قانون أميركي جديد يحمي كتابا أميركيين من تهم التشهير في الخارج

لمواجهة «سياحة المحاكم» والالتزام بالتعديل الأول من الدستور الأميركي

TT

في تطور جديد يقوي النظام القانوني الأميركي للحفاظ على حرية التعبير، دخل هذا الأسبوع قانون أميركي جديد حيز التنفيذ يحمي الكتّاب والمؤسسات من تهم «التشهير» في محاكم خارج الولايات المتحدة. وصادق الرئيس الأميركي باراك أوباما على القانون الذي أصدره الكونغرس ويحمل عنوان «ضمان حماية قانون التاريخ الدستوري المستمر»، ويختصر ليسمى قانون «سبيتش»، وهي الكلمة الإنجليزية لـ«النطق». ويعتبر هذا القانون رد فعل أميركي لظاهرة «سياحة المحاكم» عندما يلجأ مشتكون إلى محاكم خارج الولايات المتحدة لمقاضاة كتّاب أميركيين بتهم التشهير.

وبموجب القانون الجديد، لم يعد بإمكان أي قاض في دولة خارج الولايات المتحدة أن يلاحق متهما في الولايات المتحدة يتهم بالتشهير أو يستولي على أي من ممتلكاته لدفع تعويض في حال ثبتت تهمة التشهير. وينص القانون على أن المحاكم الأميركية لن تنفذ قرارات محاكم أجنبية في قضايا التشهير، ويتمنع الاعتراف بمثل هذه القرارات إلا في حال وجدت محكمة أميركية أن الدولة المعنية فيها القوانين الأميركية نفسها التي تحمي حرية التعبير.

واعتبر المحامي الأميركي بول ألن ليفي المختص بقضايا التشهير «أنه قرار جيد جدا». وأضاف ليفي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن قوانين التشهير تختلف بين دولة وأخرى، ولكن القانون الأميركي الجديد يعني أن - فقط - القانون الأميركي سيطبق على الكتّاب والناشرين في الولايات المتحدة.

وشرح ليفي أن «الولايات المتحدة لديها أسلوب مميز في التعامل مع قضايا التشهير بسبب التعديل الأول للدستور الأميركي - ولديها دفاع لا يوجد في أي مكان آخر في ما يخص قضايا التشهير». وينص التعديل الأول للدستور الأميركي على أن القانون لا يمكن أن «يمنع حرية التعبير أو يقلص حرية التعبير أو الصحافة». وبموجب قضية مشهورة متعلقة بصحيفة «نيويورك تايمز»، حكمت المحكمة العليا الأميركية عام 1964 بأنه عندما تحاول شخصية عامة أن تقاضي كاتبا أو ناشرا في قضية تشهير، يجب أن تثبت الشخصية العامة وجود «خبث فعلي» من قبل الكاتب من أجل الحكم عليه بالتشهير. فعلى سبيل المثال، عندما قاضى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون صحيفة «تايم» حول مقال أفاد بأنه كان متعلقا بتصرفات أدت إلى مجزرة صبرا وشاتيلا، وجدت المحكمة الأميركية أن بعض عناصر قصة «تايم» فيها ادعاءات خاطئة، ولكنها حكمت لصالح «تايم» ولم تفرض أي عقوبة عليها، لأنها لم تجد أي دلائل على «خبث فعلي» من المجلة.

وأشاد السناتور الديمقراطي باتريك ليهي، وهو أحد أعضاء الكونغرس الأربعة الذين تقدموا بمشروع القرار، بالمصادقة على القرار الذي اعتبره أساسيا لحماية «الديمقراطية» الأميركية. وقال ليهي في بيان بعد مصادقة أوباما على القانون: «حريات التعبير والصحافة حجر الزاوية لديمقراطيتنا»، مضيفا أن «دعاوى التشهير القضائية الأجنبية تهدد التدفق الحر للمعلومات في ديمقراطيتنا». وتابع: «نحن نضمن أن المحاكم الأميركية لن تطبق أحكام التشهير الأجنبية من دول لديها مستويات أقل لحماية حرية التعبير من تلك التي يضمنها الدستور الأميركي ضد الصحافيين الأميركيين والكتّاب والناشرين».

ويذكر أن ولاية نيويورك كانت قد أصدرت قانونا مشابها عام 2008.

ومع إصدار القانون الجديد، في حال تثبت تهمة التشهير على كاتب أميركي في دول أخرى، لا يمكن تطبيق الحكم في المحاكم الأميركية التي لن تعترف بالقضية إلا في حال عرضت في المحاكم الأميركية.

وكانت أيرنفيلد قد أسست «المركز الأميركي للديمقراطية» عملت من خلاله على الدعوة للتصدي لقضايا التشهير وتثبيت حرية التعبير في الولايات المتحدة. ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية عن أيرنفيلد قولها إن القانون الجديد «يسمح للأميركيين بكشف أعداء الحرية والديمقراطية من دون الخوف من التخويف الأجنبي».

وينص شرح الكونغرس للقرار الجديد على أن «بعض الأشخاص يعرقلون حقوق حرية التعبير للكتّاب الأميركيين والناشرين، وبدورهم يقلصون مصلحة الشعب الواردة في التعديل الأول للدستور الأميركي في الحصول على المعلومات في القضايا المهمة ومن خلال اللجوء إلى الولايات القضائية الأجنبية التي لا تزود الحيز الكامل لحماية حرية التعبير للكتاب والناشرين التي توجد في الولايات المتحدة ومقاضاة كاتب أو ناشر أميركي في تلك الولايات».

ويقول القانون الجديد إن «المحكمة المحلية لن تعترف أو تطبق حكما قضائيا أجنبيا للتشهير إلا إذا اعتبر القانون المحلي أن تطبيق الولايات القضائية في المحكمة الأجنبية تتناسب مع متطلبات القضاء التي يفرضها الدستور على المحاكم المحلية».

وقد ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة «سياحة المحاكم»، إذ يقرر محامٍ مقاضاة طرف معين في بلد لديه قوانين تناسب موكله، وخاصة في ما يخص قضايا التشهير. وأصبحت المحاكم البريطانية، ومع القوانين البريطانية الشديدة في ما يخص حماية الخصوصية، من أكثر المحاكم المستقطبة لقضايا التشهير وخاصة ضد الصحف والإعلام. وهناك فرق جوهري بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هو أن في المحاكم الأميركية على من يكتب أو ينشر مادة تشير إلى شخص معين، على المسمى في المادة المكتوبة إثبات عدم صحتها من أجل الفوز في قضية تشهير. أما في المملكة المتحدة، فالقانون البريطاني يطلب من الكاتب أو الناشر إثبات صحة ما نشر وإلا يخسر قضية التشهير. وشرح المحامي ليفي أن هناك أشخاصا يلجئون إلى القضاء البريطاني أو الكندي في قضايا التشهير، لأن القانون الأميركي يعطي الأولوية لحرية التعبير. وأضاف: «العامل المهم هناك هو أين يقيم الكاتب أو الناشر وأين تجد ممتلكاته من أجل تحديد تطبيق حكم محكمة عليه». وكان عدد من المحررين والصحافيين البريطانيين قد وجهوا نداء للبرلمان البريطاني لحمايتهم بسبب تكاثر قضايا التشهير وتقييد حرية عملهم. وفي مارس (آذار) الماضي، بدأ البرلمان البريطاني دراسة القوانين البريطانية التي تعتبر منحازة لصالح حرية الخصوصية بدلا من حرية التعبير. وهناك مطالب أميركية بتقوية القوانين الأميركية أيضا في ما يخص التشهير، وخاصة التهديد برفض قضية تشهير تكون باهظة التكاليف، مما يجعل الكتاب يخشون الدخول في مواجهة قضائية حتى وإن كانوا على حق. وأكد ليفي أن الكونغرس يواصل عمله على حماية «حرية التعبير» الأميركية في الفترة المقبلة، إذ يعمل على إصدار قانون يحمي المشتكي ضد جهة معينة من الملاحقة القضائية التي تؤدي إلى تكاليف قانونية باهظة عادة ما تجبر المشتكي على التخلي عن شكواه. وبيحث الكونغرس إمكانية إصدار قانون جديد يمنع ظاهرة تهديد جهة معارضة بقضية تشهير. ومن اللافت أن هذا القرار صدر في وقت تدور نقاشات حول حرية التعبير والنشر عقب نشر موقع «ويكيليكس» الآلاف من الوثائق العسكرية الأميركية وبحث إمكانية مقاضاة صاحب الموقع جوليان أسانج. وبينما يعتبر مسؤولون أميركيون أن «ويكيليكس» نشرت ملفات سرية وأنها عرضت أرواحا لخطر بنشر الوثائق، إلا أنهم لم يشككون في صحة الوثائق.