معسكر بريطاني ضد إرهاب «القاعدة» بمشاركة 20 ألف شاب وفتاة الصيف المقبل

الشيخ القادري صاحب فتوى «الإرهابيون أعداء الإسلام» لـ«الشرق الأوسط»: دخلنا دول الغرب بعهد وميثاق.. وبلدانهم «دار أمان» وعلينا احترام قوانينهم

الشيخ محمد طاهر القادري (تصوير: حاتم عويضة)
TT

تخطط جماعة «منهاج القرآن» لإقامة معسكر صيفي في بريطانيا «لمكافحة الإرهاب» والقضاء على الأفكار الأصولية بمشاركة 20 ألف شاب وفتاة في لندن الصيف المقبل بعد النجاح المنقطع النظير لمخيمها الصيفي الذي أقيم في جامعة ووريك بمدينة كوفنتري لمدة 3 أيام، وتجاوز عدد المشاركين فيه أكثر من 1300 شاب مسلم.

و«منهاج القرآن» منظمة دولية أسسها المرجع الكبير العالم الشيخ محمد طاهر القادري الباكستاني المولد مؤلف «الدراسة الدينية» المكونة من 600 صفحة بالعربية والإنجليزية والأردية التي أدان فيها «الإرهاب العالمي والتفجيرات الانتحارية» فيما اعتبر «تحديا مباشرا للفكر المبني على العنف الذي يتبعه تنظيم القاعدة، وتنص فتواه على أن «الإسلام ليس بريئا فقط من التفجيرات الانتحارية والهجمات التي تستهدف المدنيين؛ وإنما أيضا يخرج المتورطين فيها عن ملة الدين الحنيف، أي أنه يعتبرهم كفارا». وتهدف الجماعة من المعسكر إلى الترويج للفتوى التي أصدرها القادري ضد الإرهاب في مارس (آذار) الماضي والتي أكد فيها أن الانتحاريين «لا يمكنهم الادعاء بأن انتحارهم عمل من أعمال الشهادة ليصبحوا من أبطال الأمة، هذا غير صحيح لأنهم سيصبحون من أبطال النار في الجحيم». وأضاف «أن أفعالهم في هذه الحالة لا يمكن بأي شكل أن تصنف في إطار الجهاد».

تجادل جماعة «منهاج القرآن» بأن الكثير من المنظمات الإسلامية التقليدية كانت ضعيفة في مكافحة الآيديولوجية الجهادية، فتركت الشباب، دون أن تدري، في خضم التيار الأصولي مرتبكين يسهل غسل أدمغتهم. وترى الجماعة التي يتسع انتشارها في المملكة المتحدة أنه «لا بد من اتخاذ موقف أشد علانية ضد التطرف، يسانده فهم صائب لما يقوله الإسلام عن العنف».

وقال القادري في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» أول من أمس «لقد أعلنت حربا فكرية وروحية ضد التطرف والإرهاب والانتحاريين، وأعتقد أنه حان الوقت أمام المفكرين الإسلاميين المعتدلين للوقوف معنا في هذه المعركة الفكرية». وأضاف لقد دخلنا بلاد الغرب بتأشيرات دخول وبعهد وميثاق وهناك منا من يحمل جنسية هذه البلدان الغربية، وهي بلدنا وبلد إقامتنا أو زيارتنا أو سياحتنا وبلد علاجنا أيضا وعلينا احترام قوانين هذه البلدان لأنها لا تمانع عقيدتنا ولا تقف حائلا دون عباداتنا وصلاتنا وصيامنا وقيامنا بل إننا نستطيع أن نعبر عن رأينا بجرأة أفضل من بعض بلادنا العربية والإسلامية، حتى أن السجون والمعتقلات والمحاكم في بلاد الغرب أفضل من بعض بلدان المسلمين. وقال إن فتواه بالإنجليزية والأردية تمت ترجمتها إلى العربية وجاهزة للنشر أيضا.

وأضاف «شعرت بأن من واجبي إنقاذ الأجيال الشابة من الأصولية وموجة تجنيد الإرهابيين في الغرب، فكان هذا المخيم الصيفي الذي عقد في كوفنتري وآخر سيكون في لندن بمشاركة 20 ألف شاب وفتاة مسلمة العام المقبل». وأكد القادري لمئات الشبان الذين أتى بعضهم من الدنمارك وفرنسا للمشاركة في هذا الحدث الذي استضافته جامعة وورويك، أن «هذه الدول التي تحمي حياتنا وممتلكاتنا وشرفنا علينا أن نعاملها كما ينص عليه القرآن أي (دار الأمان) أو عالم السلام. إنها دول مسالمة ولا يحق لكم استخدام الإرهاب ضدها».

وأضاف أن «العناصر الإرهابية تقوم بغسل أدمغة الشباب عبر تفسير عقائد الإسلام بشكل خاطئ، ويجب على الشباب الابتعاد عن نشاطات العناصر الإرهابية».

وأوضح وجدت أنه من الأفضل مواجهة التطرف ليس بإصدار الفتاوى التي تجرم الانتحاريين والإرهابيين فقط بل النقاش والحوار مع الشباب المسلمين لإبعادهم عن هذا التيار، والحوار أيضا مطلوب بين الشباب والعلماء والمشايخ الأفاضل، لأن العالم يستطيع أن يقنع الشاب المتطرف بأن منهجه وفكره مخالف للرسول الكريم، ويشرح له أيضا مفهوم منهج الوسطية، بموجب الآية الكريمة «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا»، فهي خير الأمم التي أُخرجت للناس، وقد وصفها المولى، عز وجل، وشهد لها بذلك فقال تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ»، ومع الرسول الكريم، والقرآن المجيد، شرفت هذه الأمة، وبمتابعتهما والاهتداء بهديهما كانت خير الأمم وأوسطها وأعدلها، ثم كان سعد هذه الأمة في اتباعهما وحرصها على هديهما قولا وعملا واعتقادا. وقال أحمد الحق، طالب جامعي، إن هذا الموقف «أمر جيد للغاية، لأن الإرهاب خطر على الإنسانية».

وانتظم المشاركون في كوفنتري على مدار 3 أيام في فصول تدرس الحجج الدينية التي يمكن استخدامها ضد المتطرفين. وقال القادري إن المخيم كان يتسع لنحو 1200 شخص، ولكن جاء المئات الذين سكنوا في فنادق المدن المجاورة لكوفنتري للتعرف على الفكر المناهض للمتطرفين الذين شوهوا ديننا الحنيف. وبحسب العالم الجليل القادري، فإن لقاء «الهداية 2010» شهد على مدى أيامه الثلاثة نقاشات ومناظرات ومؤتمرات وورش عمل وصلوات في عملية نظمتها منظمة «منهاج القرآن». وتأسست هذه المنظمة في باكستان في 1991 على يد محمد طاهر القادري، وهو رجل دين من أصل باكستاني أصدر في مارس فتوى دينية تحرم الهجمات الإرهابية وتعتبر الإرهابيين أعداء الله. وأوضح القادري لـ«الشرق الأوسط» أن الإسلام وضع قوانين الحرب حيث منح الأطفال والنساء والمسنين حماية تامة خلال الحرب وأن المراكز التجارية والمدارس والمستشفيات وأماكن العبادة مناطق آمنة حسب تلك القوانين الحربية. وقال القادري إن «المهاجمين الانتحاريين يُعتبرون خارجين عن دائرة الإسلام»، معربا عن أمله أن لا يتم استخدام الشباب من قِبل عناصر إرهابية أو منظمات متطرفة بعد دراستهم الفتوى، مضيفا أن العناصر الإرهابية تقوم بغسل أدمغة الشباب عبر تفسير عقائد الإسلام بشكل خاطئ، ويجب على الشباب الابتعاد عن نشاطات العناصر الإرهابية، ووصف «القاعدة» بأنها «شر قديم باسم جديد». وأدان القادري بشدة الذين يقومون بأعمال إرهابية باسم الدين ووصفهم بأنهم «أعداء للإسلام»، موضحا أن هؤلاء الناس إذا كانوا يرغبون في «الجهاد» فيجب عليهم القيام بالجهاد ضد الجهالة والفساد والفقر والشرور الاجتماعية الأخرى.

وتابع الشيخ القادري أن الإسلام «ليس فقط بريئا من التفجيرات الانتحارية والهجمات التي تستهدف المدنيين لكنه أيضا يُخرج المتورطين فيها من الملة القويمة، أي أنه يعتبرهم كفارا»، ليخلص إلى اعتبار تنظيم القاعدة بمثابة «شر قديم باسم جديد». وقال القادري، إن فتواه ترفض بشكل قاطع أي عذر لتبرير العنف، مضيفا أن «الإرهاب هو الإرهاب، والعنف هو العنف، ولا مكان لهما في تعاليم الإسلام ولا يوجد لهما أي تبرير أو عذر أو حجة».

والقادري مقره في كندا الآن، وله أتباع كثر في بريطانيا وليس أول داعية يعلن معارضته للإرهاب، إلا أن أتباعه يأملون أن تصبح فتواه أشد الوثائق نفوذا في هذا المجال. ويترأس الشيخ القادري حركة «منهاج القرآن» التي لها فروع في أنحاء متفرقة من العالم، وتحديدا في أكثر من 90 دولة، خصوصا في بريطانيا. وتعتبر «الدراسة الدينية» للقادري والمؤلفة من 600 صفحة من قبل أتباعه أوضح وأشمل نفي للحجج التي يسوقها الجهاديون لتبرير العنف بما في ذلك التفجيرات الانتحارية واستهداف المدنيين. وقال القادري في فتواه الواقعة في 600 صفحة إن الانتحاريين «لا يمكنهم الادعاء بأن عملياتهم الانتحارية هي عمليات نفذها شهداء يصبحون لاحقا أبطال الأمة (الإسلامية)، كلا، بل هم يصبحون أبطال نار جهنم. والفتوى المكونة من 600 صفحة للقادري لم تكن الأولى، فقد أصدر من قبل فتاوى ضد الإرهابيين عقب هجمات سبتمبر (أيلول)، وكذلك عقب تفجير المدارس في كراتشي وروالبندي العام الماضي. وكانت تصريحاته عقب هجمات سبتمبر مدوية ضد الانتحاريين الـ19، في تأكيده أن تفجير مركز التجارة العالمي ليس جهادا بل هو إرهاب واضح للعيان، لأن الانتحاريين قتلوا آلاف الأبرياء وعرضوا حياة المسلمين حول العالم للخطر. وفي فتواه الأخيرة التي أصدرها من لندن اعتمد فيها على الأدلة الشرعية المستنبطة من السلف الصالح والمستمدة من أقوال الشيخ عبد العزيز بن باز وناصر الدين الألباني وشيخ الإسلام ابن تيمية والفوزان في التحريم القطعي للإرهاب، مؤكدا أن الانتحاريين لا يمكنهم الادعاء بأن انتحارهم عمل من أعمال الشهادة

* القادري في سطور

* اسمه الكامل محمد طاهر قادري، من مواليد عام 1951 في مدينة «جهانج» التاريخية في باكستان. والده هو الشيخ فريد الدين القادري الجيلاني، الذي كان من كبار علماء الشريعة في باكستان. درس القادري، الذي يلقب في باكستان باسم «شيخ الإسلام»، علوم الدين في المدينة المنورة بالسعودية عام 1963، حيث تلقى تعليمه الأولي في مدرسة العلوم الشرعية التي كانت تقع في منزل الصحابي أبي أيوب الأنصاري، وقرأ على الشيخ ضياء الدين أحمد المهاجر المدني مشافهة في بيته أمام باب عبد المجيد خارج المسجد النبوي الشريف.

كما تتلمذ الشيخ القادري على يد كبار العلماء والشيوخ وأئمة التفسير والحديث والفقه ومختلف العلوم، الذين كانوا يعتبرون منابع العلوم الدينية والعصرية ومراجعها في القرن الماضي، حيث درس الحديث وأصوله، والتفسير وأصوله، والفقه وأصوله، والعقيدة، والتصوف والمعرفة، والسيرة النبوية، والتاريخ، واللغة العربية وآدابها، وعلم الفرائض والصرف والنحو والبلاغة، وغيرها من متون الكتب القيمة وشروحها وحواشيها. وكنتيجة لذلك؛ برز القادري كفقيه رائد وباعث قانوني ومفكر إسلامي كبير، ما جعله يتبوأ الكثير من المناصب العلمية والشرعية، وبالمقابل فإنه رفض عروضا كثيرة بمنحه مناصب من قبل الرئيس الباكستاني الأسبق، الجنرال ضياء الحق، منها عرض بمنصب عضو مجلس الشيوخ، ووزير للشؤون الدينية، كما رفض قيادة وزارة التعليم ووزارة القانون والشؤون البرلمانية. وقد ألف القادري نحو 100 كتاب في مواضيع متعددة، كما شارك في إلقاء 6 آلاف محاضرة حول مواضيع واسعة ومتنوعة.

وقضى القادري ما يزيد على 10 سنوات يتعلم من والده والشيوخ الآخرين في عصره. كما درس علوم الشريعة الإسلامية واللغة العربية، وحصل على ليسانس الدراسات الإسلامية عام 1972 من جامعة البنجاب. وفيما بعد درس قادري القانون البريطاني، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة البنجاب ومارس المحاماة لفترة وجيزة أما المحاكم المدنية. ثم انتقل إلى لاهور عام 1978، وانضم إلى جامعة البنجاب كمحاضر في القانون.