الجنود الأميركيون يعانون من معضلة الثقة مع عناصر الشرطة الأفغانية

التواصل مفقود.. ومخاوف من تسريب معلومات عن تحركاتهم

أطفال أفغان حول جندي دولي على مقربة من موقع تعرض لهجمات من المتمردين قبل عدة أيام في قندز بأفغانستان («نيويورك تايمز»)
TT

تبدو خطة الدوريات الراجلة، على الورق، التي تبدأ بالتجول في مجموعة من القرى والحديث إلى عدد من وجهاء القبائل ثم العودة مرة أخرى إلى مبنى الشرطة الأفغانية شديد الحراسة، آمنة تماما.

لكن المهمات الأولى من هذا النوع كانت تسير بأسلوب خاطئ للغاية. ومن ثم كان قائد السرية عادة ما يتشاور مع قائد الفصيلة خلال الساعات القريبة من الفجر، للتحقق من المناطق التي يحتمل أن تكون موضعا للكمائن ووضع مسارات الانسحاب والقلق بشأن أي خطأ ممكن في المعدات.

بيد أن هناك أمرا واحدا يلزم القوات الأميركية بذل المزيد حياله، ألا وهو الثقة في نظرائهم من الشرطة الأفغانية. كان جنود الكتيبة الأولى مشاة يتذمرون ويتساءلون: هل هذه القرى حقا صديقة كما تزعم قوات الشرطة الأفغانية؟ هل هذه الطرق فعلا خالية من الألغام؟ ماذا سيحدث إذا قدم أحد الضباط الأفغان معلومة لمقاتلي طالبان عن تحركات الكتيبة؟

قبل أسبوع أصيبت فصيلة من كتيبة مختلفة بلغم أرضي خلال مصاحبتها لقوة شرطة أفغانية على طريق ترابي. وتساءل بعض الجنود عماد إذا كان أفراد الشرطة الأفغانية هم من قادوا الأميركيين إلى الفخ. لكن هذه الفرضية تم استبعادها على الفرق لأن الشرطة الأفغانية كانت تواجه نفس الخطر الذي يواجهه الجنود الأميركيون، لكن التوتر استمر يعتمل داخل النفوس.

ويقول قائد الفرقة: «الكل يعلم أن هناك طريقا واحدا للدخول وآخر للخروج. لا يطلق الأميركيون على هذه الدوريات مهمات تدريبية، لكنها بالنسبة لجنود الكتيبة الأولى، من اللواء 87 مشاة العاملة في إقليم قندز شمال أفغانستان، أكثر من ذلك بكثير، فخلال انتشارهم في هذه المنطقة على مدار عام، والذي بدأ ربيع هذا العام كجزء من الفرقة العاشرة، سيحاولون شحذ المهارات القتالية لعناصر الشرطة المحلية - مجموعة من الشباب الأميين يرتدون ثيابا بالية، والمقاتلين المسنين - لكنهم يرافقونهم إلى أكثر المناطق كثافة في الإقليم.

الهدف الرئيسي من وجود الجنود الأميركيين، والذي يمثل حجر الزاوية في الاستراتيجية الأميركية، مساعدة القوات الحكومية الأفغانية على النهوض بمفردها، كي يظهروا للمتشككين الأفغان أن قوات الشرطة قادرة على الحفاظ على أمنهم. لكن أهم الخطوات التي لم يشِر إليها أحد هي حمل الجنود الأميركيين على الوثوق بالشرطة الأفغانية.

تعتبر قوات الشرطة الوطنية الأفغانية أضعف أفرع القوات الأمنية الأفغانية، وعادة ما تفتقر إلى التدريب والمعدات والالتزام والأخلاقيات، على حسب قول القادة الأميركيين. الأهم من ذلك هو قلق القادة الأميركيين من أن يلجأ بعض قادة الشرطة - سواء كانوا راغبين أو غير ذلك - إلى التآمر مع المتمردين. ففي نهاية العام الماضي قتل شرطي أفغاني في إقليم هلمند خمسة من الجنود البريطانيين كان يعمل معهم.

وتعاني القوات الأمنية الأفغانية هي الأخرى من مشكلة الثقة مع قوات الناتو. ففي أبريل (نيسان) أطلق جندي ألماني النار على شاحنة تحمل جنودا أفغانا كانت في طريقها لمساعدة وحدة ألمانية تعرضت لكمين من المقاتلين في مقاطعة تشاره ديره، قتل خلالها ستة جنود.

ويقول غلام مايدين، قائد شرطة المقاطعة: «لسنا خائفين من العدو، لكننا نخاف من الألمان». ومن ثم فإن بناء الثقة بين الجانبين أمر حيوي، ويرى قادة الكتيبة أن السبيل الأفضل لذلك يتمثل في الوجود مع عناصر الشرطة الأفغانية ليل نهار، وسموها «العيش والتدريب والعمل». وهو ما جاء بسرية دلتا من الكتيبة الثانية إلى مقر الشرطة في تشاره ديره في مهمة تمتد لأربعة أيام، الخطوة الأولى لبقاء الجنود الأميركيين في المقاطعة طوال الوقت.

وقال الليفتنانت أندرو مكارثي، قائد الكتيبة: «أبدى بعض الجنود قلقهم بشأن الشرطة الأفغانية والإشراف عليها. لكنني على يقين من أن هؤلاء الشباب يعملون مثلنا ويريدون ذات الشيء».

تقع مقاطعة تشاره ديره جنوب غربي إقليم قندز، وتبعد ستة أميال عن وسط قندز، خامس أضخم مدن أفغانستان، لكنها لا يزال من الصعب اعتبارها منطقة آمنة.

وقال الكابتن ديفيد بيل، قائد سرية دلتا: «هناك جسر واحد للدخول والخروج إلى المدينة، وهو ما يجعل المدينة ملاذا آمنا للمتمردين».

تعد المقاطعة جزءا من الحزام البشتوني في شمال أفغانستان، حيث تتحدث الكثير من القرى هنا نفس اللغة والشعور القبلي، بل وحتى التعاطف مع طالبان، ويتعاطفون مع إخوانهم في قندهار وهلمند.

جنود الشرطة ليسوا مقاتلين من الناحية التقنية، لكنهم يتوقع منهم الحفاظ على الأمن بصورة يومية، وهو ما يعني مقاتلة المتمردين. ووفق كل الروايات فإنهم غير مسلحين بالعتاد الكافي وأعدادهم أقل من أن تتمكن من القيام بذلك.

تبلغ قوة الشرطة في تشاره ديره نحو 50 شرطيا فقط لحماية 63000 شخص موزعين عبر 500 ميل مربع في مساحة تقارب مساحة مدينة لوس أنجليس. ويقول قائد الشرطة في المدينة إنه بحاجة إلى ضِعف هذا العدد ليتمكن من توفير الأمن بفاعلية.

لكن حتى الآن نادرا ما تجاوز الشرطة الأفغانية - التي تركب سيارات دفع رباعي غير مدرعة، وهم مسلحون ببنادق الكلاشنيكوف - موقعها بميلين ما لم تكن مصحوبة بقوات ألمانية أو أميركية. ونتيجة لذلك فإن القرى هنا نادرا ما ترى ضابط شرطة واحدا.

بعد أن أقام الجنود الأميركيون أسرّة النوم في ثكناتهم الجديدة في مقر قوات الشرطة بدأوا سريعا في مهمتهم الأولى، تحديد مدى كفاءة نظرائهم الأفغان، قدم الليفتنانت مكارثي محاضرة حول عمليات القوافل عند التعرض لكمين. ثم بدأ بعد ذلك الجنود الأميركيون والأفغان في محاكاة مواجهة كمين.

لا يستطيع الجنود الأفغان التحدث باللغة الإنجليزية، ولا يتحدث الجنود الأميركيون أيا من اللغات البشتونية أو الدارية، وهناك مترجمون فقط، لكنّ أيا منهم لا يجيد الحديث بالإنجليزية على الإطلاق. وكانت إشارات الأيدي والتأثيرات الصوتية كافية، وهو ما أدهش الجنود الأميركيين.

كان كل الجنود الأفغان مثل قائد السرية نياز محمد، 47 عاما، فهو قصير وأصلع وذو لحية بيضاء تجعله يبدو أكبر من عمره، حارب ضد الاحتلال السوفياتي في الثمانينات. وفي المقابل كان نظيره الأميركي الليفتنانت مكارثي طويلا أنيقا يبلغ من العمر 24 عاما.

ويقول غلام مايدين: «أنا أعلم ما يدور في عقول الجنود الأفغان الآخرين. هم يقولون نحن لسنا بحاجة إلى المزيد من التدريب، نحن بحاجة إلى القوات الأميركية لكي تقاتل إلى جانبنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»