جدار الفصل الإسرائيلي يطوق قرية الولجة ويعزلها عن محيطها الفلسطيني

أهلها يخشون من أن تتحول القرية الأجمل والمطلة على القدس وبيت لحم إلى قفص كبير

قرية الولجة («الشرق الأوسط»)
TT

يلتف جدار الفصل الإسرائيلي حول قرية الولجة، شمال بيت لحم، وجنوب القدس، ببطء شديد، لكنه مثل السرطان، ينتشر ويتمدد ويأكل الأرض ويخرب حياة الناس.

في الطريق إلى الولجة يطل عليك (الجدار الأفعى) مبكرا، يحمي مستوطنة هار جيلو، التي لا تبعد بعض بيوتها عن بيوت الولجة سوى بضعة أمتار. وتدل حفريات في المكان وبعض الخرائط التي سلمها الإسرائيليون للمجلس القروي هناك، على أن الجدار سيطوق القرية من جميع الاتجاهات. ويخشى أهالي القرية الجميلة، إذا ما نفذ المخطط، من أن تتحول قريتهم إلى سجن كبير، معزول عن محيطه الفلسطيني وعمقه الوطني.

وقال شادي وهادنة، 28 عاما، وهو يشير إلى حفرية طويلة وضعت فيها أساسات إضافية لمكعبات الأسمنت المسلح التي تشكل الجدار، «انظر.. إنه سيحول قريتنا إلى قفص كبير».

ويتوقع وهادنة أن يبني الإسرائيليون بوابة كبيرة لأهالي القرية قريبة من محله الذي يبيع فيه أدوات الدهان، وقال، «سيعزلوننا عن بيت لحم مثل معتقلين لديهم».

وأكدت ويلو هيسكي الناطقة باسم منظمة «أوكسفام» الإنسانية أن الولجة المرتبطة تماما ببيت لحم، خاصة في مجال الخدمات الصحية ستكون «القرية الوحيدة في الضفة الغربية التي سيطوقها الجدار بالكامل».

ويخطط بعض شباب الولجة لمغادرة القرية إلى بيت لحم، وقال وهادنة: «إذا تعطلت أعمالنا فهذا هو الحل الوحيد».

وتمتد القرية الجبلية، التي يعيش فيها نحو 2000 فلسطيني، على مساحة 4500 دونم من أصل 17793 دونما، استولت عليها إسرائيل، وحولتها إلى أراضي دولة ومستوطنات ومحميات أمنية. وتحوي الولجة أكبر شجرة زيتون في فلسطين، وعمرها 3000 عام، وينابيع طبيعية، أشهرها نبع عين الحنية. وتعتبر الولجة من أجمل قرى الجنوب الفلسطيني، وتطل على القدس المحتلة.

ومن منزل إبراهيم أبو التين، يمكن مشاهدة الكنيست الإسرائيلي ومستشفى المطلع، وأسواق المالحة وملعب تيدي كوليك (رئيس بلدية القدس السابق) في القدس، بوضوح تام.

وقال أبو التين، 67 عاما، وهو ينظر إلى القدس، «ما زال شبابنا يستطيعون الوصول إلى القدس بطريقة أو بأخرى، البعض ينفذ من ثغرات هنا وهناك من أجل الوصل إلى عمله في القدس، ولكن إذا وصل الجدار إلى هنا، كما هي الخطط، فإنه سيدمر حياة كثيرين.. سيفقدون مصادر رزقهم».

أسفل منزل أبو التين، في أراضي حارة عين الجويزة المهددة بالهدم، تمر سكة حديد إسرائيلية تربط بين القدس وحيفا ويافا واللد والرملة، لكن ممنوع على الفلسطينيين حتى مجرد الاقتراب منها، وتحمي إسرائيل السكة بسياج أمني وبعض الحراسات.

كان الأطفال يراقبون القطار كمن يراقب لعبة «قطار الموت» الشهيرة في مدن الملاهي، فالفلسطينيون المقيمون في الضفة وغزة لم يجربوا القطار الحقيقي ولا قطار الملاهي، على أي حال.

وقال أبو التين، «هم يريدون الأرض من دون السكان، هذه هي معادلة إسرائيل الصعبة هنا. هم يندمون، أصلا، شديد الندم على أنهم سمحوا لنا بالبناء والتكاثر هنا».

وكثفت وزارة الدفاع الإسرائيلية أعمال البناء في الجدار هذا الشهر في محاولة لفرض الأمر الواقع لمنع محكمة العدل العليا من وقف الأعمال، بعدما رفع سكان الولجة وشركة «حماية الطبيعة» التماسا إلى المحكمة العليا مطالبين بإيجاد مسار بديل لجدار الفصل، باعتبار المسار الحالي يقضم مزيدا من الأراضي، ويوجه ضربة قاضية لتضاريس الطبيعة المميزة في المنطقة. وردت مصادر في وزارة الدفاع، وقالت إن الأشغال تتم بالوتيرة ذاتها. وقالت الوزارة، إن «المحكمة العليا ردت طلبا باستصدار أمر احترازي وهكذا سمحت باستمرار الأشغال. وعليه، فإن الأشغال مستمرة، كما كان مخططا لها. ولجنة الاستئناف، التي بحثت في المسار وجدت أن هذا المسار هو المسار الأمني الأفضل، ويفي بمطلب تقليص الضرر لنسيج الحياة الفلسطينية ويراعي قيم المشهد والطبيعة».

ويخرج الجدار بمساره الحالي بيت عائلة شنانيري خارج الولجة، ويحتل البيت الوحيد، الذي يبدو مثل فطر نبت على رأس جبل، أعلى قمة في الولجة، ومن هناك تظهر القدس المحتلة ليلا في أروع صورها، وينتابك شعور غريب وأنت تشاهد جزءا من بلادك على مرمى حجر، ممنوع عليك أن تطأه بقدميك.

والأسبوع الماضي زار 3 ممثلين عن وزارتي الدفاع والداخلية، والإدارة المدنية الإسرائيلية، عمر شنانيري، وأخبروه بأنهم سيطوقون منزله بالأسلاك الشائكة، لأنه سيصبح داخل القدس. لكن هذا لا يعني أبدا أنه سيتحلى بحقوق أهالي القدس المحتلة. وقال له الزوار الغرباء، «جئنا نخيرك بين بوابات إلكترونية، أو أن تعبر من نفق تحت الأرض»، فرد شنانيري، «أختار ألا أراكم أبدا هنا.. لا أقبل أن أعيش مثل حيوان في قفص به بوابات».

وأخذ شنانيري دفترا وقلما وراح يرسم خريطة لمنزله خارج الولجة. وأوضح شنانيري عبر الرسم كيف ستبني إسرائيل جدارا من الأسلاك الشائكة في المنطقة، يكون مثل ممر كبير تجول بداخله سيارات الأمن والجيش، وعبره ستزرع إسرائيل بوابتين من أجل أن تمر عائلة الشنانيري.

ويملك شنانيري 18 دونما في التلة المعروفة بخربة رغدان، المليئة بالآثار التي نقبت عنها إسرائيل جيدا في السنوات الماضية. وشاهدنا هناك آثارا لمعصرة زيتون حجرية وبعض أساسات المنازل داخل الصخور، وقال شنانيري «هذه آثار عمرها 3000 عام».

وعاش شنانيري معاناة كبيرة في سنوات الانتفاضة الأولى، في محاولة لحمله على مغادرة المكان، وقال، «وضعوا حاجزا عسكريا أمام باب منزلي، ومنعوني أياما وساعات من الدخول إلى المنزل، بينما كانوا يمنعون زوجتي من الخروج منه، وكانوا يطلبون منا ترك المكان، لكن أنا قلت لهم لو بنموت كلنا ما راح نترك».

وتلقى شنانيري دعما، آنذاك، من الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي أمر بدفع ما يقارب الـ50 ألف دولار من أجل توصيل الكهرباء والماء لمنزله. وقال شنانيري «أبو عمار (ياسر عرفات) كان يدعم صمودنا هنا، ولكن الآن الوضع مختلف». وقال شنانيري إنه كلما اتصل بمسؤولين فلسطينيين، كانوا يردون عليه دوما بعبارة «إن شاء الله بيصير خير».