مسلسل إيراني عن حياة المسيح يتسبب بتوترات طائفية وسياسية في لبنان

محطتا «المنار» و«إن بي إن» تراجعتا عن عرضه بعد اعتراضات رجال دين مسيحيين

المطران بشارة الراعي خلال مؤتمر صحافي في بيروت أمس عن المسلسل الإيراني (أ.ب)
TT

كاد مسلسل تلفزيوني من إنتاج إيراني أن يفجر أزمة طائفية سياسية في لبنان، بعد أن قررت محطتا «المنار» (التابعة لحزب الله) و«إن بي إن» (التابعة لحركة أمل)، أن تعرضا مسلسل «المسيح» رغم اعتراض رجال الدين المسيحيون في البلد على ذلك. إلا أن المحطتين تراجعتا أمس عن عرض المسلسل بعد أن عرضتا أول حلقة منه، «مراعاة لبعض الخصوصيات». وبعد عرض الحلقة الأولى من المسلسل الذي اشترته المحطتان من شركة إنتاج إيرانية، أعلن رئيس اللجنة الأسقفية الكاثوليكية لوسائل الإعلام المطران بشارة الراعي اعتراضه على المسلسل معتبرا أنه «يعتمد على إنجيل برنابا المنحول وهو إنجيل لا تعتمده الكنيسة ولا تعترف به. وبالتالي فإن كل الأحداث الواردة في هذا المسلسل فيها تحريف للمعتقد المسيحي وتنكر صلب المسيح وتضع مكانه يهوذا». وأوضح أن «المسلسل لم يتطرق لقيامة للمسيح، الأمر الذي نعتبره أكبر إهانة للسيد المسيح ولكنيسته، ويقوض بالتالي كل أسس الدين ومعناه ويخلق فتنة». وانطلاقا من هذه الملاحظات توالت الاعتراضات الدينية التي وصلت إلى حد التهديد بالتظاهر إذا لم يتم إيقاف المسلسل، الأمر الذي أدى إلى تدخلات سياسية على مستوى رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي طلب من وزير الداخلية زياد بارود التدخل لإيجاد حل لهذا الموضوع. وكان لوزير الإعلام طارق متري دور توافقي أيضا، كما قال رئيس مجلس إدارة محطة «إن بي إن» قاسم سويد لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «المركز الكاثوليكي للإعلام كان قد طلب نسخة من المسلسل قبل 4 أيام من بدء عرضه لوضع الملاحظات عليه، وقد أرسلنا لهم نسخة مختصرة من 17 حلقة، إلا أنهم لم يرسلوا لنا أي تعليق إلى أن تفاجأنا بالضجة الإعلامية التي أثيرت حوله». وفي حين أكد سويد أن المسلسل قد مر على الأمن العام اللبناني من دون أي اعتراض، لفت إلى أن الملاحظات قد وصلته يوم أمس عن طريق الأمن العام الذي تسلمها من المركز الكاثوليكي للإعلام. وأضاف: «كنا نتمنى أن يأخذ النقاش طابعا آخر من دون أن تصل إلى التلويح بالقيام بتحركات على الأرض، وكان بإمكاننا أن نجلس معا ونتبادل الآراء لإيجاد حل يرضي الطرفين بدل الوصول إلى إيقاف المسلسل الذي سبق لنا أن دفعنا ثمنه، كأن يصار إلى اقتطاع بعض المشاهد التي اعترض عليها الطرف الآخر». ويشير سويد إلى أن إدارتي المحطتين لم تكن تتوقع أن يثير هذا المسلسل أي اعتراض لا سيما أنه سبق أن عرض في لبنان مسلسلا «النبي يوسف» و«مريم» الذي عرض على شاشة «OTV» (التابعة لميشال عون) وكانت ردود الفعل عليهما إيجابية جدا. وكان النائب في كتلة الكتائب اللبنانية نديم الجميل قال خلال مشاركته في الاعتصام الذي نظم في المركز الكاثوليكي للإعلام حيث عقد المطران الراعي مؤتمرا صحافيا: «لسنا في إيران لعرض مسلسل السيد المسيح»، معتبرا أنه إذا تم الحصول على رخصة من طهران لعرضه فهذا لا يعني تجاهل رخصة الأمن العام من الدولة اللبنانية، لأن هذا الأمر ليس من ضمن عمل المقاومة أو سياسة حزب الله في لبنان. وقد حمل الجميل المسؤولية لمدير عام الأمن العام وفيق جزيني ووزير الداخلية زياد بارود، «خصوصا أنه تم الإعلان في وقت سابق عن المسلسل ووضعت الإعلانات له على الطرقات». وبعد إعلان قرار الإيقاف، أعرب الراعي في مؤتمره الصحافي عن تقديره للقرار الذي اتخذته المحطتان معتبرا إياه «دليلا على أننا في لبنان ما زلنا قادرين أن نضع الخير العام فوق كل قرار آخر وأننا لا نزال نسمع بعضنا». من جهته، أشار وزير الإعلام طارق متري إلى أن حواره مع رئيس مجلس إدارة محطة «المنار» ومدير عام «إن بي إن» كان جيدا، وسمع منهما حرصهما على عدم الإساءة للإيمان المسيحي واحترام مشاعر المسيحيين. وقال إن «البحث ارتكز على الصيغة المناسبة للتعبير عن هذا الحرص، والحل الأنسب كان التوقف عن بث هذا المسلسل». وأعرب متري عن اعتقاده بأن المشكلة والحل الذي اعتمد أبعد من السياسة وأبعد من القانون، معتبرا أن تفسير الموضوع بالسياسة يقلل من قيمته.

وقد وصل الاستياء من البرنامج نفسه إلى تونس، حيث ناشد محامون تونسيون مفتي تونس الشيخ عثمان بطيخ التدخل العاجل لإيقاف بث قنوات تونسية مسلسلات دينية إيرانية تجسد أنبياء، لما في ذلك من مس بمقام النبوة، من بينها مسلسل «المسيح». وبدأت قناتا «نسمة تي في» و«حنبعل» المملوكتان للقطاع الخاص في بث مسلسلات «يوسف الصديق» و«السيد المسيح» و«مريم العذراء» مع بداية شهر رمضان، والتي يتم خلالها تجسيد النبيين يوسف ويعقوب. وقال المحامون في رسالة إلى المفتي إن الغرض من طلب تدخله هو وضع حد لما وصفوه بالانتهاك الخطير لمقام الأنبياء خلافا للمتعارف عليه بشأن تصوير الأنبياء، ولصون ركن من أركان الإيمان حسب قولهم.