موقع «فور شان».. شبكة واسعة تحير عمالقة الإنترنت

أسسه مراهق عمره 15 عاما وعدد زواره يماثل كبريات الصحف الأميركية

فور شان عندما كان طفلا عند تأسيسه للموقع («واشنطن بوست»)
TT

في صباح أحد أيام شهر يونيو (حزيران)، بدأت قائمة «غوغل» لعبارات البحث الأكثر استخداما على مستوى العالم تمتلئ بكلمات عشوائية مثل: «fried chicken» و«comic book stores» و«gyms»، وقبل أن يتمكن أحد من إيقافها، قفزت عبارة عنصرية إلى الترتيب رقم 1 في القائمة.

واستنتج الكثير من المراقبين من ذلك الحدث بأن «غوغل» قد تعرضت لعملية اختراق، لكن الأمر لم يكن كذلك. ولكن الموقع كان ضحية لحيلة مبنية على إعادة توجيه جيوش من المستخدمين للبحث عن الأشياء نفسها في الوقت نفسه.

تنفق الشركات ملايين الدولارات في محاولة لفهم والتحكم في حركة المرور على الإنترنت، إلا إنها في كثير من الأحيان لا تنجح، لكن (4 chan) أو «فور شان» تفنن في إنجاز هذه المهمة من دون أي تكاليف.

ويمثل «فور شان»، الذي أنشأ منذ 7 سنوات بواسطة شاب يبلغ من العمر 15 عاما، شبكة واسعة لساحات عرض رسائل مجهولة المصدر وغير خاضعة للرقابة. وقد تمكن مستخدمو هذا الموقع، من دون أن يقودهم أحد، من تحقيق بعض أكثر الإجراءات الجماعية عالية المستوى في تاريخ الإنترنت.

ويقال إن «فور شان» كان له الفضل - أو يتحمل المسؤولية، وذلك بحسب وجهة نظرك – في دفع جوستين بيبر (مغن شاب) إلى التوجه إلى كوريا الشمالية كجزء من جولته العالمية المقبلة (والتي تأتي كجزء من استطلاع يجرى على الإنترنت يحدد فيه الجماهير البلد الذي ينبغي أن يقوم بيبر بزيارتها)، وفي نشر قصة تتحدث عن أن ستيف جوبز مؤسس «أبل» قد أصيب بأزمة قلبية، وهو الخبر الذي أدى إلى حدوث هبوط حاد لأسهم شركة «أبل» في البورصة، وبدء نشر شائعة عن وجود قنبلة في مطار جون كنيدي في نيويورك (مما استدعى قيام السلطات بإخلاء المطار).

ولم تكن السيطرة على موقع «غوغل تريندز»، وهو الأداة القوية التي تستخدمها الشركات لتتبع المواضيع الساخنة على شبكة الإنترنت، في يوم 17 يونيو، المرة الأولى التي ينجح فيها «فور شان» في التفوق بذكاء على «غوغل». فقد تمكن مستخدم الموقع أيضا من وضع صليب معقوف ورموز تصور طائرات تصطدم بمركز التجارة العالمي وعبارة سب لـ«غوغل» على موقع «غوغل تريندز».

وقد تم التحقيق مع أحد مستخدمي الموقع بتهمة القيام بقرصنة على حساب البريد الإلكتروني الشخصي الخاص بسارة بالين أثناء حملة الانتخابات الرئاسية عام 2008.

والجدير بالذكر أن محاولة العبث في «غوغل» لإظهار شعبية مادة بحث معينة لا يعتبر مخالفة قانونية، ولكن بعض هذه الأعمال أدت لفتح تحقيقات أجرتها لجنة الأوراق المالية والبورصات ووزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي.

وهذه الأشياء الغريبة التي يقوم بها الموقع جذبت أيضا اهتماما إيجابيا، فقد تمكن مؤسس الموقع كريستوفر بول مؤخرا من تجميع 625 ألف دولار لتمويل تأسيس موقع جديد على الإنترنت. وكان من بين المستثمرين الذين شاركوا في هذا التمويل بعض أبرز المبتكرين في مجال الإنترنت ورجال الأعمال بما في ذلك مؤسس «نتسكيب» مارك آندرسن والمدير التنفيذي السابق لشركة «إيه أو إل» كينيث ليرير والخبير السابق بشركة «غوغل» جوشوا شاشتر. وما زال العمل في مرحلة البداية لذلك يرفض بول إعطاء أي تفاصيل.

ولا تزال الطريقة التي تمكن من خلالها الموقع – الذي أنشأه مراهق بغرض المتعة وبالكاد يحقق أرباحه من الإعلانات على الإنترنت من خديعة أنظمه تستخدمها شركات، تقدر رؤوس أموالها بمليارات الدولارات لتحقيق أرباح على الإنترنت- واحدة من الأسرار الكبيرة في عالم الإنترنت المتقلب.

ويقول شاشتر، الذي اخترع أداة الترابط الاجتماعية «دليشيس»: «إن المجتمع على هذا الموقع يقوم ذاتيا بتنظيم وتحديد الأهداف وتحقيقها بأسلوب خاص وغير موجه. أرى أن هذا المجتمع يشبه الأسواق المالية – ولذا فإن به نوع من الفوضى. من الصعب فهم ذلك، ولكنه هام بدرجة كبيرة لتوضيح كيف يمكن أن يعمل أفراد معا بشكل منظم وعلى نطاق واسع للغاية». ويعد موقع «فور شان» واحدا من تلك الأشياء التي تعطينا لمحة عما سيبدو عليه المستقبل.

وكان موقع «فور شان»، عندما أنشئ في خريف عام 2003، يبدو بشكل مركز «ساحة للصور» حيث كان باستطاعة المهتمين تبادل التعليقات والصور. وأخبر بول ما يقرب من 20 شخصا عن الموقع ثم بعد ذلك نما الموقع عن طريق تناقل الحديث عنه بين الناس وأصبح عدد زوار الموقع الآن 11 مليونا، وهو رقم يشبه الرقم الذي حققته صحيفة «واشنطن بوست» في مايو (أيار)، كما تجذب صفحاته 730 مليون مشاهد في الشهر، وهو رقم شبيه بذلك الذي حققته صفحات صحيفة «نيويورك تايمز»، وتنشر عليه مليون مادة جديدة في اليوم. ومعظم مستخدمي الموقع من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 - 25 عاما.

وفي زمن يبدو فيه عدد متزايد من مواقع الإنترنت الاجتماعية كما هو الحال مع «الفيس بوك» أو «ماي سبيس»، والتي تعمل بقواعد وبروتوكولات مناسبة، يعد موقع «فور شان» استثناء. فأنت لا تحتاج للتسجيل لكي تتمكن من نشر مشاركتك على الموقع، ويمكنك حذف مشاركاتك في أي وقت من دون أي تسجيل. ويمكنك أن تلعن أو تسب من تريد. وفي حين توجد بعض الحوارات المراعية لحقوق الآخرين، فإن الكثير من الحوارات على الموقع تتراوح بين الأحاديث الصبيانية وغير المحتشمة والفاضحة تماما.

ويصف بعض نقاد هذا الموقع - وبشكل خاص عدم تحديد المصادر والمجموعة التي يرجع إليها الفضل في القيام ببعض هذه الحيل - بالجانب المظلم من شبكة الإنترنت. وكانت عبارات مثل «القراصنة المخدرين» و«الإرهابيين المحليين» و«آلة الكراهية على إنترنت» من بين الاتهامات والشتائم التي وجهت إليه عبر الإنترنت. وقد تم حظر موقع «فور شان»، مؤقتا، من قبل شركتي «إيه تي أند تي» و«فيريزون».

ولكن يقول معجبون إن «فور شان» يعد ملإذا لحرية التعبير. ويقول ويندي سلتزر، وهو زميل داخل مركز «بركمان» للإنترنت والمجتمع التابع لجامعة هارفارد: «يحتاج الإنترنت إلى هذه المساحات غير المهيكلة» ويبلغ بول، الذي يستخدم الاسم «مووت» على الشبكة الإلكترونية، حاليا 22 عاما ويعيش داخل نيويورك. ويصف «فور شان» على أنه مقابل لـ«فيس بوك». ويقول: «يتناول (فيس بوك) الهوية في الحياة الواقعية وبه كل العلاقات ذات الصلة. ولكن (فور شان) مجهول الهوية وسريع الزوال».

ويقول بول، الذي أشار إلى أنه لم يكن مشاركا في أي من الحيل التي يستخدمها مستخدمو الموقع إنه «رائع أن يرى المرء ما يقومون به». ويضيف: «ستدفع الشركات للمواطنين مقابل ذلك. وسيودون أن يكونوا قادرين على أن يعرض منتجهم الجديد على (غوغل تريندز)».

ويقول بول، الذي أكد أنه لم يحرض أو يشارك في أي من الحيل، كيف أن مستخدمي «فور شان» تمكنوا من الدخول على «غوغل تريندز». يقولون: «هيا بنا ننتهز الفرصة». وبعد ذلك ينشرون كلمة عبر ساحات النقاش ورسائل البريد الإلكتروني وخدمات الدردشة وهكذا، ويطلبون من الجميع البحث عن كلمة محددة في وقت بعينه.

ويقول بول إنه بعد ذلك يزيد أناس من الخارج النار اشتعالا. ويضيف: «يبدأ المدونون يرون هذا الاتجاه ويفكرون أنه لا بد من أن هناك قصة ما، ويبدأون في نشر قصصهم».

ويقول خبير محركات البحث باري شوارتز إن قائمة «غوغل تريندز» تحدد على أساس عمليات البحث وعدد المقالات الإخبارية على المدونات. ومن المستحيل وضع رقم يحدد عدد الناس الذين يجب أن يشاركوا لجعل موضوع في القمة ولكنه «كبير».

ولم يتضح حتى الآن السبب الذي يدفع أناس إلى قضاء وقتهم يتابعون اقتراحات يقدمها «فور شان» ويقول شاشتر: «هناك الكثير من الجهد يبذله أناس ليس لديهم شيء يقومون به». ويؤكد سلتز أنه «عندما ينظر الناس إلى الأمر على أنه وسيلة هزيمة (غوغل) أو الحصول على تصويت، يميلون إلى القيام بشيء ما كانوا ليعملوا من أجل مقابل».

وفي مارس (آذار)، وجهت دعوة إلى بول لإلقاء كلمة داخل مقر «فيس بوك» في بالو ألتو بولاية كاليفورنيا. وطلب منه الحديث إلى مجموعة من المهندسين عن «فور شان» في مقابل «فيس بوك» - مثل الوسائل المتشابهة وغير المتشابهة. وبدأ حديثه بأن طلب من الناس رفع أيديهم إذا كان لهم انطباع سلبي عن «فور شان». ورفع المعظم أيديهم. ويعلق بول على ذلك: «من الواضح أني كنت متحدثا مثيرا للجدل».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»