مؤشرات على تعارض المصالح الأميركية والعراقية مع خطط الانسحاب

مسؤولون أميركيون يتحدثون عن «وجود دائم».. وعراقيون يشكون في قدرات قواتهم

وزير الدفاع العراقي، عبد القادر العبيدي، يجلس إلى جانب جندي أميركي خلال مؤتمر في بغداد بحث خطط الانسحاب العسكري الأميركي من العراق أمس (أ.ف.ب)
TT

خلال خطاب ألقاه مؤخرا، أشار الرئيس باراك أوباما إلى التزامه بوعده بإنهاء المهام القتالية الرسمية حسب الجدول المحدد، وتعهد بالالتزام بالموعد النهائي الآخر الذي حددته الولايات المتحدة لسحب جميع القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية عام 2011. وقال الرئيس: «حسبما تم الاتفاق مع الحكومة العراقية، سنبقي على قوة مؤقتة حتى نسحب جميع قواتنا من العراق بحلول نهاية العام المقبل».

بيد أن الواقع الميداني ربما يشكل تحديا لهذا الموعد النهائي، نظرا إلى أن مسؤولين على الجانبين العراقي والأميركي يرون أن الوجود الأميركي يخدم المصالح الوطنية للجانبين.

وفي هذا الصدد، قال رايان كروكر الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في بغداد حتى عام 2009 وساعد في المفاوضات التي أثمرت عن اتفاق يربط بين البلدين ويلزم برحيل جميع الجنود الأميركيين من العراق بحلول نهاية عام 2011: «على مدار فترة طويلة للغاية سنبقى مشاركين في أرض الواقع، حتى وإن كان ذلك فقط لدعم أنظمة الأسلحة الأميركية». وأضاف أنه حتى في الوقت الذي جرت خلاله المفاوضات، جرى دوما النظر إلى أن استمرار وجود أميركي دائم، وإن كان أصغر بكثير، أمر محتمل.

في الوقت الراهن ورغم مرور خمسة أشهر على عقد انتخابات وطنية، لا يزال العراق من دون حكومة كي تشرع في التفاوض بشأن التداعيات المحتملة لترتيبات ما بعد عام 2011. إلا أن الكثير من العراقيين يرون أن استمرار الوجود الأميركي ضروري على عدد من الجبهات، منها أن العراق يشتري المزيد والمزيد من الأسلحة الأميركية، مثل الدبابات والطائرات الحربية، وسيكون بحاجة إلى أميركيين على أراضيه لمهام التدريب والصيانة. في الوقت ذاته، تتكثف جهود تدريب الجيش العراقي لتعليمه ليس كيفية قتال المتمردين في الداخل فحسب، وإنما كذلك كيفية حماية الحدود الوطنية - الأمر الذي ربما يستغرق سنوات عدة.

وأعرب الكثير من الأميركيين، وعلى رأسهم جوزيف بايدن، نائب الرئيس، عن اعتقادهم بأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة الانسحاب تماما من العراق - حتى ولو كانت معارضة حرب العراق هي التي رفعت مكانة أوباما على الصعيد الوطني ورغم وعوده خلال حملته الانتخابية الرئاسية بإنهاء الحرب. ومن شأن ذلك القرار ترك تأثيرات مباشرة على الثمار التي يمكن للولايات المتحدة أن تجنيها من وراء كل الدماء التي أريقت - أكثر من 4000 جندي أميركي - وعلى حصولها على كنز يتمثل في حليف ديمقراطي داخل منطقة تستعر بالأزمات يمكنه كبح جماح النفوذ الإيراني وإتاحة الفرصة لواشنطن للاستفادة من موارد العراق النفطية الهائلة.

وبمقدور الوجود الأميركي المستمر، بتكلفة ضئيلة نسبيا، منع العراق، الذي يتسم بتاريخ طويل وعنيف من الانقلابات المسلحة والاستبداد، من الانزلاق مجددا إلى هوة الحرب الأهلية.

بيد أن هذا القرار قد يحمل مخاطر سياسية على الجانبين. بالنسبة إلى أوباما، فإن تعمق التزامه بحرب كان يعارضها ربما يثير سخط مؤيديه الذين ساعدوه في الوصول إلى الرئاسة، خاصة مع تخلي حزبه ببطء عنه فيما يتعلق بالحرب في أفغانستان.

من جانبهم، يواجه القادة العراقيون رأيا عاما يتمنى التحرر من القبضة العسكرية السياسية، لكن القصور في القوات المسلحة الوطنية واضح. وفي هذا السياق، أوضح هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي، أن «بلادنا لن تتمكن من الدفاع عن نفسها ضد عدوان أجنبي لفترة طويلة»، لكنه أبدى ترددا في تناول مسألة ما إذا كان على الأميركيين البقاء، واكتفى بالقول: «يعود الأمر إلى الحكومة لاتخاذ قرار بهذا الخصوص إذا ما ارتأت الحاجة إلى بقائهم».

وعندما جرى التفاوض بشأن الاتفاق الأمني عام 2008، كان من الضروري على الصعيد السياسي بالنسبة إلى المسؤولين العراقيين إقرار سيادة وطنهم من خلال تحديد موعد نهائي للانسحاب الأميركي، حتى مع انتشار الاعتقاد بإمكانية تعديل الاتفاق لاحقا.

ورغم استمرار تساقط الجنود ورجال الشرطة العراقيين على أيدي المتمردين، سيتحول محور اهتمام المهمة الاستشارية الأميركية نحو إعداد الدفاعات الوطنية العراقية. يذكر أن مئات الآلاف من العراقيين قتلوا خلال الحرب مع إيران في ثمانينات القرن الماضي.

من ناحيته، قال الجنرال راي أوديرنو، قائد القوات الأميركية في العراق: «على امتداد الشهور الـ17 القادمة ستشهدون اضطلاعنا بتدريب القوات العراقية على القدرات التي نعتقد أنهم يحتاجون إليها لحماية أنفسهم من التهديدات الخارجية». وإلى جانب الدبابات، اشترى العراقيون رشاشات طراز «إم - 16» وسفنا حربية ويسعون لشراء طائرات نفاثة مقاتلة طراز «إف - 16» من واشنطن. وعلى أدنى تقدير، ستتطلب صفقات الشراء تلك بقاء فرق عسكرية أميركية ومقاولين خصوصيين في العراق لما بعد عام 2011 كمدربين ومستشارين.

ولا تزال القوات الأميركية مستمرة في انسحابها بغية تنفيذ هدف الرئيس بتقليص عدد الجنود الأميركيين في العراق إلى 50000 جندي بحلول الأول من سبتمبر (أيلول). وتجري هذه العملية خلال الصيف على خلفية حالة من الشلل السياسي وإدراك الطبقة السياسية العراقية أن أوباما مهتم على نحو متزايد بالحرب في أفغانستان.

في تلك الأثناء، يبقى ميراث الحرب ومستقبل العلاقات الأميركية - العراقية غير مستقر. وقال الجنرال أوديرنو: «يعتقد الجميع أنه بحلول الأول من سبتمبر سنتخلى عن العراق، إننا لا نتخلى عن العراق، وإنما ما نفعله هو تبديل التزامنا من التزام يهيمن عليه الطابع العسكري إلى آخر يحمل طابعا مدنيا أكبر، الأمر الذي أعتقد أنهم في حاجة أكبر إليه».

* خدمة «نيويورك تايمز»