الأمم المتحدة تعد لنداء إغاثة جديد بعد إعادة تقييم الأضرار في باكستان

ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية.. وزرداري يعود للوطن بعد جولته الأوروبية

TT

تعتزم الأمم المتحدة إطلاق حملة جديدة لجمع التبرعات لتقديم المساعدات إلى 6 ملايين باكستاني تضرروا من الفيضانات التي ضربت أخيرا البلاد، وذلك في وقت عاد الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري إلى بلاده، بعد جولة أوروبية استكملها رغم تعرض بلاده للفيضانات مما أثار موجة انتقادات واسعة ضده.

وقال المتحدث باسم المنظمة الدولية في إسلام آباد، ماورتسيو غويلانو، لـ«الشرق الأوسط»، أمس: «نركز جهودنا الآن على تقديم المساعدات للأفراد الذين هم حالة عاجلة للإغاثة لمساعدتهم على تجاوز الكارثة، وسنلجأ إلى المجتمع الدولي لطلب مساعدات مالية لتقديم الدعم جهود الإغاثة الطارئة».

وعلى الرغم من إعلان الأمم المتحدة والحكومة الباكستانية عن تضرر 14 مليون شخص بصورة مباشرة من الفيضانات المتواصلة منذ ثلاثة أسابيع، فإن مسؤول الأمم المتحدة قال إن «6 ملايين شخص في حاجة إلى مساعدات طارئة». وأضاف غويلانو إن الأمم المتحدة «تلقت حتى الآن 38 مليون دولار من المجتمع الدولي لمواصلة جهود الإغاثة في باكستان، وقد تلقينا تعهدات بتلقي 91 مليون دولار من دول مختلفة».

وخلال الأسبوع الماضي ناشدت الأمم المتحدة المجتمع الدولي جمع 200 مليون دولار من أجل جهود الإغاثة الطارئة في باكستان. وقال مسؤول الأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط»: «كان ذلك مبنيا على تقييم قديم، والآن سيتم إطلاق نداء جديد لجمع عدة ملايين إضافية من الدولارات. لا يمكنني الإفصاح عن الرقم لأننا لم ننته من تقييم الوضع الكامل بعد». ويعتقد مسؤولو الأمم المتحدة أن هذه ربما تكون أكبر جهود إغاثة في تاريخ الأمم المتحدة.

من ناحيتهم، يرى مسؤولو الحكومة الباكستانية أن توفير الغذاء للمتضررين من الفيضانات هو الأمر الأكثر إلحاحا في الوقت الراهن. وقال ماركوس بريور، مسؤول برنامج الغذاء العالمي في إسلام آباد، لـ«الشرق الأوسط» إن البرنامج تمكن من تقديم الغذاء إلى أكثر من 340 ألف شخص في المناطق المتضررة من الفيضانات شمال غربي البلاد. وأضاف ماركوس: «توصيل الغذاء في بعض المناطق في باكستان يمثل مشكلة فبعض هذه المناطق معزولة عن باقي البلاد نتيجة لانهيار الجسور ودمار الطرق». فعلى سبيل المثال يعيش وادي سوات عزلة تامة عن باقي البلاد بسبب الانهيارات الأرضية ودمار شبكة المواصلات. وأوضح ماركوس أن الفيضانات التي شهدها إقليم خيبر «دمرت مخزون الطعام لدى الأفراد وتسببت في إتلاف المحاصيل».

ونتيجة أسوأ فيضانات في تاريخ البلاد، يعاني الباكستانيون الآن من ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب تدمير المحاصيل في أكثر الأراضي خصوبة في البلاد. وقال أمير زاده، 35 عاما، ويعمل بائعا للفواكه والخضار في سوق في روالبندي بالقرب من العاصمة إسلام آباد، من أمام حمولة مهترئة من الدراق والمشمش والعنب بسبب اجتياح الذباب لها إن «الطرقات مقفلة والحقول مغمورة بالمياه وهذا ينعكس بشكل رهيب على الأسواق». كذلك، قال غلام نبي وهو تاجر آخر في سوق الخضار «هناك نواقص لدى تجار الجملة. هم يرفعون أسعارهم ولا حل أمامنا سوى رفع أسعارنا».

ويتم إنتاج الفواكه والخضار والقمح على وجه الخصوص في الحوض الخصيب لنهر الهندوس في ولايتي البنجاب (وسط) والسند (جنوب)، كذلك في سهول خيبر بختونكوا (شمال غرب). وهذه المناطق تتعرض لدمار كبير منذ أسبوعين بسبب الأمطار الغزيرة التي طالت 15 مليون باكستاني وأدت إلى نفوق الماشية بأعداد كبيرة.

وفي ولاية البنجاب فقط، أدت الفيضانات والانهيارات الطينية إلى تدمير نحو 570 ألف هكتار من الأراضي الزراعية. وفي حين يتهم السكان الناجون الحكومة بالتأخر في مدهم بالعون ويناضلون للبقاء على قيد الحياة متسلحين بحصص غذائية محدودة تمنحها السلطات المحلية والمؤسسات الخيرية، تقفر الأسواق بشكل كبير في أرجاء البلاد كافة، حتى في المدن الأكثر ازدهارا. وقالت شاهدة بيكوم وهي ربة منزل في روالبندي إن «كل الأسعار ارتفعت. الخضراوات ليست طازجة، والفواكه نوعيتها رديئة». وأضافت: «كنت معتادة على إطعام عائلتي بـ500 روبية يوميا (5.8 دولارات). اليوم علي أن ادفع أكثر من ضعف المبلغ ثمنا للخضار والفواكه. هذا الأمر مكلف جدا بالنسبة إلي».

وفي روالبندي، ارتفع سعر كيلوغرام الثوم من 120 إلى 260 روبية، البندورة (الطماطم) من أربعين إلى 120 روبية، البازلاء من سبعين إلى 130 روبية والمشمش من سبعين إلى 150 روبية. والوضع أسوأ في خيبر بختونكوا، التي تشهد منذ سنوات عدة أعمال عنف دامية من جانب متمردي طالبان. وقال وزير الزراعة الإقليمي ارباب محمد أيوب خان لوكالة الصحافة الفرنسية: «بحسب تقديراتنا، أدت الفيضانات إلى أكثر من ستة مليارات روبية (نحو 69.2 مليون دولار) من الخسائر في المناطق الخصبة. وتعرضت المحاصيل الزراعية والخضار والبساتين للخراب». وأضاف «سيكون لهذا الأمر تأثير سلبي للغاية على الأسواق. الأسعار حاليا مرتفعة جدا».

وفي الشمال الغربي أيضا، قال سكان ولايات سوات ودير وشيرسادا ونوشهرا لوكالة الصحافة الفرنسية إنهم دفعوا حتى اليوم بين 1200 و1500 روبية (13.8 إلى 17.3 دولار) ثمنا لكيس من عشرين كيلوغراما من الدقيق خلال الأسبوع الأول من الفيضانات. وكانت كلفة الكيس نفسه في السابق 550 روبية. ويزيد الارتفاع في أسعار النقل من مصاريف الباكستانيين خصوصا في المدن الكبرى مثل بيشاور عاصمة خيبر بختونكوا، بحسب المسؤول الرفيع في الولاية بشير أحمد بيلور.

في غضون ذلك، عاد الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري أمس إلى باكستان، بعد جولة أوروبية استكملها على الرغم من تعرض بلاده إلى أسوأ فيضانات في تاريخها، مما أثار موجة انتقادات واسعة في باكستان. وكان زرداري، قد توجه إلى فرنسا في الأول من الشهر الحالي، ثم انتقل إلى بريطانيا، مما أدى إلى ارتفاع أصوات المنتقدين له لأنه لم يعد على عجل إلى باكستان في ظل الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد بسبب الفيضانات المدمرة. وتجمع مئات من أفراد الجالية الباكستانية في بريطانيا السبت في برمنغهام (وسط إنجلترا) للتنديد بمجيء زرداري لترؤس اجتماع لحزبه، معلقين أحذية على صور له تعبيرا عن احتجاجهم على الزيارة. وذكرت وسائل إعلامية أن احد المتظاهرين حاول رمي زرداري بحذائه من دون أن ينجح في إصابته. ثم توجه زرداري إلى سورية في محطة قصيرة أجرى خلالها محادثات مع الرئيس بشار الأسد. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول حكومي في إسلام آباد قوله: «الرئيس عاد مساء الاثنين بعد زياراته الرسمية إلى فرنسا وبريطانيا وسورية». وأضاف المسؤول: «الرئيس زرداري موجود في كراتشي (كبرى مدن جنوب باكستان) وبإمكانه ترؤس بعض الأحداث»، من دون إعطاء المزيد من التفاصيل. كذلك، قال مسؤول بالحكومة إنه من المتوقع أن يزور زرداري المناطق المتضررة من السيول خلال أيام، لكن بالنسبة للكثير من الباكستانيين فإن هذه الجولة جاءت بعد فوات الأوان.