للانتصار في الحروب.. يجب على الجنرالات الانخراط في دهاليز السياسة والعلاقات العامة

تغيير الطرق التي يدرب بها كبار الضباط بعد فقد اثنين من القادة العسكريين وظائفهما في أفغانستان

TT

بعد تسع سنوات من القتال في صحراء وجبال الشرق الأوسط، توصل الجيش إلى أن مهارات القتال التقليدية التي يصعب اكتسابها والتي أتاحت لأجيال من القادة العسكريين الماهرين حماية المصالح الأميركية حول العالم لا تعد ببساطة كافية لتأكيد النصر في الحروب في هذه الأيام، أو التقدم الوظيفي من خلال الرتب العليا في القوات المسلحة.

لا يعد إتقان تكتيكات القتال والموهبة القيادية إلا من الشروط المسبقة. من المتوقع الآن أن يكون الجنرالات وغيرهم من كبار الضباط مديرين مدنيين وسفراء ثقافيين وماهرين في العلاقات العامة وسياسيين، حيث إنهم يتعاملون مع مهمات ودوائر متعددة في منطقة الحروب وفي عواصم الدول الحليفة، وفي الداخل.

تساعد الطلبات المتزايدة على تفسير كيف فقد آخر اثنين من القادة العسكريين في أفغانستان وظائفهم، وهما من أكثر الضباط كفاءة في جيلهما. ودفع الاثنان الجيش إلى تغيير الطريقة التي يدرب بها كبار الضباط ويرقيهم.

وقال الجنرال ديفيد بترايوس، القائد العسكري البارز في أفغانستان: «يجب أن يكونوا قادة رياضيين». وفي الوقت الذي أثبت فيه العراق وأفغانستان أن القائد العسكري يجب أن يتقن الفروق البسيطة في اتفاقات التحالفات الدولية والحكم المحلي والسياسة القبلية، غير الجيش نطاقات التدريب لديه ومناهجه.

لم تعد الدرجات العالية في المعارك الوهمية في صحراء كاليفورنيا أو في مستنقعات لوازيانا المقياس الوحيد. يتم الآن استخدام القرى الوهمية والقادة القبليين سريعي الغضب والوكلاء الذين يمثلون الأجندات المتنافسة للوكالات الحكومية والمنظمات غير الحكومية لاختبار المجموعة الموسعة للمهارات المطلوبة للقائد العسكري.

بيد أن الضباط البارزين يقرون بأن من الصعوبة بمكان تحديد كيفية إعداد أكبر القادة العسكريين لديهم لإدارة العلاقات مع المسؤولين المدنيين في واشنطن، خصوصا إذا ما كان التأييد الشعبي للاستراتيجية والحروب نفسها يتلاشى.

وفي إقرار بأن المناصب العليا أصبحت أكثر صعوبة من أي وقت مضى من الناحية الفكرية، ومرهقة بدنيا وبغيضة من الناحية السياسية، يؤكد كبار الضباط على أن الخدمات المسلحة تتطلع إلى هذه المجموعة الأوسع نطاقا من المهارات في الوقت الذي يعدون فيه كبار القادة العسكريين في المستقبل لقناع القيادة الذي كان يرتديه واشنطن وغرانت ومارشال وأيزنهاور.

وربما لا يوجد أي جنرال في وضع أفضل لتقييم التحديات الجديدة للقيادة من الجنرال بترايوس، الذي أرسله الرئيس أوباما إلى أفغانستان ليحل محل الجنرال ستانلي ماكريستال، الذي تم إعفاؤه من منصبه كقائد لقوات التحالف هناك بعدما نشرت مجلة «رولينغ ستون» تصريحات له ولمساعديه انتقدت القادة المدنيين في واشنطن بل وحطت من قدرهم. وكان الجنرال ماكريستال قد تولى هذا المنصب عندما غيرت إدارة أوباما الاستراتيجية ليحل محل الجنرال ديفيد ماكيرنان.

وكما كان الحال في العراق، تلقى الجنرال بترايوس الأوامر بإنقاذ جهود الحرب، التي عانت نقصا في الموارد بعدما تم إنزالها إلى مرتبة حرب ثانوية منذ أعوام.

وفي محادثة عبر الهاتف من مقر القيادة في أفغانستان، قال الجنرال بترايوس إن المطالب المتغيرة لمكافحة التمرد والحرب التي تخوضها قوات التحالف قدمت مجموعة من التحديات الإدارية المعقدة.

وفي تكليف سابق، أدار الجنرال بترايوس مدارس الجيش في معسكر «فورت ليفنورث» بولاية كنساس، التي تعد رئيسية بالنسبة إلى الجهود الرامية إلى تحويل القوات البرية من الاستعدادات لما وصفه بأنه «صراع الجبابرة» - حرب الدروع الثقيلة - إلى تحقيق نجاح أفضل في حروب مكافحة التمرد في هذه الأيام، التي تركز على حماية السكان المدنيين وتمكين الحكومات المحلية كما تفعل مع القوات التي تقتل مقاتلي العدو.

ولتحقيق هذه الغاية، قاد الجنرال الجهود الرامية إلى كتابة دليل لمكافحة التمرد - وهو برنامج للحروب في هذه الأيام - ودليل جديد حول قيادة الجيش، الذي «حاول التعامل بفاعلية مع جميع هذه السمات اللازمة في القادة في العمليات الكاملة».

وأقر بأن هذه المهمات المعقدة يجب أيضا إجراؤها في ظل «العدسة المعظمة التي توجه عليهم من جانب دورة إخبارية تعمل على مدار الساعة».

وسيكون الجنرال بترايوس تحت هذه العدسة المعظمة، حيث يتساءل محللون ما إذا كان المؤرخون، الذين قالوا إن أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات، على صواب جزئيا، وما إذا كانت أفغانستان من الممكن أن تصبح بطريقة مماثلة، بالنسبة إلى الجيش الأميركي، المقبرة الرمزية للحياة المهنية للجنرالات أيضا.

وهذا لا يعني أن القادة العسكريين السابقين للميادين الرئيسية للحرب كان لديهم ذلك بكل سهولة.

عندما كان أيزنهاور القائد العسكري في أوروبا في الحرب العالمية الثانية، كان لديه سياسات التحالف للإدارة، فضلا عن الغرور الهائل لمرؤوسيه.

لكن كوري شيك، الباحثة في مؤسسة «هوفر»، التي شغلت مناصب بارزة في السياسة العامة في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة الدافع، قالت إن مهمة أيزنهاور كانت أكثر وضوحا.

وقالت: «كانت أوامره هي غزو أوروبا وفتح ألمانيا. وطُلب منه هزيمة جيش وطني آخر منظم وموحد. وبالمقارنة، فإن جزءا من السبب في أننا نخوض الحروب في هذه الأيام هو أن القوة العسكرية لا تستطيع بهذه السهولة تحقيق المجموعة المعقدة والمتطورة من آثار الرتبة الثانية التي نطالبها بتحقيقها».

لقد زادت سرعة الحرب. وقالت شيك إن المهمات والأهداف في كل من العراق وأفغانستان لم تكن هي فقط التي تغيرت على مدار سنوات الحرب، لكن قبل «ساعة الصفر»، استدعت الولايات المتحدة «آلاف الخبراء الاقتصاديين وقادة الصناعة» لتخطيط الاحتلال. واليوم، على الرغم من ذلك، «انتقلت مسؤوليات أمور لا تعد مجالات تقليدية للخبرة العسكرية - مثل إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية – إلى العالم العسكري».

وقال ديفيد بارنو، الليفتنانت جنرال متقاعد الذي كُلف إقامة مقر جديد لكبار الضباط في كابل عام 2003، إن الإشراف على هذه المحفظة الممتدة والعريضة يتطلب قائد عمليات لإقامة نطاق واسع من العلاقات لم تكن مطلوبة من الضباط السابقين.

وأضاف: «لم أعد أستطيع الاعتماد فقط على العلاقات داخل الجيش. كان علي توسيع شبكتي بصورة كبيرة لتشمل أجزاء أخرى من الحكومة – السفارة هناك ولاعبون بارزون في وكالة المساعدات الأميركية – وبدء وتنمية علاقات مع أعضاء من الحكومة المضيفة لتنفيذ أي شيء. ولا بد أن لا ننسى الحلفاء، والكونغرس، ووسائل الإعلام».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»