى أن تبدي الجمعيات الخيرية اهتماما أكبر بأوضاع العائلات ذات الدخل المحدود، بما يمكنها من تحمل هذه الأعباء».

وبعيدا عن محمد، فحينما تسير في أسواق غزة خلال الأسبوع الأخير من شهر شعبان، ستجد نفسك في أجواء رمضانية مختلفة، حيث الأسواق الممتلئة بأصناف مختلفة من الألبان والأدوات المنزلية، وغيرها من المقتنيات الرمضانية، لكن ما يلفت الانتباه أكثر، هو تنافس وتسابق الناس الميسورين على الشراء، خاصة أن كثيرا من هذه البضائع دخلت للمرة الأولى لقطاع غزة بعد منعها من الدخول لسنوات كجزء من الحصار.

استعدادات التجار لرمضان أثمرت عن كثافة عرض البضائع، بشكل غير مسبوق منذ أن فرضت إسرائيل حصارها قبل أربعة أعوام، فقد عمل التجار لما يزيد على شهرين من أجل تلبية حاجة السوق الغزية المتعطشة للبضائع، وبدت الزينة الرمضانية ظاهرة بشكل يضفى على المكان أجواء رمضانية لافتة.

ويقول أبو يوسف الدرقطني، 55 عاما، تاجر مواد غذائية في سوق الزاوية بمدينة غزة لـ«الشرق الأوسط»: «لقد استعد التجار لموسم رمضان هذا العام بشكل كبير، فجهزوا أنفسهم وجهزوا بضائعهم التي اعتادوا على ما يشابهها قبل الحصار, وجهزت المحلات التجارية بما يلزم بيعه في رمضان». ويستدرك الدرقطني، معبرا عن مخاوفه من تواصل ضعف القوة الشرائية خلال هذا الشهر بشكل لا يتناسب مع الحجم الكبير من البضائع التي أدخلت، مؤكدا أن الأوضاع المادية للمواطنين بشكل عام ما زالت ضعيفة «رغم التخفيف البسيط» في الحصار بعد الضغوط الدولية الناتجة عن مجزرة سفن كسر الحصار.

ويتخوف الغزيون من استمرار مشكلة انقطاع التيار الكهربائي خلال رمضان، حيث يقول نادر قنيطة، 35 عاما، من حي (التفاح) في مدينة غزة: «رمضان سيكون صعبا علينا بشكل كبير إذا استمر انقطاع التيار الكهربائي»، متسائلا: «هل سنفطر على ضوء الشمعة؟.. وهل سنتحمل حرارة الصيف مع الصيام؟.. إذا كان ذلك ما سيكون، فإن وقع الصيام سيكون أكثر شدة، على الرغم من دخول البضائع الجديدة وامتلاء السوق بالبضائع». وأكد قنيطة لـ«الشرق الأوسط»: «نحن متخوفون من شراء المأكولات، لأنها ستفسد من دون ثلاجات، ومن دون كهرباء, ونتمنى على المسؤولين وضع ذلك في الحسبان, حتى نتمكن من استقبال شهر رمضان بسعادة كما اعتدنا». وأشار إلى أن عائلته تستعد لاستقبال رمضان، الذي وصفه بشهر الخير، لافتا إلى أنه سيركز في شرائه على المعلبات، التي لا تفسد من انقطاع التيار الكهربائي.

من جهته يقول الخبير الاقتصادي عمر شعبان لـ«الشرق الأوسط»: «يعتبر شهر رمضان من أكثر المواسم التي تزدهر بها سوق المواد الغذائية بشكل كبير، لكن بسبب الحصار والأوضاع المادية للسكان ربما لن يكون بالشكل المعهود عليه قبل الحصار». وأضاف: «غزة بحاجة لاستيراد المزيد من البضائع، خاصة المواد الخام التي تشغل المصانع وتستوعب البطالة، بما يضفى على رمضان بهجة كبيرة لدى المواطنين والتجار»، الذين دعاهم لمراعاة الوضع الاقتصادي للمواطنين وتخفيض الأسعار بما يناسب المواطنين، خاصة في شهر رمضان، مؤكدا أن المساعدات الرمضانية لا يمكنها أن تغني عن الحاجة للشراء من السوق.

وأشار إلى أن رمضان في هذا العام لن يختلف عن سابقيه في الحركة الشرائية، على الرغم من كثافتها بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي وانتشار البطالة في المجتمع الفلسطيني وضعف الدخل العام للأفراد.