تعثر المفاوضات بين المغرب والبوليساريو حول تبادل الزيارات العائلية

باحث مغربي: تصريحات مفتش شرطة البوليساريو قد تهدف إلى نقل المعركة السياسية إلى داخل المغرب

TT

علمت «الشرق الأوسط» أن مفاوضات متعثرة بين المغرب والبوليساريو لم تصل إلى حل بشأن إمكانية تبادل الزيارات العائلية بين الصحراويين من الجانبين، والذي تشرف عليه الأمم المتحدة عبر طريق بري يربط مباشرة بين الأقاليم الصحراوية ومخيمات تيندوف (جنوب غربي الجزائر). وقالت مصادر وثيقة الاطلاع إن سبب تعثر المفاوضات بين الجانبين التي تجري تحت إشراف أممي هو بسبب عدم الاتفاق على النقطة الحدودية التي سيتم من خلالها العبور.

وفي سياق ذي صلة علمت «الشرق الأوسط» أن المصطفى سلمى سيدي مولود، المفتش العام لشرطة البوليساريو، الذي كان عقد ندوة صحافية الاثنين الماضي في سمارة، أطلق فيها مبادرة لإجراء حوار بين الصحراويين من الجانبين، دخل المغرب قبل ثلاثة أشهر بجواز سفر موريتاني، وقام بجولته في المغرب، في شمال البلاد وجنوبها دون أن يلفت الانتباه. واستغرب المصطفى سلمى خلال ندوته الصحافية كيف أنه لم يسأل ولو مرة واحدة عن هويته وأوراقه الشخصية، ولم يسجل اسمه من طرف أي من الحواجز الأمنية التي صادفها عند الدخول أو الخروج من أي مدينة مغربية. وقال: «هذا يناقض تماما الصورة التي تشكلت لدينا عن المغرب في مخيمات تيندوف من خلال إعلام البوليساريو الذي يصف المغرب بأنه دولة بوليسية».

وفي غضون ذلك أثارت مبادرة المصطفى سلمى سيدي مولود، الداعية إلى بدء حوار بين الصحراوين من الطرفين (موالون للمغرب أو البوليساريو) حول مشروع الحكم الذاتي، ردود فعل متفاوتة في الأوساط الصحراوية. وبينما يعتقد البعض أن المبادرة تتميز «بشجاعة كبيرة»، ينظر إليها البعض الآخر بتحفظ وريبة. والمثير في مبادرة المصطفى سلمى هو إصراره على العودة إلى مخيمات تيندوف والدفاع عن مبادرته المؤيدة للمقترح المغربي حول الصحراء في مقر قيادة البوليساريو.

وفي هذا السياق تساءل عبد الرحيم بوعيدة، الأستاذ المحاضر والباحث في جامعة القاضي عياض بمراكش، وهو يتحدر من الأقاليم الصحراوية، عن الضمانات التي يتوفر عليها المصطفى سلمى من أجل عودته إلى تيندوف والدفاع عن أطروحة الحكم الذاتي التي ترفضها البوليساريو. وأضاف بوعيدة: «إن صفته كمسؤول سامٍ في جهاز الشرطة لا تسمح له بأي هامش للتحرك. إذ من طبيعة هذا المنصب أن لا تتوفر لصاحبه حرية السفر وحرية التعبير والمشاركة السياسية. لذلك أجد أمره غريبا ومريبا في آن واحد». وقال بوعيدة لـ«الشرق الأوسط» إن التعليق على ما طرحه المصطفى سلمى خلال مؤتمره الصحافي في سمارة سابق لأوانه. واستطرد: «لكنني بصراحة لا أفهم كيف سيعود، هناك شيء غير واضح. هل لديه ضمانات دولية؟ هل ستسمح قيادة البوليساريو بالعودة وكأن شيئا لم يكن بعد تصريحاته تلك واستقباله في المغرب؟ بصراحة لا أعتقد ذلك. إلا إذا كان هناك اتفاق مسبق مع البوليساريو، وكانت تحركاته تندرج في إطار مخططات البوليساريو السرية الهادفة إلى نقل المعركة السياسية إلى داخل المغرب عبر طرحها في لباس حقوقي في المدن الصحراوية المسترجعة». وأشار بوعيدة إلى أن البوليساريو تسعى إلى اختراق المجتمع الصحراوي، في الأقاليم الصحراوية المسترجعة من طرف المغرب، من خلال أفواج العائدين من مخيمات تيندوف ومعظمهم من الشباب. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن النوايا الحقيقية لهؤلاء العائدين غير معروفة، وعددهم في تزايد. وأضاف: «إذا استمر هذا الزحف على الصحراء ونجحت البوليساريو في اختراق المجتمع الصحراوي عبر جحافل العائدين فإن مصالح المغرب ستكون مهددة بشكل خطير. فماذا سيفعل المغرب عندما يتمكن هؤلاء من تشكيل نواة قوية في محافظاته الجنوبية والخروج بالمئات في مظاهرات معادية واختلاق أزمة حقوقية؟ ما ذا سيكون موقفه في هذه الحالة وكيف سيتصرف؟».

من جهته قال ميد الجماني، نائب برلماني ورئيس بلدية سمارة، لـ«الشرق الأوسط»، إنه يتفق كليا مع الأفكار التي جاء بها المصطفى سلمى. وقال: «نحن متأكدون أنه لا يمكن التوصل إلى حل معقول لمشكلة الصحراء من دون إشراك الساكنة الأصلية، التي هي الآن مقسمة، ومن خلال رد الصحراويين إلى الواجهة واسترجاعهم لدورهم الحقيقي في إيجاد الحل، والذي ترامت عليه أطراف أخرى تنتمي إلى الإقليم المجاور. فلا بد من إشراك سكان الصحراء التي من دونها لن يكون هناك من حل. ولذلك لا بد من فتح حوار بين الصحراويين من الطرفين من أجل تحقيق الالتقاء والاتفاق وإقناع بعضهم بعضا. وهذا الأمر صعب التحقيق ما دامت هؤلاء السكان مقسمين. وأتفق مع المصطفى عندما يشبه وضعنا الحالي ببئر لا قرار له، أو طريق لا نهاية له، ونحن مشتتون».

وأشار الجماني إلى أن الأفكار التي دعا إليها المصطفى سلمى ليست جديدة على الساحة، وأنها تشكل مطلبا للكثير من الفعاليات الصحراوية سواء في المغرب أو مخيمات تيندوف، أو الذين يعيشون في إسبانيا وجزر الكناري. وأضاف الجماني: «دافعنا عن نفس الأفكار الداعية إلى تفعيل الدور الحقيقي للسكان الأصليين في إطار المساعي الحالية من أجل إيجاد حل لقضية الصحراء. وطرحنا قبل أشهر مبادرة في مدينة العيون من أجل تأسيس جمعية صحراوية لدعم مشروع الحكم الذاتي، لكن هذه المبادرة تمت عرقلتها من طرف بعض القوى السياسية المغربية لأسباب انتخابية ضيقة».

وأشار الجماني إلى أن النظام الأساسي للجمعية الصحراوية لدعم مشروع الحكم الذاتي، التي ما زال يسعى مع مجموعة من الفعاليات الصحراوية إلى إخراجها للوجود، يتضمن انتقادات صريحة لطريقة تدبير المغرب لملف الصحراء خلال السنوات الماضية، مركزا على الخصوص على مسألة تهميش السكان. وقال: «كانت هناك أخطاء في الأقاليم المسترجعة، ولو أننا أشركنا السكان مند البداية لتجنبنا الكثير من المطبات، ولتمكنّا من إغراء الآخرين بالرجوع».

وأشار الجماني في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» إلى أن حركة العائدين من مخيمات تيندوف إلى المغرب لم يكن لها وقع كبير في الطرف الآخر. وأشار إلى غياب الوضوح في ما يتعلق بالحوافز والأهداف الحقيقية للعائدين إلى المغرب، وقال: «هناك من يعود عن اقتناع، لكن هناك أيضا الكثير من الشباب العائدين يعودون بهدف الحصول على امتيازات مادية، مثل امتلاك بيت والحصول على بطاقة الإنعاش (المساعدات)، وهذا هو حافزهم الحقيقي للعودة. وأضاف: «أصبح شائعا في المخيمات أن بالإمكان الرجوع إلى المغرب وادعاء العودة للحصول على بيت وبيعه ثم الرجوع بالمال إلى المخيمات. لذلك أعتقد أنه يجب إعادة النظر في طريقة تعاملنا مع هذه الظاهرة».

وكانت قضية العائدين من بين القضايا الأساسية التي تحدث عنها مفتش شرطة البوليساريو خلال المؤتمر الصحافي، واعتبرها من ضمن القضايا الأساسية في إطار المبادرات الشبيهة بمبادرته، أو التي تهدف إلى تسهيل تلاقي الصحراويين من الجانبين والحوار والتفاهم بينهم. وقال: «حاليا العودة غير متاحة إلا للشباب. هؤلاء يمكنهم المغامرة وتكبد مشاق وأخطار السفر الطويل للعودة إلى المحافظات الصحراوية عبر موريتانيا. أما العائلات فيصعب عليها ذلك الآن».

وانتقد المصطفى سلمى برنامج الزيارات العائلية الذي أطلقته بعثة الأمم المتحدة في الصحراء. وأشار إلى أن هذا البرنامج في شكله الحالي لا يستطيع أن يلعب أي دور جدي في تقريب الرؤى والتصورات بين الصحراويين من الطرفين. وقال: «إن مدة خمسة أيام التي تستغرقها الزيارة تسمح بالكاد للزائر أن يسلم على أهله وأقاربه، وهذه المدة القصيرة للزيارة التي يهيمن عليها الجانب العاطفي بسبب الغياب الطويل لا تسمح للمتلاقين بفتح نقاش عميق حول الآفاق والمصير المشترك».

وكانت الأمم المتحدة أطلقت برنامج الزيارات العائلية خلال الأشهر الماضية في سياق تفعيل نتائج المفاوضات المباشرة التي ترعاها بين المغرب والبوليساريو بإشراف الأمين العام للأمم المتحدة. وخصصت الأمم المتحدة في إطار هذا البرنامج أربعة أسابيع لكل منطقة صحراوية ونظيرها في مخيمات تيندوف لتبادل الزيارات العائلية بوتيرة خمسة أيام في الأسبوع لكل زيارة. وتقوم الطائرات التابعة لبعثة الأمم المتحدة في الصحراء بنقل الزوار من الطرفين كل يوم سبت وتعيدهم يوم الأربعاء من كل أسبوع. وحاليا الزيارات متوقفة بسبب العطلة الصيفية.