مصدر فرنسي رسمي لـ«الشرق الأوسط»: نافذة دبلوماسية من 3 أشهر لتحقيق اختراق في ملف الشرق الأوسط

قالت إن دمشق تريد ضمانات ومن مصلحتها استئناف المفاوضات غير المباشرة بوساطتنا

TT

ما إن أوكل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى السفير جان كلود كوسران مهمة استكشاف إمكانية استئناف المفاوضات السورية - الإسرائيلية غير المباشرة حتى باشر الأخير مهمته بتشكيل فريق عمل مصغر والاستعانة بدبلوماسيي الخارجية وتحديدا بدائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

غير أن أكثر من جهة سياسية ودبلوماسية في العاصمة الفرنسية تساءلت عن «معنى» بادرة ساركوزي وعن «فائدتها» لا بل عن قدرة باريس على تحقيق اختراق ما على جبهة الملف السوري - الإسرائيلي المهمل منذ أن توقفت الوساطة التركية بداية عام 2009 مع الهجوم الإسرائيلي على غزة، وذلك بعد عام كامل اضطلعت خلاله أنقرة بمحاولة التقريب بين دمشق وتل أبيب.

تقول مصادر فرنسية رسمية عالية المستوى تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن باريس تعتبر أن ثمة «نافذة دبلوماسية» ستفتح في المنطقة ويتعين الاستفادة منها وعدم تضييع هذه الفرصة الجديدة ومحاولة تحقيق «شيء ما» في ملف المفاوضات والسلام في الشرق الأوسط. وتستند القراءة الفرنسية إلى 3 عوامل أساسية أولها تيقن فرنسا من أن المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ستعاود سريعا جدا. ومؤخرا التقى دبلوماسيون كبار في الخارجية الفرنسية المبعوث الرئاسي الأميركي السيناتور السابق جورج ميتشل ومساعده فريدريك هوف واستطلعاهما خطط الإدارة الأميركية وما وصلت إليه اتصالاتهما مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والأطراف الأخرى. وترى باريس أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيذهب إلى المفاوضات المباشرة بسبب الإلحاح الأميركي وباعتبار أن «لا خيار آخر حقيقيا» أمام أبو مازن إلا الاستجابة لدعوة الرئيس أوباما.

ويتزامن هذا الاستحقاق مع الحركة الدبلوماسية في الأمم المتحدة بمناسبة الجمعية العمومية وما تشهده من لقاءات على مستوى رؤساء الدول الشهر المقبل الذي تنتهي فيه المهلة العربية للجانب الفلسطيني للمفاوضات غير المباشرة التي تقودها الولايات المتحدة. غير أن هذه المهلة لم يعد لها معنى بحسب فرنسا، بعد أن أعطى العرب الضوء الأخضر للرئيس الفلسطيني.

انطلاقا من ذلك، ترى باريس أنه «سيكون لسورية مصلحة» في أن تستأنف هي مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل وهو ما يحتاج إلى وسيط. وتعتبر فرنسا أن «الدور التركي قد انتهى» بسبب تشنج العلاقات بين أنقرة وتل أبيب وأن ثمة «فرصة سانحة» لتلعب ورقتها بفضل علاقاتها الجيدة بالطرفين السوري والفلسطيني. وكشفت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» عن أن واشنطن «تبارك» المسعى الفرنسي وهو ما يتناقض مع موقف العاصمة الأميركية من مشروع فرنسا الدعوة إلى قمة سلام في الشرق الأوسط وهو، كما قالت المصادر الفرنسية، ما ترفضه أميركا وترفض الخوض فيه.

وأبعد من ذلك، تراهن باريس على «الدفع الدبلوماسي» الذي سيسفر عنه مؤتمر المانحين للدعوة الفلسطينية الذي تعمل فرنسا على عقده بحيث يكون استكمالا لمؤتمر المانحين لنهاية عام 2007 الذي ينتهي العمل به آخر العام الحالي. كما أنها تراهن أيضا على انعقاد القمة المتوسطية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في برشلونة وهي القمة المؤجلة من يونيو (حزيران). وترى باريس أن العائق الأول الذي حال دونها (أي جمود المفاوضات) سيكون قد زال مع استئنافها وأن العائق الآخر (رفض مصر وبعض العرب الجلوس إلى جانب أفيغدور ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل) يمكن الالتفاف عليه.

ومن المنظور الفرنسي والغربي بشكل عام، ثمة «فوائد» من ضم سورية إلى مسار المفاوضات. وتقول مصادر باريس إن ذلك سيعني «دعوة سورية لعدم عرقلة الجهود الفلسطينية عبر حماس والجهاد الإسلامي»، وأيضا حفز حزب الله اللبناني على «الاعتدال» ما من شأنه أن «يريح» الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية وتسهيل المصالحة الفلسطينية أو على الأقل وقف تدهور العلاقة بين فتح وحماس. أما الهدف الأخير فيتناول الملف الإيراني إذ إن «سورية التي تفاوض هي غير سورية المتروكة جانبا» من جهة علاقتها بطهران وبالسياسة الإيرانية في المنطقة.

أما النقطة الثالثة، فتتمثل في أن نافذة الثلاثة أشهر الدبلوماسية قائمة، من المنظور الفرنسي حتى الانتخابات النصفية الأميركية في نوفمبر التي لا يمكن الجزم بالجهة التي ستكسبها. ولذا هناك «حاجة ملحة» لتحريك الملف السوري والاستفادة من معاودة المفاوضات على الملف الفلسطيني. غير أن باريس ترى أن الرئيس السوري «لا يستطيع الدخول في مفاوضات من غير ضمانات» التي هي برأيها «التزام إسرائيلي بالانسحاب من الجولان» ما يسمى «وديعة رابين». ولذا، فإن باريس تعتبر «المفتاح موجودا في إسرائيل وتحديدا في جيب نتنياهو». والسؤال الذي تطرحه المصادر الفرنسية هو التالي: هل يستطيع نتنياهو أن يعطي هذه الضمانات؟ وهل يريد أصلا التفاوض مع دمشق؟

حتى الآن، تؤكد باريس أن نتنياهو يرفض «النظر» في استئناف المفاوضات لآن الليكود يعارضها ولأنه يعتبر هضبة الجولان «خطا أحمر». لكن باريس تقدر أن «المؤسسة العسكرية» في إسرائيل لها رأي مختلف وبعضها يعتبر السلام مع سورية ولو كان ثمنه الجولان «استراتيجيا لما له من مفاعيل على لبنان وجنوبه بشكل خاص وعلى إيران وعلى الفلسطينيين». ولذا، فإن «الرهان» على إمكانية «تحريك» موقف نتنياهو ممكن خصوصا إذا ترافق ذلك مع «دعم» أميركي وهو «متوافر» وفق ما تؤكده باريس.

وخلاصة القول أن فرنسا ترى أن هناك «فرصة» وأن دور السفير كوسران الذي يعد من أكثر المطلعين على شؤون الشرق الأوسط هو استكشاف هذه الفرصة وإمكانيات الاستفادة منها حتى لا تكون «النافذة الدبلوماسية» قد أغلقت قبل أن تفتح.