مصادر فرنسية لـ «الشرق الأوسط»: باريس تأخذ على واشنطن إهمال دور الرباعية

كشفت أن إسرائيل احتجت على رفع درجة مفوضية فلسطين إلى بعثة وتسمية رئيسها سفيرا

TT

كشفت مصادر فرنسية رسمية عالية المستوى لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل وجهت لوزارة الخارجية الفرنسية رسالة احتجاج على رفع مستوى مفوضية فلسطين لدى فرنسا إلى بعثة وإعطاء ممثل فلسطين درجة سفير مع كل ما يترافق من ميزات دبلوماسية وبروتوكولية.

وأفادت هذه المصادر أن الاحتجاجات الإسرائيلية تناولت ثلاث نقاط؛ الأولى، أن إسرائيل غير راضية عن البادرة الفرنسية التي تمت من غير استشارة. والثانية، أن إسرائيل ترى أن ما قامت به باريس هدية مجانية للسلطة الفلسطينية التي ترفض تلبية دعوة الانتقال إلى المفاوضات المباشرة علما بأن فرنسا تؤيد «الدعوة» وعبرت عن ذلك غير مرة. أما المأخذ الثالث فيتناول «التوقيت السيئ» للبادرة الفرنسية باعتبار أنها «ستشجع الفلسطينيين على التشدد».

وعلمت «الشرق الأوسط» أن البادرة جاءت من وزير الخارجية برنار كوشنير الذي كان يبحث عن فكرة جديدة لدعم الفلسطينيين. وقالت المصادر إن باريس «تريد أن تكون خطوتها رائدة بحيث تدفع بالأوروبيين ليحذوا حذوها».

وكانت باريس قد قررت نهاية يوليو (تموز) الماضي رفع مستوى مفوضية فلسطين إلى بعثة وهو أقصى ما يمكن أن تقوم به في الوقت الحاضر، ومنحت رئيس البعثة الفلسطينية هايل الفاهوم درجة سفير متمتع بكل ما ينص عليه البروتوكول الدبلوماسي المعمول به.

إلى ذلك، علمت «الشرق الأوسط» أيضا أن سفراء فرنسا وإيطاليا وإسبانيا سيقومون قبل نهاية أغسطس (آب) الحالي بزيارة للمنطقة تشمل غزة، ورام الله والقدس والقاهرة. وستأتي الزيارة بعد حدثين مهمين فرنسيا وأوروبيا؛ الأول انعقاد مؤتمر سفراء فرنسا في العالم في 25 من الشهر الحالي، الذي سيكون مناسبة للانكباب على السياسة الخارجية الفرنسية وتفحص أولوياتها. ومناسبة للرئيس ساركوزي ليرسم توجهاتها العامة على أن ينكب السفراء على دراسة الملفات الساخنة. وفي هذا الإطار، سيعقد السفراء المعتمدون لدى البلدان العربية ندوة دراسية في معهد العالم العربي على هامش الاجتماع العام.

أما الحدث الثاني فهو لقاء وزراء الخارجية الأوروبيين بعده بيومين، في إطار ما يسمى اجتماعات «غيمنيش» غير الرسمية للتداول الحر في ما بينهم عن المسائل الساخنة. وستكون جولة الوزراء بعد «غيمنيش».

وقالت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «لم تكن في وضع يتيح لها أن تتجاهل دعوة أفيغدور ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل لوزير خارجية إيطاليا «على الرغم من تحفظاتها على الشكل». وبحسب المصادر، فإن باريس طالبت منذ زمن بعيد بفتح أبواب غزة أمام وزراء خارجية العالم وهو ما كانت ترفضه إسرائيل تحت حجج واهية. وتعبيرا عن التحفظات، ربطت باريس الزيارة بتوافر عدد من الشروط منها تطبيق إسرائيل ما التزمت به لجهة رفع جزئي للحصار وصدور قائمة بالسلع الممنوع تصدريها إلى غزة. وتطالب فرنسا ومعها الاتحاد الأوروبي بأن تفتح إسرائيل الأبواب أمام خروج البضائع الفلسطينية إلى الأسواق العالمية، وبرفع كلي للحصار.

وفي حين تنشط باريس دورها الدبلوماسي في المنطقة عبر تكليف السفير جان كلود كوسران بمهمة لاستكشاف إمكانية تحقيق اختراق ما في الملف السوري - الإسرائيلي عبر عرض وساطة فرنسية تحل محل الوساطة التركية، كان الشرق الأوسط بملفاته موضع تباحث بين مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان والدبلوماسيين الفرنسيين في الخارجية والإليزيه. وترى باريس أن هناك نافذة دبلوماسية يتعين الاستفادة منها مع معاودة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المباشرة لإيجاد دينامية دبلوماسية أوسع يمكن أن تفضي إلى اختراق ما في الأشهر الثلاثة القادمة التي تسبق الانتخابات النصفية الأميركية. وقالت الخارجية الفرنسية أمس إن باريس تدعم الجهود الأميركية. وتريد باريس من إسرائيل، مقابل عودة الفلسطينيين إلى الطاولة، تمديد التجميد الجزئي للاستيطان الذي لا يشمل القدس المحتلة، وينتهي في 26 سبتمبر (أيلول) القادم.

وعلى الرغم من تأييد باريس الجهود الأميركية، فإن لديها مآخذ على منهج واشنطن في التعاطي مع ملف السلام. وقالت المصادر الفرنسية إن المأخذ الأهم هو «إهمال» الإدارة الأميركية دور «الرباعية الدولية»، كما أن طريقتها غير كافية للوصول إلى السلام. وتؤكد هذه المصادر أن أهمية زيارة الوزراء الأوروبيين الجماعية للمنطقة تكمن في أنها تظهر الدور الأوروبي وتبين أن الأوروبيين «يتكلمون بصوت واحد ومرتفع» ولا يكتفون بدور الممول. وعلى هذا الصعيد، تدرس باريس إمكانية الدعوة إلى مؤتمر «باريس2» للدول والهيئات المانحة للفلسطينيين يكون تتمة لـ«باريس1» الذي عقد نهاية 2007، لكن لم يتخذ قرار نهائي في هذا الصدد حتى الآن.